معرض الرياض للكتاب يشرع أبوابه لجمهور الثقافة    وزارة الداخلية تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025 بمَلْهَم    وكيل محافظة الاحساء يزور فرع "ترابط" لرعاية المرضى    "وقاء نجران" يُنظّم ورشة حول أهم الآفات التي تصيب البُنّ    أمير منطقة جازان يطلق جائزة "الأمير محمد بن عبدالعزيز لمزرعة البن النموذجية" بنسختها المطورة    "هيئة العناية بالحرمين": 115 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر ربيع الأول    السدو.. رواية رفعة السبيعي    التكيُّف مع الواقع ليس ضعفًا بل وعي وذكاء وقوة    "التخصصي" في المدينة ينجح في إجراء زراعة رائدة للخلايا الجذعية    المخبر الوطني بالقيروان.. ذاكرة المخطوط العربي    تراجع اسعار الذهب    زلزال الفلبين: بحث يائس ومخاطر متصاعدة    هجوم حوثي صاروخي يستهدف سفينة هولندية في خليج عدن    اغتيال مرشح برلماني يهز طرطوس.. أردوغان يحذر من المساس بسلامة الأراضي السورية    قمة أوروبية لمواجهة تهديدات موسكو.. مفاوضات روسية – أمريكية مرتقبة    البنتاغون يواصل تقليص مهمته العسكرية بالعراق    الشباب يبدأ مشواره الخليجي بالتعادل مع النهضة    الهلال يطلب عدم استدعاء نونيز لقائمة منتخب أوروغواي    البرتغالي روي بيدرو مدير رياضياً للنادي الأهلي    كلوب يرفض العودة.. «سباليتي وكونسيساو» الأقرب لتدريب الاتحاد    في الجولة الثانية من «يوروبا ليغ».. روما وأستون وفيلا وبورتو لتعزيز الانطلاقة القوية    أمراء ومسؤولون يقدمون التعازي والمواساة في وفاة الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    «التأمينات» اكتمال صرف معاشات أكتوبر للمتقاعدين    القبض على مقيمين لترويجهما 14 كجم «شبو»    تابع سير العمل ب«الجزائية».. الصمعاني: الالتزام بمعايير جودة الأحكام يرسخ العدالة    الصورة الذهنية الوطنية    «المرور»: استخدام «الفلشر» يحمي من المخاطر    إرث متوارث.. من قائد (موحد) إلى قائد (ملهم)    شذرات.. لعيون الوطن في يوم عرسه    تسعى إلى إشراكهم في التنمية..«الموارد» : ترسيخ التحول الرقمي لخدمة كبار السن    الذكاء الاصطناعي بين الفرص والتحديات    رحب باستضافة السعودية مؤتمر«موندياكولت».. بدر بن فرحان: شراكة المملكة و«اليونسكو» تسهم في التنمية الثقافية    عرض «فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال» في نوفمبر    كشف أسرار النقوش في صحراء النفود    5.9 مليار ريال تمويلات عقارية    ائتلاف القلوب    شذرات لعيون الوطن في يوم عرسه    تدشين منصة لتراخيص نزل الضيافة المؤقتة    صوت فلسطين    باحثون يطورون علاجاً يدعم فعالية «المضادات»    شيءٌ من الوعي خيرٌ من قنطار علاج    استئناف ممارسة رياضة الطيران الشراعي في السعودية    اختتام برنامج إعداد مدربين في مكافحة «الاتجار بالأشخاص»    تقليص ساعات العزاء والضيافة عن نساء صامطة    ملتقى لإمام وقاضي المدينة المنورة بن صالح    "جدة بيوتي ويك" يجمع رواد التجميل والابتكار في موسم جدة    صداقة وتنمية    «الشؤون الإسلامية» تنفذ 23 ألف نشاط دعوي بالمدينة    برشلونة يفشل في كسر عقدة باريس سان جيرمان ويسقط بهدف قاتل في "أبطال أوروبا"    معتمرة تعود من بلدها لاستلام طفلها الخديج    استعادة 15 مليون م2 أراض حكومية في ذهبان    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة    أمير جازان يستقبل وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية    نزاهة تحقق مع 387 مشتبها به في قضايا فساد من 8 جهات حكومية    القيادة تهنئ رئيس الصين بذكرى اليوم الوطني لبلاده    بطل من وطن الأبطال    تقرير "911" على طاولة أمير الرياض    فيصل بن نواف: القطاعات الأمنية تحظى بدعم واهتمام القيادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد العلي يعانق الزمن في «يجلس عارياً أمام سكايب»
وعن الوحدة والقلق.. ومتمرداً على لغته ..
نشر في الرياض يوم 03 - 08 - 2013

يقطع أحمد العلي في تجربته الشعرية الجديدة (يجلس عارياً أمام سكايب – دار طوى 2013)، كل صلة تربط هذه المجموعة، بتجربته الأولى في كتاب (نهام الخليج الأخضر)؛ لا مكان للمقارنة، فنصوص "يجلس عارياً" لا تهدم العلاقة مع سابقاتها من شعر العلي وحسب وإنما تنهض، عبر أسلوب برع الشاعر السعودي، في استلهام زمنه والتعبير عن قلقه ووحدته، بصوتٍ شعريٍ خاص، يحاول التمرد، على تجربته السابقة وعلى العالم في آن، من خلال قصائد تتماس مع الزمن العولمي وكل تشظياته التكنولوجية؛ متوجهاً وملتصقاً - العلي - أكثر بلغة جيله المتداولة وهو يترجم نصوصه إلى لغة الدردشات الالكترونية، كما في نصه الأساس (ظَهرُ الساعة) والذي يترجمه العلي في الصفحة التالي ب (ahro al sa3ah'6)، ناسفاً تلك الصرامة في التعامل مع اللغة الشعرية، لا شكلاً ولا مضموناً؛ إذ نقرأ في هذا النص: (أديرُ للعالم ظهري/لا لانتصار سخيفٍ/ كمشهد الانفجار في نهايات أفلام هوليود/ ولا لأني أنتمي لعائلة الأحلام العريقة.. أدير للعالم ظهري لأنه شفاف، مثلُ ظهر ساعة يدٍ شفافة/ حدث هذا عندما حطّ قمرٌ صناعيٌ على كتفي/ فغطستُ رأسي في ماء الليل كثيراً، ورأيتُ ما رأيتُ، لم أختبىء/ أكره العناكب وأزواج الحمام) وبعد عرض رموز دخول عولم الشبكة العنكبوتية، يفصح أحمد العلي: (لم أختبيء.. أجلس عارياً أمام سكايب.. أنتظر العالم كله/ لكن/ لا أجدُ أحداً في القائمة). هكذا إذاً يعبر العلي عن وحدته الموحشة في هذا الفضاء العنكبوتي "لا أجد أحداً في القائمة". وإلى جوار سكايب تحتشد في كتاب العلي، مجموعة كبيرة من المفردات الالكترونية (ريموت كنترول، شاشة، فيلم، فيسبوك..الخ) والتي تتفاعل معها النصوص، إنسانياً وهي تنحو أكثر نحو الاختزال والتكثيف في الجمل الشعرية والقرب من الزمن على مستوى المادة الدلالية والجمالية الحديثة. إذ إن نصوص "يجلس عارياً أمام سكايب" تأتي كمجموعة معانقة لحياتنا اليوم ليس في مفرداتها الجديدة وإنما أيضا في شكل هذا العناق الذي يكون في أحد أجمل صورة (الشعر). وهنا نلاحظ أهمية الوثبة الجريئة التي أقدم عليها العلي في تغيير مساره الشعري، من القصيدة المتأثرة بتجارب (ورقية) سابقة إلى تجربة تحدق بكثافة في زمنها والتجارب المحيطة والحديثة المعانقة لهذا الزمن وظلاله. وأذكر جيداً، ما قلته، عند عرض المجموعة الأولى للشاعر أحمد العلي، حيث كتبت في ختام عرض المقال: " لا شك أن تجربة العلي الأولى تنبئ بما هو قادم، خصوصا وان أحمد (24 عاما) يراهن بالدرجة الأولى على لغة ناضجة، حتى ولو اعتقدنا أنه يجتر - في بعض ما يكتب- خطاب الحداثة الشعرية الأول والنص النثري عند ادونيس، تحديدا، إلا أن المثابرة والتجارب الزمنية والشعرية المقبلة، كفيلة بتحديد موقع وريث محمد العلي في المشهد الشعري الشاب والحديث". (أنظر الرياض 4 ديسمبر 2010)؛ هذه كانت أمنية كاتب السطور، في أن يقترب أحمد من موقع الشعر الشاب ليعبر عن صوته الخاص في هذا الزمن؛ إلا أن الشاعر أحمد العلي تفوق على المؤمل مفاجئاً المشهد بهذا المنجز، بعد نزع جلد تلك اللغة التي عرف بها الشعر وعرف بها ذاته، مبتكراً خطابه المتمرد وملصقاً أيقونة "قناع فنداتا" على غلاف كتابه الجديد، وهو رمز التمرد الشهير على العولمة الرأسمالية المتوحشة، وأنظمتها التي تحتكر الإعلام وتغسل الأدمغة والوعي الجماهيري، وتدعم شركاتها العابرة للجنسيات والتي تكب منتجاتها وثقافاتها في مكب العالم الثالث وهنا نقرأ مجدداً ما يشي بهذا الرفض والغضب من الذات في نص (خرده) " من نافذة ماكدونالدز، أشهر النوافذ وأكثرها في العالم، يطل عليك ميكانيكيٌ/ خبيرٌ في الشحم والبراغي/ يعرفُ تماماً.. كم أنا خُردة)!. وإذا كانت المجموعة الأولى أقرب للعاطفة والحب، فإن نصوص أحمد الجديدة في "يجلس عارياً" تعرف تماما أي شعر يريد العلي في هذا الزمن المتوحش وأين؛ حيث يعلن العلي في نص (جبل النفايات)، كاتباً: (أبحث عن الشعر بوضع السم للكلمات الهاربة دوماً/ تحت الثلاجة وعند الفراش وفي سلة القمامة/ لستُ رومانسياً/ لأجده في التأمل شلال أو ادّعاء التخاطر مع كواكب.. هذا عالمٌ متوحشٌ، الدمار فيه يوزع أرزاقه، كلماتهُ يسعى بها جرادٌ معدني/ من بريد الرصاص). وعن المعايشة حد الانسجام مع الفضاء الافتراضي، يكتب أحمد في نص (حياةٌ موازية): (هذه مزرعتي الخاصة وأنتِ لستِ مدعوة حتى لرؤيتها/ كل ما أرميه يزرع هنا/ أصدقاء الفيسبوك/بريدي القديم/ كلمات السر الحميمة، الهدايا الرخيصة من العائدين من السفر.. هواتفي الميتةُ/ أدلة جرائمي وأدواتها). أما في نص (ثلاجة بيبسي) فيدون أحمد العلي ما هو أقرب لليومي، حيث نقرأ: (في يدك كوب ستاربوكس وتتمشى في الشارع/ لا أحد يتحرش بك ولا أنت تفعل/ مثل ورقة مقطوعة من دفتر تقويم/ تمر بيبسي قديمة/ تلك التي عليك أن تلقمها عملة جديدة وإلا بصقت عليك مثل عاهرة.. مثل الحياة/ توقن حينها/ أن مطلبك ليس أصعب من أن تبلل علبة بيبسي منقارها من شفتيك/ لتطير أمامك). المجموعة التي تجرعت كل هذه "الواقعية العولمية" لم تخلُ من بعض النصوص الحنينية، كاستعادة "رومانسية الطفولة والصبا" في نص (قرية الألعاب): ( هل كنت هنا ذات يوم؟ أضواء قرية الألعاب/ تبعث في الطلق، شيئاً غريباً/ إنها مملكة الألوان، تبتاعُ تذكرة دخولٍ/ لكي تطأ السماء.. لكي (تنزف البحر). وصولا لنص (رسوم الكارتون)، حيث يقارن مع تلك الطفولة: (لم تعد رسوم الكارتون ملهمةً، وتدل على الطريق/ هي الآن لا تفهم أغانيها، لا أحد، يبحث عن أمه، لا أحد يبحث عن حبيبته، لا أحد يبحث).
وبين أحمد الشاعر وأحمد المهندس (الوظيفة، قبل أن يتركها)، نقرأ ذلك التناقض الممل بين ما نهوى، هو ما نعيش والذي يدونه العلي بتفاصيل مشهدية بارعة، شارداً على ما يبدو خلال اجتماع عمل: ( يحدث كثيراً/ أن أكون في اجتماع عملٍ - مثل الآن – مع أناسٍ - مثل هؤلاء – هناك ما يحقنني بمصل الصمتِ والملل/ يهرب مني، ما يمكنه أن يفتح الباب ويخرج دون اعتراضٍ من أحد؛ رسائل واتساب، نظراتٌ شاردة، ضحكاتٌ مكتومة/ أكتب هذا وهم يهذرون كثيراً.../ الآن يبدأ عرض اللوائح/ لا رقص، لاشعر ولا حتى موسيقى، هندسة محضة لهذه المعمورة).
هكذا إذاً، يسجل الشاعر السعودي، في تجربته، نقلةً نحو الزمن، لا لكي يحاكيه ظاهرياً وإنما كي يتماهى في أبجدياته، جمالياً، بلغة أنيقة.. هي ما عودنا عليها، أحمد العلي.
علي سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.