نحن بشر… خُلقنا مختلفين لا نشبه بعضنا، في أشكالنا، في ألواننا، في طبائعنا، وحتى في خفقات قلوبنا. لا نشبه بعضنا في الحب، ولا نتفق تمامًا في الإيمان، نقترب من الله كلٌّ بطريقته، وكلٌّ على قدر نور قلبه، وخطوته، وسيرته التي لا يراها إلا الله. ومع ذلك، لا زال فينا من يتجرأ على إطلاق الأحكام..!! أنت في الجنة! وأنت في النار! أنت مؤمن! وأنت كافر!! على أي أساس؟ وبأي حق؟ هل لأن شخصًا لا يؤمن بما نؤمن به، صار لا يستحق الرحمة؟ هل لأن إنسانًا أحبّ بطريقته، أو تديّن بروح مختلفة، صار مذنبًا؟ هل لأن شخصًا لم يعبد الله على طريقتنا، صار من أهل الهلاك؟ ما هذه الثقة في أنفسنا؟ وما هذه القسوة باسم الدين؟ ننسى أن الله خالق هذا التنوع، ونتجاهل أنه قال في كتابه: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ *سورة هود، الآية ١١٨ الاختلاف ليس خطيئة، بل سُنّة من سنن الله في الخلق. خذوا غازي القصيبي مثالًا… فكّر، وكتب، فأبدع، ثم هوجِم. لمجرد أن فِكْرَهُ كان خارج قوالب الفكر الجاهز، كان بروحٍ لا تُشبه إلا نفسها.. كان مسؤولًا، وشاعرًا، ومثقفًا، ورجل دولة، أحبّ وطنه، وخدمه في الداخل والخارج. ومع ذلك، لم يسلم من هجوم من لا يحتملون رأيًا مختلفًا. كأن الإبداع تهمة، وكأن الاختلاف خيانة.. ومثله المفكر عبد الله القصيبي، عالم الاجتماع السعودي الذي نظر للمجتمع من زوايا لم يجرؤ عليها كثيرون. كتب عن الإنسان، عن التحولات، عن التشدد، وعن وهم القداسة الاجتماعية. لم يشتم، لم يكفر، لم يُفسد… لكنّه فقط فكّر بنسقٍ غير مألوف، بصوتٍ خارج الإيقاع المعتاد فكان الهجوم نصيبه، كأنه تجاوز المحرّم. لماذا نحكم؟ لماذا نستعجل في تصنيف البشر؟ هل رأينا نواياهم؟ هل عرفنا سرائرهم؟ هل شهدنا على صدق قلوبهم وهم بين أيدي الله؟ إن لم نفعل — ولن نفعل — فدعوا الخلق لخالقه.. فهو الأعلم بمن يستحق، وهو الأرحم بهم منّا. اتركوا القلوب لبارئها.. دعوا الخطى تمضي إلى الله على قدر نورها.. نحن لا نملك الجنة ولا النار، ولا نملك ما يُغلق أبواب الرحمة على الناس. الدين ليس سيفًا نُشهره، بل نورًا نُهتدى به. كما قال غازي القصيبي، وكأنّ كلماته كانت ردًا على من هاجموه يومًا: دعوا الزمان يَفِلُّ حدّ سيوفكم… فالله أعدلُ من يُقيمُ مقامَهُ" بقلم/ حصة الزهراني ماجستير في العلاقات العامة والإتصال المؤسسي- وزارة التعليم