توقيع الرئيس الأميركي أواخر الشهر الماضي أمراً تنفيذياً، يحث فيه المدن والولايات على إزالة خيام المشردين ونقلهم إلى مراكز علاج، يعتبر خطوة لحل مشكلة مستعصية طالما شوهت صورة الولاياتالمتحدة في عيون العالم. فوفقاً لإحصاءات المجلس الأميركي المشترك بين الوكالات المعني بالتشرد، فإن عدد المشردين في الولاياتالمتحدة بلغ في إحدى ليالي عام 2024 حوالي 771 ألفاً و480 شخصاً، بزيادة 18 % عن العام الذي سبقه 2023- ليصل إلى أعلى مستوى له في تاريخ البلاد. وفي الحقيقة، فإن ظاهرة التشرد وحالة البؤس وتعاطي المخدرات، لا تقتصر على الولاياتالمتحدة وحدها، فنحن أينما ذهبنا إلى أوروبا نرى هؤلاء البائسين يفترشون الطرقات، في ظاهرة لا تخلو منها حتى العواصم الكبرى التي هي في واقع الأمر مراكز مالية. ولهذا، يفترض أن يوجّ ه السؤال إلى هذه العواصم الغنية، وكذلك الهيئات التي تعنى بحقوق الإنسان في هذه الدول المتطورة، عن سبب إهمالها للمشكلة وربطها بالعاطلين عن العمل وليس بحقوق الإنسان، مع أن هاتين الظاهرتين ما هما إلا وجهان لعملة واحدة. إذ بدلاً من ذلك، نرى الاتحاد الأًروبي يسن قانون الاستدامة، وذلك تحت اسم: العناية الواجبة في الاستدامة المؤسسية (CSDDD)، وتوجيهه للتطبيق في الدول النامية. وبموجبه سوف يتم إلزام الشركات الكبرى العاملة في الاتحاد الأوروبي برصد ومعالجة قضايا البيئة وحقوق الإنسان في سلاسل التوريد الخاصة بها، والتأكد من أن شركاءها (بمن فيهم موردي الطاقة ومن ضمنهم دول مجلس التعاون)، يلتزمون بحماية البيئة، ومكافحة العمل القسري. ولهذا، فإن الشركات الخليجية التي تتعامل مع الاتحاد الأوروبي سوف تقع تحت المراقبة الأوروبية، التي حتماً ستجد ما لا يعجبها في نشاط شركاتنا الخليجية والظروف التي تعمل في ظلها العمالة الأجنبية، من أجل فرض غرامات علينا. فلعل وعسى أن يخفض ذلك تكلفة الفاتورة التي سوف يجبرون على دفعها بعد التوقيع على صفقة ملعب الغولف في "ترنبيري" المهينة، التي أبرمتها أورسولا فون دير لاين مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سكوتلاند، والتي اعتبرها الكثير من المسؤولين في القارة العجوز مذلة لهم. وعلى هذا الأساس، فإن دول المجلس يمكنها أن تسن قانوناً مضاداً، بفرض غرامات على الاتحاد الأوروبي، الذي ينتهك حقوق مواطنيه، حيث تجبر ظروف العمل والمعيشة آلاف الأوروبيين على التسكع وافتراش الطرق والنوم على جوانبها كل ليلة. إنها مأساة حقاً مرأى هذه الألوف المشردة في أكثر البلدان غنى وثراء في العالم، حيث إن متوسط دخل الفرد في الناتج المحلي الإجمالي في هذه البلدان مرتفع جداً. أقول إنها مأساة رؤية البؤساء في أميركا وأوروبا، وهم يفترشون الشوارع، نتيجة عدم وجود مأوى يلجؤون إليه. فهذا المنظر غير المريح يشوه سمعة البلدان التي تنادي، عبر ضفتي الأطلسي، غيرها بالحفاظ على حقوق الإنسان. ولذلك فإذا تمكن القرار الذي اتخذه ترمب من حل هذه المشكلة، فسوف تكون نقطة في صالحه من أجل الحصول على جائزة نوبل.