الفارق هنا ليس في حدود الجغرافيا حين «تعتكف» ملامح تضاريسها في عقود «العشر الأواخر » من حضارة التاريخ، أو حين يقوم الزمن في «الثلث الأخير» من الحاضر، وقبل ساعات السحر ينتظر شمس المستقبل.. الفارق هنا أكبر.. هو في بناء الإنسان الذي صنع الفارق، وتوارثه بين الأجيال قيمة حضور ومسؤولية قرار. المشهد أمامك لحظة ذهول؛ حين تقارن بين مشهدين جمعهما البصر وهو يمنح ذاتك فرصة الخيال، واسترجاع الذكريات.. خريطة الرياض عام 1385ه، وأخرى إلى عام 1450ه.. مسافة شاسعة من التحول، والتطوير، وبينهما أهم من ذلك «سلمان بن عبدالعزيز» الذي قرأ المستقبل منذ وقت مبكر، وتنبأ، وتوقع، فكان هذا الامتداد المهول للعاصمة (100 كلم) طولاً ومثلها عرضاً.. واليوم «سطام بن عبدالعزيز» يواصل الزحف العمراني، وبناء الضواحي «الشمالية» و«الشرقية»، وملامسة حدود الأرياف. حدود الرياض قبل خمسين أو ستين عاماً -كما في الخريطة- لا تتعدى «مطار القاعدة» شمالاً، و»الناصرية» غرباً، وميدان سباق الخيل شرقاً، ومنفوحة جنوباً.. وتستقر بين هذه الحدود أحياء وبيوت متناثرة في دخنة، ومقيبرة، والوسيطا، والقري، والسبالة، والشميسي، ومنفوحة، و«مقرن»، و«معكال»، و«الحبونية»، و«طويلعة»، و«سكيرينة»، والفوارة، والصالحية، والمصانع، ومصدة، وثليم، والعجيلية، و«شلقاء»، وشوارع أخرى لم تعرف شهرة سوى «شارع الوزير»، و«الثميري»، و«الوزارات»، و«البطحاء»، وأزقة ضيقة في «دخنة» و«الصفاة». هذا المشهد كان جميلاً وطموحاً لمن كان يرى بداية «التمدن» أن تجد مدينة تخرج عن حدود «الدراويز» لتصل المربع، والناصرية بعد ذلك، والملز في مرحلة أخرى، حيث كانت أحياء العليا والمعذر صحراء، و«كشتات» بر وسمر آخر الليل، ولكن سقف هذا التمدن وصل ذروته، وتحديداً حين بدأ «الصندوق العقاري» يقرض المواطنين، وتزامن معها تخطيط الأحياء الجديدة في «السويدي»، والبديعة والملز، وتحرك أهل العقار للزحف في كل اتجاه، إلى جانب تصاعد الهجرة إلى العاصمة، والتوسع في الخدمات والبنى التحتية. هذا الحراك كان مغرياً أن «القادم مذهل»، وأن العاصمة ليس لها حدود، وإنما حد والفارق بينهما أن تتمدد إلى نهاية «وقف.. وين رايحين؟»، وهذا بالفعل ما حصل فقد توسعت الرياض بشكل سريع جداً، وتكاثرت الأحياء إلى درجة أن الأسماء لم تعد تحتملها الذاكرة، ووصلت الذروة خلال العقدين الماضيين حين تم تحديد النطاق العمراني للمدينة إلى «كوبري العمارية» شمالاً، و«الجنادرية» شرقاً، وعريض جنوباً، وظهرة لبن غرباً، ولكن هذه الحدود الجديدة تغيّرت ووصلنا اليوم إلى ما هو أبعد من ذلك..«بنبان» و«سلطانة» شمالاً، ومحمية جنوب الحائر جنوباً و«الميناء الجاف» شرقاً، والحيسية غرباً، بل تتعجب أكثر اليوم حين يكون توزيع المنح وصل إلى «سِعد» -100 كلم شرق الرياض-. الرياض.. العاصمة والحب الذي يسكن القلب من وريده إلى أقصى وتينه هي «غلاف كتاب» المملكة، وواجهة حضارتها، وتمدنها، وهي مع كل تمددها، وزحامها، وقسوة مناخها، وجفاف أرضها لا يمكن أن تسمح لنفسك أن تفارقها بسهولة، وحين تغيب تحنّ بسرعة، وتريد أن تعود إليها.. هذا هو «سحر الحب» حين تتناقض مع ذاتك وتعود لتعشق في كل مرة تقسو فيها على من أحببت. المخطط الهيكلي للعاصمة حتى عام 1450ه، وحدوده «بنبان» و»سلطانة» شمالاً، ومحمية جنوب الحائر جنوباً و«الميناء الجاف» شرقاً، والحيسية غرباً