رئيس فنلندا يحذر من طول أمد حرب أوكرانيا    طهران: توقف التخصيب لا يلغي الحق النووي    هل يرضخ عسكر السودان للمفاوضات    فرنانديز يقود البرتغال لفوز ساحق 9-1 على أرمينيا والتأهل لكأس العالم    الدكتور السبيّل: ملتقى التسامح يأتي انسجامًا مع اهتمام القيادة بقيمة التسامح    سوق الموسم    متطوعو التراث العالمي باليونسكو في واحة الأحساء    مستجدات الغدد والأمراض بالمؤتمر الطبي الثالث    الرخصة الآسيوية ل96 مدربا    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جمهورية كوريا    أمانة القصيم تشارك في معرض سيتي سكيب العالمي 2025    سلوك المعتمرين والرصانة    نائب أمير مكة يرأس اجتماعًا مع الجهات المعنية لمتابعة جاهزية منظومة الحج    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبدالله الشثري    منصة "نت زيرو" تحصد المركز الأول في فئة التكنولوجيا الخضراء    تجمع الشرقية الصحي يطلق حملة "سكرك موزون"    نجاح عمليات زراعة عدسات بتقنية "ياماني" الحديثة بمستشفى الأمير محمد بن ناصر بجازان    الهيئة العامة لمجلس الشورى تعقد اجتماعها السادس    تركي بن طلال حين تتوج الإنسانية بجائزة عالمية    وزير النقل يفتتح مجمع أجيليتي اللوجستي لخدمة سلاسل الإمداد    الصحة تستدعي طبيبا ظهر إعلاميا بتصريحات مخالفة للأنظمة    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس جهاز الإرشاد والتوجيه بوزارة الحرس الوطني    أمير المنطقة الشرقية يترأس اجتماع المحافظين ويؤكد على الاهتمام بخدمة المواطنين والمقيمين وتلبية احتياجاتهم    17 فرصة عقارية بمزاد منارات الرياض العلني الإلكتروني    أمطار متفرقة على 7 مناطق بالمملكة ومكة الأعلى هطولًا ب 32,2 ملم بالقنفذة    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة جازان تقبض على شخص لترويجه (33) كيلو جرامًا من مادة الحشيش المخدر    أوكساچون توقع اتفاقية تأجير أرض لتطوير منشأة لإنتاج وتوزيع الغازات الصناعية بقيمة 600 مليون ريال    البديوي: اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لباحات المسجد الأقصى والاعتداء على قرية كفل حارس تمثل تصعيدًا خطيرًا    ابتدائية مصعب بن عمير تنفّذ ورشة "بحث الدرس" ضمن برامج التطوير المهني القائم على المدرسة    "الشؤون الإسلامية" تفتتح التصفيات النهائية لمسابقة حفظ القرآن الكريم بالنيبال    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    قاعة مرايا بمحافظة العُلا… أكبر مبنى في العالم مغطى بالمرايا    الكويت ترحب بتوقيع اتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو    وفد أعمال سعودي يزور إسطنبول لتعزيز الشراكة الاقتصادية نهاية نوفمبر    الحرف اليدوية في المملكة.. اقتصاد يتشكل بيد المبدعين    مهاجمه مطلوب من عملاقي البرازيل.. الهلال ال 39 عالمياً في تصنيف«فيفا»    رينارد ما بين (الكليشيه) و(البقشيش)    مشروع قرار أمريكي لوقف النار.. مجلس سلام.. وقوة استقرار دولية بغزة    اشتباكات عنيفة بالسويداء.. هجوم صاروخي على المزة في دمشق    هنأت ملك بلجيكا بذكرى يوم الملك لبلاده.. القيادة تعزي رئيس العراق في وفاة شقيقه    القيادة تعزي رئيس جمهورية العراق في وفاة شقيقه    «جيدانة».. وجهة استثمارية وسياحية فاخرة    آل الكاف وآل سجيني يحتفلون بزواج علي    الدحيلان عميداً لتقنية الأحساء    ضوابط موحدة لتسوير الأراضي بالرياض    تشيلسي يعرض 150 مليوناً لتحقيق حلم الثلاثي البرازيلي    علماء روس يبتكرون جزيئات تبطئ الشيخوخة    طبيبة أمريكية تحذر من إيصالات التسوق والفواتير    مختصون في الصحة يحذرون من خطر مقاومة المضادات الحيوية    الرميان رئيسًا للاتحاد العربي للجولف حتى 2029    الذهب ينهي الأسبوع مرتفعا    الحربي هنأ القيادة على الإنجاز.. والمشرف يعانق فضية التضامن الإسلامي    شتاء درب زبيدة ينطلق بمحمية الإمام تركي    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل وزير الشؤون الدينية في بنغلاديش    مكانة الكلمة وخطورتها    إنسانيةٌ تتوَّج... وقيادة تحسن الاختيار: العالم يكرّم الأمير تركي بن طلال    أمير منطقة الجوف يستقبل رئيس المجلس التأسيسي للقطاع الصحي الشمالي    الشريك الأدبي قريبا مساحة بين الأدب والفن في لقاء مع الفنانة التشكيلية مريم بوخمسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع الإسلام السياسي .. يوم سقط القناع (1/3)
نشر في الرياض يوم 08 - 10 - 2009

كيف سقط القناع عن مشروع الإسلام السياسي ؟ . طبعا لم يسقط كقناعات نظرية عند كثيرين من أبناء جيلي ، بل هو لا زال فاعلا في عقول وفي قلوب الملايين . ما أقصده : كيف سقط القناع عن مشروع الإسلام السياسي ؛ فيما يخصني ؛ وفق الخط الذي استعرضته في المقال السابق. كيف تغيرت القناعات لدي بمشروع الأسلمة بين عامي: 1992م و2000م؟ . ما هي الخطوات السوسيو ثقافية ، التي جعلتني متسامحاً، بل ومتعاطفاً وإن لم أكن أبدا معجباً مع مشروع الإسلام السياسي في بداية التسعينيات ، ومكافحاً ضد هذا المشروع في نهاية التسعينيات؛ بعد الوعي به كأخطر (حالة) يمكن أن تصيب العالم الإسلامي الذي تطفح على تأزماته المزمنة مشاريع بحجم هذا الوهم الكبير؟ .
الأمر ليس حديثا عن تجربة / سيرة ذاتية، وليس استعراضاً للمقروء، كما يتوهم أو يتوجس من قرأ المقال السابق ويقرأ المقال الحالي ، بوصفهما مجرد حديث عن الذات . الذات تحضر كشاهد على الذات بوصفها (عيّنة) محتملة من جملة الاحتمالات . الذات هنا ذات عامة ، أي أنها تقع في الزمان الإشكالي وفي المكان الإشكالي أيضاً ؛ فتحكي مسيرة حالة عامة لجيل بأكمله ، لجيل كانت صحوة المراهقة العمرية لديه متواقتة مع صحوة الغفوة ، أقصد : صحوة أو غفوة الإسلام السياسي . ومن هنا ، فقراءة هذا المقال لا بد أن تمارس على مستويين : مستوى الوعي بهشاشة مشروع الإسلام السياسي معرفياً، ومستوى التعامل المقترح ضمنياً مع أطروحات هذا الإسلام السياسي . وكل هذا لا يمكن أن يتم إلا بربط ( الحالة القرائية ) بعنوان المقال ، لا بكاتب المقال .
القارئ الواعي بمستويات القراءة ، والتي هي في كثير من صورها أهم وأخطر من فعل الكتابة ذاته ، سيلاحظ أن الكتب والدوريات العلمية التي ذكرتها وسأذكرها ليست محايدة إيديولوجياً ، بحيث يكون ذكرها مجرد إخبار بقراءة علمية في هذا المجال أو ذاك . يوجد الكثير ، مما قرأته آنذاك ، ولم أذكره ، وكان مقتضى السياق المفترض (= السيرة الذاتية ) ، أن تتم الإشارة إليه . لكن هذا لم يحدث ؛ لأنه كان مقروءاً يمتلك مستوى من الحياد الإيديولوجي ، بحيث لا يُؤثر في مجمل الخيارات .
إن مفكرين وكتاباً، كالعقاد وأحمد أمين والمازني والرافعي ومحمد حسن الزيات وشوقي ضيف وإحسان عباس ومحمد غنيمي هلال وشكري عياد ومحمد زكي العشماوي (وهو غير محمد سعيد العشماوي) وناصر الدين الأسد ومحمد عبد المطلب وجرجي زيدان ومحمود الربيعي وعبد القادر الرباعي وعزيز شكري الماضي ..إلخ ، كل هؤلاء ، قد يكون العائد العلمي من خلال القراءة لهم أهم وأجدى مما هو لدى غيرهم ، ولكنهم مع هذا محايدون فيما يصنعونه بحياة القارئ ، أي أنهم ورغم أهميتهم النسبية في مجالهم ، بعيدون عن إحداث تغيرات جذرية في مجمل التصورات الكلية لشرائح واسعة من أبناء الجيل الواحد . كل هذا ، مع الأخذ في الاعتبار: التفاوت الكبير في العلمية وفي مستوى التأثير بين هذه الأسماء التي قد يكون من غير المناسب طرحها في سياق واحد .
مثلاً ، الرافعي ، يُمثّل المحافظة والانغلاق والاعتزاز الكبير بالموروث . لكن ، من الصعب إدراجه في مشروع الإسلام السياسي ؛ رغم محاولة الإسلاموية توظيفه لصالحها. ولهذا، لا يمكن أن يكون الرافعي وحده رافعاً للأدلجة . فالمتأثرون به يبقون محافظين في ثقافتهم ، ولكنهم غير منخرطين في الصخب الإسلاموي ؛ إلا في حال التأثر بشخصيات أخرى مساعدة ، بحيث تنقلب المحافظة والانغلاق السلبي إلى مشروع سياسي ، أي مشروع : اغتيال عقول الجميع .
في المقابل ، لا يمكن أن تعدّ شخصيات مثل : سيد قطب وعبدالقادر عودة و محمد قطب ومحمود شاكر وأبو الحسن الندوي وأبو الأعلى المودودي ومالك بن نبي ومحمد محمد حسين وأنور الجندي وعماد الدين خليل والغزالي والقرضاوي وجلال كشك والحوالي وعبدالعزيز كامل وجعفر شيخ إدريس ، شخصيات محايدة ، بل هي شخصيات تجبرك على اتخاذ موقف منها . لا أقصد موقف الولاء والبراء ، الذي يتحدد من خلاله الأعداء ؛ كما تمارسه هي مع خصومها، وإنما أقصد : تفهّم ، أو عدم تفهّم المشروع كبداية ، والقناعة به والانخراط في فاعليته العملية كنهاية . ولهذا ، فالقراءة لأمثال هؤلاء تجبرك على عدم الحياد ، على اتخاذ موقف، ومن ثمَّ، لا بد من الإشارة إليها في سياق الحديث عن فرز الخيارات ؛ لأن الوقوع في مثل الأتون الإيديولوجي ، لا يُمثل أزمة فرد ، بقدرما يُمثّل أزمة مجموع ، أي أزمة خيار حضاري عام .
وإذا كان هذا الخط الإسلاموي ، خط الإسلام السياسي ، يُوجّه لك خياراتك ، فكذلك الخط الآخر ، المتمثل في مشروع التقدم المدني : التنوير . فشخصيات مثل: طه حسين وشكري غالي ولويس عوض والعروي وصادق جلال العظم وجابر عصفور وأدونيس وفؤاد زكريا وهشام جعيط والجابري ونصر حامد أبو زيد وعلي حرب ومحمود إسماعيل وياسين الحافظ وحسن حنفي وشاكر النابلسي والعفيف الأخضر ومحمد اركون وهاشم صالح وخالص جلبي ..إلخ ، عربياً ، وعبد الله الغذامي وحسن فرحان المالكي وتركي الحمد وغازي القصيبي ..إلخ، محلياً . ومرة أخرى، على خلاف كبير بين هذا الجمع من الأسماء ، التي لا تمتلك معها خيار الحياد التام ، بل لا بد من موقف ، فإما تقف ضدها، وإما أن تتسامح معها ؛ فتصبح ضمن خيار التسامح الذي تؤسس له ، خيار التسامح مع الجميع؛ باستثناء رافضي خيار التسامح أصلا، أولئك الذين يكون معنى التسامح معهم، أن يُسمح لهم بممارسة الإقصاء ، بل القتل والإرهاب .
من يقرأ في بداية تكوينه الثقافي: (حصوننا مهددة من الداخل) و(الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر) وكلاهما لمحمد محمد حسين ، أو كتاب :( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ) لأبي الحسن الندوي ، لا بد أن يتخذ موقفاً واضحاً ، إما أن يصدق كل هذا الكم الهائل من أوهام المؤامرة ، ومثله في توهم أن ثمة حضارة حقيقية كانت لنا كمسلمين، ثم زالت ! ، وإما أن يرفض كل هذه الأوهام ، ويسلك طريقا آخر في تفسير تاريخه ، وبناء عليه ، يحدد طريقه الأجدى للتعامل مع واقعه الحضاري المأزوم . لا بد أن يحدث هذا ؛ لأن هذه ليست مجرد كتب علمية ، وإنما هي كتب يتم فيها توظيف العلمي لصالح وهم إيديولوجي فاقع الألوان. وعليك كقارئ أن تختار .
بعض الكتب قد تكون محايدة إيديولوجياً إلى أقصى حد ، لكنها بعلميتها ومنهجيتها الصارمة تفضح نقيضها في الساحة ، أي أن درجة جودتها تجعلها بالضرورة في تضاد مع الخطاب المهيمن رغم هشاشته ، والذي هو خطاب الإسلام السياسي .فكتاب (الأسس الجمالية للنقد الأدبي ) لعزالدين إسماعيل ، كتاب مغرق في العلمية ، بل وفي التخصص . لكنه مع هذا ، يمثّل فضحاً متواصلاً لمشروع أسلمة الأدب والنقد، المرتبط بالمشروع الأوسع : الإسلام السياسي . لا يمكن لقارئ يقرأ هذا الكتاب ، ثم يطلع على غثاء ما يُسمى ب ( الأدب الإسلامي ) أو ( النقد الإسلامي) إلا ويجد نفسه في حالة ازدراء عميق لكل الأطروحة الثقافية الإسلاموية . كل هذا ، رغم أن هذا الكتاب لم يرد لا من قريب ولا من بعيد تأسيس خطاب مناهض لمشروع الإسلام السياسي .
مثل هذا الكتاب ، ما كتبه عبد السلام المسدي وحاتم الصكر وعز الدين المناصرة وصلاح فضل وعبد الرحمن بدوي ...إلخ ، فهؤلاء يطرحون مشاريعهم النقدية ، أو الفلسفية عند بدوي ، فتُحدث بمجرد وجودها الموضوعي نفياً لكل المُنتج الرديء؛ أيا كانت قاعدته الإيديولوجية التي يتكئ عليها . وكما يحدث هذا على مستوى الكتب، يحدث أيضا على مستوى المجلات الدورية . فمن يقرأ الإصدار الفصلي الرائع ( عالم الفكر ) والذي يصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت ، أو حتى مجلة (العربي) ، أو مجلة ( علامات) الصادرة عن نادي جدة الأدبي ، أو مجلة (الفيصل ) ، وهي الدوريات (الرصينة ) التي كان متاحا لي الاطلاع عليها آنذاك ، ثم يقرأ حتى ولو كان كحالي في السنة الجامعية الأولى ذلك الإصدار الهزيل :(مجلة البيان ) والتي تصدر ولا تزال عن المنتدى الإسلامي في لندن ، وتتبنى عدم نشر أية صورة لأي كائن حي ؛ لحرمة التصوير لدى القائمين عليها ! (الإشارة إلى عدم نشر الصور لمجرد معرفة درجة التشدد لدى هذه الدورية ) ، ثم يقارن ما كُتب هنا بما كتب هناك ، لا يملك مهما كانت درجة وعيه النقدي إلا أن يعد كل هذا الخطاب الإسلاموي الصاخب ، مجرد صراخ وعويل فارغ .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.