في زمن التحولات الكبرى، اتخاذ القرار لم يعد رفاهية ولا مجرد إجراء بيروقراطي، بل أصبح شرطًا من شروط البقاء والنهوض. فالأمم التي تتردد تتجمد، والقادة الذين يساومون على الوقت يُهزمون، والشعوب التي لا تملك شجاعة القرار تذوب في ظلال غيرها. وفي قلب هذا الواقع، تبرز المملكة العربية السعودية اليوم كنموذج لدولة قررت ألا تنتظر أحدًا، بل تعيد تشكيل نفسها وفق إرادة جديدة تقودها قيادة واعية تعرف إلى أين تسير ولماذا. المملكة كانت دائماً ذات إرث سياسي واقتصادي وثقافي وديني راسخ، امتلكت من المقومات ما جعلها مركز ثقل إقليمي ودولي. لكن ومع تعاظم التحديات وتغير شكل العالم، لم يعد مقبولًا أن نستمر بالأدوات نفسها. فظهر الاعتماد شبه الكامل على النفط، والجمود في قطاعات اقتصادية حيوية، وتزايدت الفجوة بين الشباب وطموحاتهم من جهة، ومتطلبات سوق العمل من جهة أخرى، إلى جانب أنظمة حكومية تقليدية تحتاج إلى كفاءة وسرعة. عند هذا المفترق، لم تأتِ رؤية السعودية 2030 لتقلب الصفحة فقط، بل لتبدأ فصلاً جديدًا في قصة وطن. لم تُهدم الرؤية ما مضى، بل احترمته وطوّرت عليه، انطلقت من الجذور لكنها رفعت بصرها نحو أفق مختلف، وقررت أن يكون المستقبل صناعة لا انتظارًا. وهنا تجلّت شخصية سيدي الأمير محمد بن سلمان كقائدٍ مختلف، لا يدير الممكن، بل يعيد تعريفه، ويتخذ القرارات بشجاعة. لم تكن تصريحاته شكلية، بل كانت مؤشرات لطريقة جديدة في التفكير وفي الفعل، حيث قالها بوضوح: "لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أفكار متطرفة... سندمرهم اليوم". لقد كان ذلك إعلانًا حقيقيًا لبدء معركة واعية ضد التردد، وضد التطرف، وضد كل ما يعطل تحرك الوطن نحو مكانه المستحق. في ضوء هذا التحول، أصبحت القيادة السعودية تجسيدًا حيًا لما تسميه أدبيات الإدارة ب "القيادة التحولية"، والتي تقوم على الإلهام، التحفيز، صناعة التغيير، والتمكين. وقد تمثلت تلك الخصائص بوضوح في مشاريع كبرى مثل نيوم، والقدية، وسير، وذا لاين، وفي التمكين المتسارع للمرأة، والتحول الرقمي، والانفتاح الاقتصادي، وتكثيف حضور المملكة في محافل القرار العالمي. هذه ليست مجرد نتائج تقنية لخطط اقتصادية، بل مخرجات قرارات مصيرية، نابعة من إيمان القيادة بأن الزمن لا يرحم من يتأخر. ومع هذا التحول، لم يعد القرار السياسي حكرًا على صناع السياسات، بل أصبح ثقافة وطنية، تبدأ من أعلى الهرم، وتمتد إلى كل مؤسسة، وكل مسؤول، بل إلى كل فرد. وهنا يتعاظم دورنا كمواطنين وكمؤسسات، وخاصة في جمعية اتخاذ القرار، في نشر هذه الثقافة العميقة: أن القرار لا يُتخذ فقط في المكاتب العليا، بل في كل موقع عمل، وفي كل مشروع صغير، وفي كل فكرة شجاعة لا تنتظر إذنًا من أحد. فكما قال الأمير محمد بن سلمان ذات مرة: "طموحنا أن نبني وطنًا أكثر ازدهارًا، يجد فيه كل مواطن ما يتمناه"، فالمستقبل ليس حلمًا، بل التزامًا جماعيًا يبدأ من القائد ويُستكمل بالشعب. المملكة اليوم لا تعيش إصلاحًا إداريًا أو اقتصاديًا فحسب، بل تخوض ثورة ناعمة بكل المقاييس: ثورة في الفكر، وفي طريقة العمل، وفي ما تعنيه كلمة "قرار". وهذا كله لم يكن ليحدث لولا وجود قائد آمن بهذا الطريق ومضى فيه دون تردد. وختامًا، ونحن نكتب عن القرار والقيادة، لا بد أن نتوجه بأسمى عبارات الشكر والتبجيل لقائدنا الملهم، سمو ولي العهد سيدي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي لم يكتفِ بأن يرسم رؤية، بل جعل منها واقعًا يتجسد يومًا بعد يوم، وفتح أمامنا طريقًا جديدًا لا نكتفي بالسير فيه، بل نفخر بأننا نسير معه، ونسير خلفه، نحو مستقبل يتجاوز الطموحات، ويصنع المستحيل.