نائب أمير منطقة مكة يشهد حفل التخرج الموحد للتدريب التقني والمهني    مساجد العارضة تقيم مبادرة توعوية بأهمية السلامة الصحية في مقر العمل    مبادرة "البصمة الخضراء" بالشراكة مع جامعة الملك خالد    شتيغن يعود لحراسة برشلونة    وفد وزاري يناقش الخطط التنفيذية مع صحة جازان    "الداخلية" تباشر منع دخول المخالفين بدون تصريح إلى مكة والمشاعر المقدسة    إمام المسجد الحرام: البلايا سنة إلهية وعلى المؤمن مواجهتها بالصبر والرضا    إمام المسجد النبوي: الاشتغال بما لا يعني سببٌ للتعاسة ومصدرٌ للخصومات والندامة    الشركات العائلية تقود 60 % من الناتج المحلي لدول الخليج    أمير القصيم يشيد بجهود جمعية "كبدك" في تنمية مواردها المالية ويثني على أدائها المميز    يايسله يعلق على مواجهة كاواساكي:    مغادرة أولى رحلات "طريق مكة" من إندونيسيا عبر مطار جاواندا الدولي إلى المملكة    المياه الوطنية تحقق المركز الثاني في جائزة التميز لتفضيل المحتوى المحلي    524 جهة عارضة من 20 دولة في أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025    "العليان" يحتفي بتخرج نجله    "الراجحي" يحصل على الماجسير مع مرتبة الشرف    الهلال الأحمر بالشرقية يدشّن مشروع "معاذ" للسلامة الإسعافية بجسر الملك فهد    صعود الأسهم الأوروبية    امطار وزخات من البرد ورياح في عدة اجزاء من مناطق المملكة    مدير منظمة الصحة العالمية: وضع غزة كارثي ومليونا شخص يعانون من الجوع    نائب أمير المنطقة الشرقية يرعى تخريج الدفعة 46 من طلاب وطالبات جامعة الملك فيصل    أمير المدينة المنورة يرعى حفل تخريج الدفعة السابعة من طلاب وطالبات جامعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز    في إلهامات الرؤية الوطنية    ذواتنا ومعضلة ثيسيوس    الترجمة الذاتية.. مناصرة لغات وكشف هويات    تهريب النمل    أرقام آسيوية تسبق نهائي الأهلي وكاواساكي    الرياضة النبيلة والرؤية العظيمة    الذكاء الاصطناعي يحسم مستقبل السباق بين أميركا والصين    نظام جديد للتنبؤ بالعواصف    ماجد الجمعان : النصر سيحقق «نخبة آسيا» الموسم المقبل    الفتح يتغلب على الشباب بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    المملكة نحو الريادة العالمية في صناعة الأدوية    غزة.. حصار ونزوح    تراجع الديمقراطية في أمريكا يهدد صورتها الدولية    الوحدة يقلب الطاولة على الأخدود بثنائية في دوري روشن للمحترفين    الصيام المتقطع علاج أم موضة    أمانة الشرقية تفعل اليوم العالمي للتراث بالظهران    سكرتير الأديان في بوينس آيرس: المملكة نموذج عالمي في التسامح والاعتدال    إطلاق 22 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في متنزه البيضاء    أمير تبوك: خدمة الحجاج والزائرين شرف عظيم ومسؤولية كبيرة    845 مليون ريال إيرادات تذاكر السينما في السعودية خلال عام    الحميري ينثر إبداعه في سماء الشرقية    الجبير ووزير خارجية البيرو يبحثان تعزيز العلاقات    أمير الشرقية يثمن جهود الموارد في إطلاق 6 فرص تنموية    انخفاض وفيات حوادث الطرق 57 %    مدير الجوازات يستقبل أولى رحلات المستفيدين من «طريق مكة»    خلال جلسات الاستماع أمام محكمة العدل الدولية.. إندونيسيا وروسيا تفضحان الاحتلال.. وأمريكا تشكك في الأونروا    عدوان لا يتوقف وسلاح لا يُسلم.. لبنان بين فكّي إسرائيل و»حزب الله»    بريطانيا تنضم للهجمات على الحوثيين لحماية الملاحة البحرية    العلا تستقبل 286 ألف سائح خلال عام    جامعة الملك سعود تسجل براءة اختراع طبية عالمية    مؤتمر عالمي لأمراض الدم ينطلق في القطيف    أمير تبوك يترأس اجتماع لجنة الحج بالمنطقة    واشنطن تبرر الحصار الإسرائيلي وتغض الطرف عن انهيار غزة    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل العام لجمهورية إثيوبيا بجدة    آل جابر يزور ويشيد بجهود جمعيه "سلام"    نائب أمير مكة يطلع على التقرير السنوي لمحافظة الطائف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد العلي يواجه العالم في «يجلس عاريا أمام سكايب» 1-2
نشر في الشرق يوم 26 - 06 - 2013

ظلت علاقة الشعر بالواقع مصدر جدل طويلاً تناوله الشعراء ودارسو الشعر والمهتمون بالنظريات الأدبية وعلم الجمال، ولم يصل هذا الجدل إلى رأي واحد نهائي حول هذه المسألة. وربما زادت هذه الإشكالية مع التسارع الواضح في الحضارة وآليات إنتاج المعرفة واكتساح العوالم الرقمية حياة الإنسان في كافة جوانبها، الأمر الذي زاد الإحساس بتضاؤل الإنسان أمام هذا العالم اللامتناهي الذي ينفتح أكثر يوما بعد يوم. وحين يتشيأ الإنسان ويقع في المتاهة المادية للحضارة يكون أمام أحد أمرين: إما الاستسلام والذوبان والتماهي مع المعطيات المادية، وإما التمرد ومحاولة الانتصار للروح والجمال وفاعلية الخيال، ونبش السكون والانتصار لوعي الذات، وإقامة جدل مع الواقع وسؤاله مع التناقض فيه ومعه. هنا يتوجه الشاعر – كما يقول أرشيبالد ماكليش في حديثه عن الشعر والتجربة – نحو «أشياء العالم لا ليكوّن أفكارا عنها، بل ليكتشفها، وبذا يكتشف نفسه وهو ينظر إليها».
تحضر هذه الأفكار عند مطالعة ديوان أحمد العلي «يجلس عاريا أمام سكايب» حيث المقابلة والمواجهة بين الإنسان من جهة، والعوالم الافتراضية ومنتجات الحياة المادية من جهة أخرى، وحيث الوعي الحاد بتقزم الإنسان في عصر التكنولوجيا (لست سوى نقطة حمراء / في عين قمر صناعي / هذا ما يظنه العالم).
وبدءا من العنوان الذي يشكل العتبة الأولى للنصوص، يقف القارئ أمام تغييب الذات من خلال الإحالة إلى ضمير الغائب في الفعل «يجلس»، كما يقف أمام تجريدها عنصرا منفصلا يوحي تغييبه بإمكانية الحديث عنه بموضوعية وحيادية. ثم اختيار هيئة الجلوس «عاريا» بما تحيل إليه دلالة الكلمة من العري الجسدي من جهة والعري الروحي والنفسي من جهة أخرى.. يجلس عاريا أمام ذاته والعالم، ورقة بيضاء يريد أن يخط عليها رؤيته وتساؤلاته.
تأتي المفارقة الأخرى في اختيار الطرف الذي تجلس أمامه الذات، وهو «سكايب» برنامج التواصل الاجتماعي الذي يفترض وجود طرفين على الأقل لإجراء محادثة ما، لكنه يظل تواصلا افتراضيا لا يحضر فيه التفاعل الإنساني المباشر والحقيقي.. (لم أختبئ / أجلس عاريا أمام سكايب / أنتظر العالم كله / لكن / لا أجد أحدا في القائمة).
هكذا على المستوى العملي يظل الفرد مع ذاته وحيدا في فضاء افتراضي، حيث تتحول الحياة إلى «نسخة تجريبية».. (في الصباح / وجدوه غافيا على بلاط الحمام / وفي شاشة الموبايل / كتب أعذار اللص الذي غاب عن السرقة / أن حياته نسخة تجريبية فقط).
هكذا تعلن النصوص وحدة الإنسان في عالم الماديات والتكنولوجيا، ومن هنا غياب البشر في معظم النصوص، وغياب أي صوت يدل عليهم في مقابل حضور واضح للأشياء المادية والتكنولوجية (موبايل – آيباد – حساب تويتر – الفيسبوك – الإعلانات – التليفزيون – …)، إضافة إلى حضور واضح للكلمات والتعابير الدالة على الاختفاء والذوبان والتلاشي، النهايات والوحدة … (كم أنا خردة)، (حياتي هذه كلها دحرجة / في طريق وعر / مليء بالفرسان المدعين)، وتصير حياة الإنسان فيلما نهايته مبتورة، غامضة، غير منتهية، هو فيها بطل صامت، أو متفرج، أو كومبارس، تحيط به الأجهزة وتحكم مسار يومه الذي تتكرر ملامحه بشكل يثير الملل، وعوضا عن التواصل البشري والدفء الإنساني يبني لنفسه حياة موازية افتراضية (أصدقاء الفيسبوك، البريد القديم، كلمات السر الحميمة، الهواتف الميتة) فتصير عالمه الذي يرفض دخول الآخرين إليه (وأنت لست مدعوة / حتى لرؤيتها).
حتى الحب يفقد دلالته المألوفة كما يفقد تعبيره المألوف.. (أجيء إليه كما يأتي عالم حيوان إلى غابة، كاميرا على كتفه، وحل يغطي قدميه، ويختبئ بعيدا، ليصور دقائق معدودة، هذا المخلوق العدائي الرقيق).. الحب مشهد من مشاهد أفلام قناة هولمارك، يغلب عليه الحضور المادي للجسد في لقطات سريعة، لكنه ينتهي أيضا إلى الفراغ (يا لهذا الحب! كيف يصور كل هذه الأشياء، ثم يلاطمها أمامي، في هذه الغرفة الفارغة).
إن هذا الوعي الحاد بهيمنة المظاهر المادية للحضارة قد يصاحبه انسحاب تام وانكفاء للذات على نفسها، أو انسجام تام مع المعطيات الجديدة، وكلا الأمرين لا يشكل اللحظة الشعرية والرؤيا هنا، إذ تختار الذات المواجهة والمساءلة المرتبطة بوعي العالم المتربص بإنسانية الإنسان (وحتى إنني / إذا فتحت الماء الدافئ / على رأسي/ تبخرت) الشاعر لا يقع تحت ضغط التكيف بقدر ما يختار المساءلة ونبش الساكن وقلق المعرفة. تبحث الذات عن إنسانيتها وكيانها الخاص لتكون (الصبي الذي صرخ في القرية / علمها الشك)، والابن الذي يسهر على أحلام أسرته (ليروا العالم بلا ورق جدران) وليعرفوا لاحقا: (لم أكن أصطاد سمكا / كنت أصطاد البحر) ، (سأبيت أنا / مثل بكتيريا خاملة في الفضاء / أنتظر مجددا دوري / للحياة ) فالإرادة والتمرد هما اللذان ينتصران على وحشة الفضاء ومادية الحياة (اصنع سماءك / اصنع سماءك)، (وكما أنت تسمع بكاءك / يجيء من الجانب الآخر دوما / هذا فرحك / خذه أيضا من مكان بعيد).
غلاف يجلس عارياً أمام سكايب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.