نعم وأيم الله، هكذا يكون تفاعل القائد الأب مع شعبه. إذ لم تمض سوى أيام قليلة على كارثة سيول جدة، ورجالات الأمن والدفاع المدني منهمكون في محاصرة الأضرار ورفع الأنقاض والبحث عن المفقودين، حتى خرج قائد هذه الأمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعدة قرارات أعادت الطمأنينة للقلوب المفجوعة الموجوعة بفقد أهاليها، والقلوب المذعورة خوفاً من أن يكرر ثنائي الفساد والإهمال سيناريو المآسي والفواجع فيحيل حياتهم شقاء وجحيماً. ليس في الأمر عجب، وهذا ما كتبته في عدة مواقف جسد فيها المليك ما ظل يتوارثه ولاة أمر هذا البلد منذ أن أرسى دعائمه الملك الاستثنائي الراحل عبد العزيز آل سعود على الشرع الحنيف والقيم الإنسانية، الإسلامية، العربية الأصيلة، حيث تجدهم في كل موقف يعيدون إليك هذه القيم ويجسدونها حكماً وأحكاماً وسلوكاً طازجة، وكأنك تعرفها لأول مرة. مرة حكى لي صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد العزيز قصة، وقد سمعتها منه مرة أخرى مع آخرين. كان سموه في مجلس الملك عبد العزيز يتخذ مقعده على طرف بعيد، وكان الملك مستغرقاً في حالة من التأمل والتفكير العميق، وفجأة رفع رأسه مخاطباً الأمير يأمره باستدعاء خمسة من مسؤولي وأعيان جدة بالاسم، ولما مثلوا بين يديه قال لهم وعيناه مغرورقتان بالدموع: سأجر من عنقي بين يدي الله فيسألني عن كل هؤلاء الناس، وها أنذا أبرئ نفسي، وأضعها على أعناقكم هذه المسؤولية أن تصدقوني القول عن حالهم وكل أحوالهم، قال هذا وهو يبكي، فطمأنوه وهم يقسمون. إلا أنه لم يكن يكتفي بما يرفعه إليه المسؤولون، فقد كانت له عيون، ينقلون إليه كل أحوال شعبه، كما كان باب قصره مفتوحاً أمام الضعيف قبل القوي، وفي وجه الفقير قبل الغني. وكما ترى فقد تذكرت هذه القصة مرة يوم أن أبكت أحوال المواطنين في أحياء الرياض الفقيرة الملك عبد الله أيده الله حين دخل بيوتهم وتفقدها من الداخل بنفسه، وقد كتبت يومها أقول إن دموع خادم الحرمين كانت كافية لأن يقدم كل مسؤول قصر في مسؤوليته تجاه هؤلاء استقالته خجلاً، وبالطبع لا يمكنك أن تتوقع استقالة من مثل هؤلاء، ببساطة لأن مخافة الله في الخلق قيمة لا يتعلمها الناس في المعاهد والجامعات، وهي لا توضع ضمن الدرجات التي ينال الناس بها شهاداتهم، وإنما هي شيء يركز في الضمائر، وتغرس في النفوس غرساً منذ الصغر، ويرضعها الإنسان في طفولته بالتربية والقدوة من الوالدين. ولهذا ظللنا نلح دائماً بأننا في حاجة ماسة إلى تفعيل مبدأ الحساب والعقاب في ممارسة المسؤوليات؛ لأننا لا نستطيع أن نراهن إلى ما لا نهاية على ضمائر البشر ومدى عمق ما يتمتعون به من شعور بالمسؤولية ومخافة الله فيما يسند إليهم من شؤون الخلق. ولعل تشكيل لجنة التحقيق التي وجه خادم الحرمين الشريفين بتشكيلها، وما سيتمخض عنها من قرارات بشأن المقصرين، والكشف عن نتائجها للناس جميعا، يكون بداية حملة لتطهير مؤسساتنا، وبداية انطلاق نهج في العمل العام أكثر طهراً وشفافية وفعالية. بوركت أبا متعب، فعلى نهج المؤسس سرت.. وليس في الأمر عجب. * أكاديمي وكاتب سعودي www.binsabaan.com للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 215 مسافة ثم الرسالة