الملك عبدالله بن عبدالعزيز رمز كبير للنزاهة ، والصدق في العالم ، يتمتع بشفافية فائقة الوضوح ، والتجلي . لايهادن ، ولايساوم ، ولا يترك حقاً دون أن يعيده إلى موقعه الطبيعي ، ولايرى خللاً دون أن يصوّبه ، ويعالج أسبابه ، ويحد من تداعياته . واضح ، صريح يحمل هموم المواطن ، والوطن هاجسٌ يعيشه بكل أبعاده ، ويكرس ذاته ، وقدراته من أجل هدف مستقبلات الوطن والإنسان ، ووضْعِها في موقعها الطليعي كغاية وثمرة للعمل الجاد والمخلص.. والملك عبدالله كما نقرأ ونحلل ليس محبطاً بقدر ماهو غاضب وموجوع ومهموم من الحالة التي كانت عليها مدينة جدة خلال كارثة السيول الأخيرة ، والتي كشفت عن المستور ، وعرّت الخلل ، وفضحت كثيرا من المتاجرين بأمن الناس ، وخادعيهم ، والمتورمين ثراء من الفساد ، واللصوصية ، والسرقة ، ونهب المال العام عبر مشروعات غير متكاملة ، أو غير صادقة ، أو وهمية . سيان كان التوصيف فالنتيجة اهتراء في البنية التحتية . ووجع حقيقي ، وتفتّت عند الناس ، ومصائر حياتية تثير الإشفاق والرثاء لأسر وأطفال وجدوا أنفسهم في لحظة قصيرة ومفاجئة ومفجعة وسط طوفان المياه التي لاترحم في تعاملاتها مع الواقع الذي فرضته.. لقد خاطب الملك عبدالله سمو ولي العهد بأسلوب الشفافية والصدق الذي يحمله الاثنان كمنهج ، وسلوك ، وممارسة ، وفعل قيمي ، كما غيرهما من رموز القيادة ، وقال في خطابه : " ... وإن محافظة جدة تواجه خطرالغرق في كثير من المناطق ، فيعتمد حالاً البدء بشكل عاجل توفير كل التعزيزات للحد من تلك الأضرار، وقد زودنا سمو أميرمنطقة مكةالمكرمة بنسخة من ذلك للرفع حالاً عن الجهات المقصرة ، ومن تأخر في تنفيذ الأوامرالسابقة.. ". لنتوقف كثيراً عند عبارة " ... للرفع حالاً عن الجهات المقصرة ، ومن تأخر في تنفيذ الأوامر السابقة " . تدرك القيادة أن مدينة جدة صرف على مشروعاتها مليارات الريالات ، وأخذت اهتماما مميزاً وكبيراً في برامج التنمية ، وخطط الدولة التي وضعتها من أجل إنماء المدن ، والقرى ، والأرياف . وكانت تبذل بسخاء على مدينة تعتبر بوابة المملكة على سواحل البحر الأحمر، يقصدها رجالات الاقتصاد ، ويؤمها الألوف من المعتمرين والحجاج ، وتتمتع بموقع سياحي لمواطني المملكة يجدون فيه الراحة ، والمتعة، غير أن ماحدث كان كافياً لزرع الإحباط ، ومعاناة ألم الخيبات من أمانة أعطيت لم تكن في مكانها الآمن ، وثقة منحت لم تكن مقدرة ، ولا تعلو إلى حيث مستوى طموح المسؤول القيادي على قمة الهرم . إذن : مشكلتنا أنه لاتواؤم ، أو تجانس ، أو تماه بين فكر وطموح القيادة ، وبين سلوك وتعاطي التنفيذيين الذين أوكلت لهم صناعة المشروعات على أسس متقنة ، وحديثة ، وتخضع للمطالب والاحتياجات ، وتستشرف المستقبلات لتكون سباقة في التحصين . الفساد فاحت روائحه الكريهة ، والمواطن يشير بالأصبع إلى الفاسدين ، واللصوص ، ومن عبثوا في الأرض ، وعاثوا فيها مخططاتٍ ، وبناءً. والقيادة لن تتهاون في المساءلة ، والمحاسبة ، والاقتصاص للناس..