إسرائيل في حالة عزلة، هذا ليس كلاماً عربياً تقليدياً لا يسمعه أو يقرؤه إلا بعض المهتمين بالصراع مع إسرائيل، بل هذا الكلام هو لوزير الدفاع الأمريكي بانيتا، والعديد من الموالين لإسرائيل ينصحونها بتغيير أسس سياستها قبل أن تضع نفسها في مأزق مع الحلفاء والأصدقاء. هذه الآراء وشبه المواقف بُنيت على تصرفات يقودها «نتنياهو» وبما يعدّ عربدة سياسية، عندما يهاجم جنوده حراساً مصريين في سيناء، ويرفض الاعتذار ليقوم بتحقيق صوري يزعم أن الاعتداء جاء من المصريين لتسير مظاهرة حاشدة تدخل قلب سفارتها في القاهرة وتدمر أجزاءً منها.. الدولة الأخرى التي على علاقة مع إسرائيل الأردن، وبسبب تصريحاتها بأن الأردن هو الوطن القومي للفلسطينيين، تدفقت جموع باقتحام سفارتها، وما قيل عن رفض استقبال الملك عبدالله ملك الأردن رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقبل ذلك كان التصعيد غير المسبوق مع تركيا والتي ظلت حليفاً مرموقاً في كل المنطقة، إلا أن المشاعر العربية والإسلامية صارتا مَن يسيّر الدول، وخاصة في حالة الوقائع المتسارعة عربياً.. وإذا كانت أمريكا الراعي الأهم، فهي ظلت تبني علاقاتها على جملة مصالح تخدمها بها إسرائيل، ووقوفها الراهن ضد أي قبول لدولة فلسطينية يعد من مخلّفات سياسة قديمة بقيت ثابتة، ومع ذلك، فالأوروبيون، وهم الحاضن الأساسي في بناء دولة إسرائيل ورعايتها، نظروا للمتغيرات في المنطقة كإنذار مختلف عن عمليات التسلح ثم الصدام مع إسرائيل في أكثر من جولة، وهذه المرة على مستويات الشعوب لا الحكام.. الموضوع ليس تسريباتٍ، أو نصائحَ تقال في الغرف المغلقة بين الأصدقاء الحلفاء، وإنما خرجت للعلن من ناصحين أوفياء لإسرائيل اعترفوا أن الظروف تغيرت ليس في بنية الحكم في الدول العربية التي ظلت إسرائيل تتعامل معها باستهتار، وإنما مع أجيال يتواصلون مع عصرهم بمفهومٍ تعدّى المنع والقمع، إلى التواصل مع الفضاء الكوني، وهذا الوعي عكس التطور الجديد الذي أدرك أن إسرائيل خليفة استعمارية بشروط توراتية للغرب، ولكل من يتعامل مع الوطن العربي بالضرع المدرّ اقتصادياً وسياسياً، ودون عوائد، إلا الحروب النفسية والسخرية من قيم ومشاعر المواطنين.. تصريحات ومواقف الأمريكيين والأوروبيين لا تؤخذ بعباراتها فقط، وإنما بمضامينها الدقيقة، أي أن ما يصدر من هذه الدول هو إنذارات مبكرة لرؤية بعيدة، لكن إسرائيل لا تزال تتعامل بعقلية إخضاع الآخر باستخدام أسلحة عناصرها التي ظلت الرصيد ووسيلة القمع سواء لرئيس أمريكي منتخب أو مرشح، وحتى الأوروبيين يعاقَبون بسوابقهم ضد اليهود، ومع أن هذا المسلسل تناسته الأجيال اليهودية بنفسها، فهو وسيلة لا يزال يراها قادة وأحزاب إسرائيل فاعلة.. الأمر المقلق لبعض الإسرائيليين هو نمو التيار المتطرف والذي يزحف على المؤسسات ومفاصل القوى الفاعلة، وهو نمط أخذ بتعرية صورة الدولة العلمانية، سواء بالاستيطان أو رفض دخول الجيش، وفرض أساطير الأعياد وأيام العطل، وإذا ما استمر هذا الخط فإن الصراع سيولد من الداخل وهي تصورات يتحدث عنها الإسرائيليون أنفسهم..