توقفت كثيرا عند عنوان المسؤولية الاجتماعية التي دشن سمو الأمير سلمان مؤخرا ما قيل أنه أكبر دراسة من نوعها عن تطويرها وتفعيلها كمؤسسة مجتمع مدني تستهدف ضمن ما تستهدف ترقية الحس الأخلاقي والوطني لدى الجميع وتحديدا القطاع الخاص لتوطيد الثقة بينه وبين المستهلكين لمصلحة الطرفين . الآن كل المجتمعات الخليجية تشكو من تآكل الطبقة الوسطى على أهميتها ، وذلك بسبب مغالاة بعض التجار في رفع أسعار الكثير من السلع الرئيسة حتى المدعومة منها دون الحاجة إلى أي مبرر ، لأنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يشاؤون دون أدنى محاسبة أو مسؤولية ، والمتضرر بطبيعة الحال هي الطبقة الوسطى وما تحتها ، والتي أصبحت عبارة عن طبقة واحدة بعضها تحت خط الفقر والبعض الآخر على شفا جرف منه ، طالما أن المرتبات التي جعلت منها في السابق طبقة وسطى ما عادت تغطي أيام الشهر فضلا عن الادخار ، إلى حدّ أنه بات من النادر أن تجد بين هذه الطبقة من لا يشكو الأمرين من الديون وإرهاق الأقساط . هناك حالة من السعار المفزع ، والجشع المتنامي كوحش جامح في أوساط معظم التجار ، جعلت الشريحة الكبرى من المواطنين أعجز من أن يبرمجوا حياتهم وفق ميزانية شهرية ثابتة أو قريبة من الثبات .. فأنت تذهب إلى السوق لتتبضع وفي ذهنك أسعار معينة حول سلع سبق وأن اشتريتها قبل أيام فقط لتفاجأ بأنها حلقت بألف جناح وجناح ، وعليك ألا تجادل لأن لا أحد سيصغي إليك لا الباعة ولا كفلاءهم ولا حماية المستهلك التي أعتقد أن الناس لا يعرفون عنها سوى اسمها . ليس صحيحا أن الجميع حوّل الكماليات إلى ضرورات في حياته ، قد يحدث هذا ، لكن ليس مع الجميع فهنالك أسر كثيرة بالكاد تتدبر أمر معيشتها بالحد الأدنى أو ما دون الأدنى .. هنالك مواطنون من ذوي الدخول الصغيرة لا يفتشون عمّا هو أكثر من قوتهم اليومي ، وكساء يستر أجسادهم ، رغم أنه لا أحد منهم يطالب التجار أن يبيعوا بضائعهم برأس المال أو بخسارة .. فقط يريدون أسعارا عادلة ومسؤولة لا تهاودهم هذا الشهر لتبطش بهم الشهرين القادمين لتجعل حياتهم على كف عفريت . أنا كمواطن أتمنى أن يحقق مجلس إدارة المسؤولية الاجتماعية ما عجز عنه جهاز حماية المستهلك ، وهذا لن يتأتى برفع الشعارات مهما كانت جميلة وبراقة كالمواطنة والأخلاق وما إليهما ، قدر ما يمكن تحقيقه بتكريم التجار والوكلاء الذين يساهمون في بناء المسؤولية الاجتماعية بما يقدمونه من خدمات إنسانية لمجتمعهم ، وبالتزامهم بهامش ربح منطقي لبضائعهم ، وحث المستهلكين للاتجاه إليهم ، ليكون هذا التكريم كشهادة ( الأيزو ) .. لأن لغة المصالح هي التي تستطيع وحدها أن تفرض المسؤولية الاجتماعية كقيم ومعايير لضبط سوق منفلت بهذه الصورة ، طالما لم تفلح كل الأنظمة والقوانين السابقة في ضبطه وكبح جماحه .