الأمير عبدالله بن بندر يرفع التهنئة للقيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    "روبوتات المطاعم " هل تهدد وظائف البشر ؟    محافظ الطائف يؤدي صلاة عيد الأضحى في مصلى الخالدية    الرئيس المصري: لمست في الحج حسن التنظيم والخدمات.. شكرا للملك سلمان وولي العهد    رئيس مجلس الشورى يهنئ القيادة الرشيدة بعيد الأضحى المبارك    5 طرق لتجاوز "اكتئاب العيد"    أمير الرياض يؤدي صلاة عيد الأضحى مع جموع المصلين    القيادة تهنئ رئيس جمهورية جنوب أفريقيا بمناسبة إعادة انتخابه لمدة رئاسية جديدة    أمطار رعدية المرتفعات الجنوبية    عروض مسرحية وفلكلور شعبي في احتفالات الشرقية بعيد الأضحى    سمو أمير منطقة الباحة يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    الكشافة تواصل جهودها بإرشاد الحجاج التائهين في مشعر عرفات    نائب أمير تبوك يهنئ القيادة الرشيدة بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك    "كشافة الزلفي" تواصل تقديم الخدمات لحجاج بيت الله الحرام    الذكاء الاصطناعي يتحكم بالقرارات الشرائية لحوالي 80 %    وزير الخارجية يرأس وفد المملكة في قمة (السّلام في أوكرانيا) بمدينة لوتسيرن السويسرية    الأهلي وصفقات الصيف    الذكاء الاصطناعي يسهم في تصعيد الحجاج إلى عرفات    واجهات جدة البحرية ومرافقها العامة جاهزة لعيد الأضحى المبارك    بياض الحجيج يكسو جبل الرحمة    الأجهزة اللوحية والبصمات تلاحق غير النظاميين    «الدرون» العين الثاقبة في المناطق الوعرة    القبض على بلوغر إماراتية بعد تصويرها مقطعا في مكان محظور    «الكانفاس» نجمة الموضة النسائية    اكتشاف النهر المفقود في القطب الجنوبي منذ 34 مليون سنة    توصية متكررة بتحديث متصفح «غوغل»    هل يستحوذ «السيادي السعودي» على 15 % من مطار هيثرو؟    15 خطيباً اعتلوا منبر عرفة.. أكثرهم «آل الشيخ» وآخرهم «المعيقلي»    الصين تنشئ صناديق مؤشرات للاستثمار في الأسهم السعودية    أبرز أمراض العيد وكيف يمكن الوقاية منها    5 مخاطر للأشعة فوق البنفسجية    ابتكار علاج جيني يؤخر الشيخوخة    في هذه الحالة.. ممنوع شرب القهوة    إيطاليا تفوز بشق الأنفس على ألبانيا في يورو 2024    الملك وولي العهد يتلقيان تهنئة قادة الدول الإسلامية بعيد الأضحى    الأمير فيصل بن سلمان يهنئ القيادة الرشيدة بعيد الأضحى المبارك    عبدالعزيز بن سعود يتفقد قوات الأمن الخاصة المشاركة ضمن قوات أمن الحج    تصعيد أكثر من 42 مليون سلعة تموينية لضيوف الرحمن في مشعري عرفة ومزدلفة    الشيخ السديس يهنئ القيادة بنجاح نفرة الحجاج من عرفات إلى مزدلفة    "البيئة" تفسح أكثر من (2,1) مليون رأس من الماشية منذ بداية "ذو القعدة"    أمير منطقة الحدود الشمالية يهنئ القيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    المتحدث الأمني ل"الوطن": المملكة مدرسة في إدارة الحشود    ضبط (12950) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    أمير منطقة نجران يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة عيد الأضحى المبارك    الوقوف بعرفة.. يوم المباهاة    وزير الخارجية يستعرض العلاقات التاريخية مع رئيس المجلس الأوروبي    نيمار يُعلق على طموحات الهلال في كأس العالم للأندية    العيد في غزة حزين وبلا أضاحي    رئيس مصر يزور المتحف الدولي للسيرة النبوية    «الرياض» ترصد حركة بيع الأضاحي.. والأسعار مستقرة    بدء مفاوضات انضمام أوكرانيا للاتحاد الأوروبي    وزير الخارجية يترأس وفد المملكة بقمة السلام في أوكرانيا    وزير الإعلام يتفقد مقار منظومة الإعلام بالمشاعر المقدسة    السعودية تتسلم علم استضافة أولمبياد الفيزياء الآسيوي 2025    2000 إعلامي من 150 دولة يتنافسون في الأداء    120 مليون نازح في العالم    فيلم "نورة" من مهرجان "كان" إلى صالات السينما السعودية في رابع العيد    صحفيو مكة يشيدون بمضامين ملتقى إعلام الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مت .. فلا شيء خلفك..
نشر في الرياض يوم 24 - 04 - 2008

لم نسأل أحداً حين حملنا نعشه وأخرجناه من باب المسجد بعد صلاة الظهر عن طريق المقبرة، أدخلنا نعشه السيارة المستأجرة لهذا الغرض، وقادها صديقنا القديم في هذه المدينة متجهاً إلى المقبرة، سألته إن كان يعرف الطريق، ودون أن يلتفت نحوي قال: - هو سيدلني على الطريق فلا تخف!
وصلنا إلى المقبرة دون أن نفتح نافذة السيارة ونسأل عن الطريق، حملناه حتى وصلنا إلى قبر مفتوح كفم أفعى حان وقت اصطيادها، أنزلناه القبر، اعتذر منه صديقنا القديم قبل أن نخله في القبر قائلاً: = عذراً.. سأدخلك القبر رغم عني، وكأنك أتيت إلى هذه المدينة الغريبة عليك وعلينا لتموت، ولكن أيها الصديق هذه المدينة قد ازدحمت بالبشر، فلم تمهلك سوى أسبوعاً واحداً وتطويك بعده تحت ترابها...
كلنا بكينا موته عدا هو لم يبك أبداً، فعيناه كانتا جافتا، شملنا بنظرة وقال: - لماذا تبكون؟ ها هو الآن تحت التراب، ولم يتغير في الحياة شيئاً، لون السماء كما هو والأرض تبدو كما هي، وحين نخرج من المقبرة، سنجد كل شيء كما هو... فلماذا تبكون؟ صمت للحظة وكأنه يقاوم دمعة أغشوشت في عينه وأكمل:
= لا تبكوا عليه، دعوه يرحل بسلام، قبل أسبوع لم يشتاق أحداً إليه، لم تبكوا بقاءه بعيداً عنكم في المدينة البعيدة، فلماذا تبكون الآن رغم أنه الآن بعيداً عنكم؟
قال كلماته تلك وتركنا واقفين خلفه ورحل، رحلنا خلفه وكل منا يحاول أن يمسح دمعته حتى لا يلتفت إلينا ويرى دمعة أحدنا، خرجنا إلى الشارع، وقف هو على الرصيف وقال لنا: - ألم أقل لكم أن لا شيء تغير..
لم نستطع أن نعود إلى سكننا، قلنا له سنجد رائحته هناك وملابسه، نظر لنا بعين الرأفة وقال: لا بأس، سنجوب الطرقات وبعدها سننام، لأننا تعبنا اليوم كثيراً، أخذنا في طرقات غريبة وبعد ساعات، أوقف السيارة أمام مطعم وقال لنا: - = لا أريد الحزن أن يغلبكم، تناولوا عشاءكم هنا..
= وهل ستأكل معنا..
= بالطبع...
نزلنا جميعاً من السيارة، ودخلنا المطعم، كان هو من يطلب لنا الطعام المحدد في هذا المطعم الشعبي، كنا ننظر إليه وندخل الطعام في جوفنا رغماً عنا، لقمته تصارعه طويلاً قبل أن تلج إلى فمه، كان كالقائد في المعركة، يأمرنا أن نأكل، وحين طابت نفسه لرؤيتنا نأكل قال، سأذهب إلى السيارة وأعود حالاً، فقد نسيت نقودي هناك...
غادرنا ورمى كل منا لقمته في صحنه، جلسنا ننتظره وقد تأخر كثيراً، أحدنا خرج من المطعم ولم يجد سيارته واقفة، أخبرنا بذلك، وبعد وقت قصير وجدناه يدخل من باب المطعم، سألناه عن تأخيره وأين ذهب، فأخبرنا أنه قد نسي نقوده في السكن وذهب لإحضارها، وبين مصدق ومكذب دفع ثمن العشاء وركبنا جميعاً إلى السيارة متجهين إلى سكننا، وصلنا وكان هو آخر من دخل، مد يده وأطفأ كل الأنوار وقال لنا بصوت مبحوح:- ناموا الآن، ولا أريد أن أسمع من أحدكم صوتاً، وأشار بسبابته محذرنا قائلاً: - = إياكم والبكاء.. أياكم والبكاء..
ظلام السكن مشبع برطوبة أدمعنا، التي تأتي خافية في الظلام، كلنا توسدنا مخداتنا المبللة بدموعنا ونمنا، وقبيل الفجر أفقت من نومي على أثر كابوس مزعج، كان لساني كقطعة جلد يابسة، تحركت بهدوء، تحسست الجدران المظلمة حتى استدليت على الثلاجة التي تشاركنا الغرفة، فتحت باب الثلاجة ببطء، أشاع نورها في الغرفة، سحبت قنينة ماء وقبل أن أغلق باب الثلاجة وجدته في زاوية من زوايا الغرفة، واضعاً رأسه بين ركبتيه ويبكي بنشيج خافت، أغلقت الثلاجة، ليعم الظلام مرة أخرى بعدما ترددت في الذهاب حين تذكرت تحذيره لنا قبل أن نخمد إلى أسرتنا، اعتقد أنه لم ينتبه لوجودي، ولم يلحظ نور الثلاجة، تجرعت جرعات متلاحقة من قنينة الماء، ووضعتها بجانبي، حلقت في الظلام الذي يدثر غرفتنا، يمتزج تفكيري فيه وفي صديقنا الذي دفناه!!!...
حين أفقنا في الصباح وجدناه قائماً وعيناه محمرتان، أشار بيده أن نلبس ملابسنا ونتوجه للعمل، اعتذرنا عن ذلك، وألح هو في ذلك، سحبنا خطواتنا نحو السيارة بعدما غيرنا ملابسنا بثقل وتعب، وقبل أن نركب معه في سيارته قال لنا:-
= انظروا إلى ثوبي.... انه ثوبه!!!...
صدمنا بقوله وبشجاعته تلك، وقضينا في سيرنا في سيارته نحو العمل، تتضارب نظراتنا ويلجمنا الصمت، وصلنا إلى مقر عملنا، فتح لنا أبواب السيارة، وحين صرنا خارجها قال لنا:- تخيلوا أنه معنا... لا أريد أن أرى أي تغير فيكم، تخيلوا وأنسوا!!!...
دلفنا جميعاً من باب العمل نحو مكاتبنا، كل منا جلس خلف مكتبه وظل ساكتاً، لم يحرك أحد يده أو لسانه، بعد وقت طويل لا نعرف كيف عبرت، وقبل أن يرتفع صوت المؤذن لصلاة الظهر لم نجده على مكتبه،، بحثنا عنه ولم نجده، خرجنا من مقر عملنا ولم نجد سيارته، أدينا الصلاة جماعة، رجعنا إلى مكاتبنا ولم نجده على مكتبه، انتابنا قلق شديد عليه، كل منا لم يبدي قلقه إزاء ذلك، وظلت نظراتنا هي من تحمل ذلك القلق، انتهت الفترة الصباحية من العمل، خرجنا إلى الشارع ولم نجده لا هو ولا سيارته، استقلينا سيارة أجرة لنصل إلى سكننا، كنا صامتين، لا أحد منا يعرف كيف يعبِّر أو أن كلماتنا تلاشت في حزننا وصمتنا.
= أتريدون أن تعرفوا أين هو؟
قال أحدنا، ودون أن ننبس بكلمة، أمر سائق الأجرة أن يتوجه بنا إلى المقبرة، دخلنا من باب المقبرة، وجدناه كنقطة بيضاء بثوب صديقنا الميت، يخطو خطواته نحو القبر الذي دفنا فيه صديقنا أمس، مشينا خلفه، لم يشعر بوقع خطواتنا، وحين اقتربنا منه وجدناه قد غمر وجهه بتراب قبر صديقنا، وسمعناه صوتا يقول:
= ها أنت يا صديقي قد مت، أتيت من مدينتك لتموت هنا، ولأنفذ أنا وصيتك....
قلت لي قبل خمس سنوات حين أتيت أعزيك في وفاة أبيك، أنه أوصاك أن لا تبك لموته، وأن تلبس لباسه، وأن تعيش وكأنه موجود، أوصيتني أن أنفذ وصية والدك رحمه الله، حين يأتيك القدر، لأنك لم تستطع أن تنفذ وصية والدك وها أنا أنفذ وصية أبيك، وفي داخلي حزن لا أقدر أن أحمله، وفي عيني دموعاً لم يراها أحد، ولن يراها أحد.
رفع رأسه ووجدنا جميعاً ننظر إليه وكل منا يذرف دمعته دون خوف، كانت عيناه محمرتين دهش لوجودنا، شملنا بنظرة ألم، وأسقط وجهه على تراب القبر وقال:
= لم تستطع أنت يا صديقي أن تنفذ وصية والدك... وكذلك أنا!!!...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.