** لاتوجد مدينة واحدة في المملكة .. تعاني من المشاكل والأزمات.. والاختناقات – حد الانفجار – كما هي حال مدينة جدة.. ** كما أنه لا توجد أزمة ثقة تقوم بين جهة حكومية وبين المواطنين ، في طول البلاد وعرضها ، كما هي الحال بين أمانة جدة وبين سكانها.. ** فإذا أضفنا إلى ذلك أن تعاقب الأمناء عليها في فترة قصيرة.. قد خلق فيها حالة عدم استقرار .. وكثرة الاجتهادات المحمودة.. أو المرتبكة .. أو المتعجلة .. أو القاصرة.. فإننا سندرك مدى خطورة الوضع الذي باتت فيه.. وتعاني منه .. ولاتحسد عليه أيضاً.. ** ولا أظن أن معالي الأمين الجديد الدكتور (هاني أبو راس) على غير علم بهذه الحقائق.. لقصر مدة عمله بالأمانة في السابق.. بحيث لم تمكنه من الإلمام بدقائق الأمور وتعقيداتها.. بالرغم من انه كان وكيلاً للمهندس عادل فقيه.. وأحد عناصره التي كان يثق بها.. ويعتمد عليها .. بعد أن استقطبه كغيره من الأكاديميين لإدارة شؤون مرفق حكومي تتشابك فيه المسؤوليات والمصالح تشابكاً حاداً.. وتتداخل تداخلاً شديداً إلى درجة يصعب معه الاعتماد فقط على الفكر الأكاديمي.. أو الارتهان فقط للحماس والإخلاص والتفاني.. أو التسليم فقط بقاعدة (سدد وقارب).. ** يدرك هذا معالي الأمين الجديد القديم.. ولكنه سوف يكتشف عوالم أخرى.. وأوضاعاً أكثر تعقيداً.. سواء بالنسبة للنواحي التخطيطية.. أو للإمكانات المادية القاصرة.. أو للكفاءات البشرية المتواضعة التي تعمل معه .. أو في تحديد الأولويات.. ** ولذلك فإن عليه ان يقرر أولاً : ** إن كان سيتعاطى مع الوضع الراهن.. وينظر في المشاكل المتوارثة.. ويصرف كل وقته وجهده في فك تشابكاتها، أو أنه سيعمل على رسم خطوط جديدة لمستقبل عمل الأمانة في ضوء الإلمام الدقيق بحاجات المدينة وسكان المدينة ومتطلبات تقدمها.. وتطور أنماط الحياة فيها.. كجزء من الحراك الذي يشهده الوطن ككل.. ** ولو كنت مكان الدكتور (هاني أبو راس) لفصلت المسألتين عن بعضهما البعض.. ولأوجدت فريقيْ عمل متفرغين ومتخصصين للتعامل مع كل منهما بالدقة المطلوبة.. ولوضعت سقفاً زمنياً محدداً للعمل على إنجاز كل فريق لمهمته.. على الا تتجاوز المهمة السنة الأولى من عمر التكليف.. على الا يطلق معاليه وعوداً.. أو يتعهد بأي التزامات محددة.. الا بعد مضي العام وتحديداً عندما تصبح لديه رؤية علمية وعملية شاملة لما هو قائم.. ولما يجب أن يتم بعد ذلك.. ** ومع إيماني بالكفاءات الوطنية المتميزة في مجال عمل الأمانات الا انني اعتقد ان حالة مدينة جدة.. وتعقيدات مشاكلها العمرانية.. والخدمية.. والبيئية.. تتطلب الاستعانة ببيوت الخبرة الأجنبية.. وبالوقوف على أوضاع المدن المتقدمة في العالم .. ولاسيما تلك المدن التي مرت في يوم من الأيام بمشاكل مماثلة لما تعاني منه مدينة جدة في الوقت الراهن.. حتى يستطيع الخروج بتصور مستقبلي وحضاري لمعالجة مشاكل مدينة (تحتضر) في الوقت الراهن.. ** صحيح أن شكاوى الناس كثيرة.. ** وصحيح أن الناس غير مستعدين للصبر عاماً كاملاً.. حتى يتوصل الأمين الجديد إلى تصور نهائي وحلول عملية لمشاكل المدينة.. ** غير ان الاكثر صحة هو .. ان من صبر مئة عام.. وعانى أشد المعاناة من أوضاع الأمانة.. يستطيع ان يصبر وان يتحمل عاماً واحداً.. شريطة ان نرى ما يسر ويسعد بعد ذلك.. بعيداً عن التنظيرات.. والفلسفات.. والتصريحات الإعلامية الطنانة.. ** وكما قلت في اكثر من مرة.. فإن مدينة جدة بكاملها تكاد تكون كلها مدينة عشوائيات.. وأن أحياءً بكاملها لا تشعر بأنك تعيش في المملكة العربية السعودية.. أو في مدينة عربية بالمطلق لاستيطان العمالة الأجنبية في أكثرها.. أو لعيش الفقراء بنواحٍ عديدة منها.. أو لتفشي (عصابات) المخدرات وأنواع الجرائم في بعض أحيائها بصورة لا يصدقها عقل.. ** ومدينة هذه حالها.. رغم جمالها.. ورغم استشعار الراحة النفسية في أي مكان فيها.. ورغم تفتحها.. وفتح أذرعها لكل قادم إليها.. وهي الباسمة في وجوه الجميع.. مدينة هذه حالها حرام أن تصبح مدينة أشباح.. وحرام أكثر ان نقتل فيها كل هذا الجمال.. ونجعلها رهينة الغرق تحت السيول.. وتلوث البيئة إلى درجة الاحتضار من جراء استيطان أكثر الأوبئة خطورة في العالم فيها.. ** كما ان من المخجل والمعيب.. ان تكون مدينة بهذا الحجم وبذلك الجمال.. بدون شبكات صرف صحي لتصبح مهددة بالانهيار في كل لحظة.. ** فما الذي يمكن للدكتور (هاني أبو راس) عمله في مثل هذه الحال.. إذا هو لم يستثمر شبابه.. وطموحاته وعلميته.. ومحبته لمدينة جدة أولاً.. ولبقية مدن المحافظة الأخرى ثانياً.. ويسخر كل الطاقات والإمكانات لتحقيق الأهداف العليا.. وبلورة هويتها من جديد.. ليس فقط كمدينة اقتصادية.. أو كمدينة سياحية فقط.. وإنما كمدينة هي كل المدن بما عرف عنها وعن أهلها.. بأنها وبأنهم.. (أصحاب كل صنعة) بدءا بصنعة الأدب والثقافة.. وانتهاء بالتجارة والاستثمار ومروراً بالطبيعة الساحرة التي جعلت منها واحدة من أجمل المدن السياحية في المنطقة ولكن.. ** ان المهمة ولاشك ثقيلة.. وصعبة.. وكبيرة ولكن همة الأمين الجديد.. ودعم الدولة المؤكد له.. وتوفير الاعتمادات الكافية لخزينة الأمانة.. كفيلة بإذن الله بأن تعيد إلى مدينة جدة (بهاءها.. وصفاءها.. وروعتها) .. بعد ان دخلت مرحلة شيخوخة مبكرة.. تحزن كل من أحبها.. وعشق سماءها.. وترابها.. ورطوبتها. *** ضمير مستتر: ** (للنجاح أسس وقواعد لايمكن تحقيقه بدون الوقوف عليهما.. والتمكن منهما.. وليس الاكتفاء بالأحلام والطموحات فقط).