طالب الدكتور فيصل المبارك مستشار الأمين العام للهيئة العليا للسياحة وزارة الشؤون البلدية والقروية بأن تنتحي عن تمسكها بتقديم الخدمات على استراحات الطرق فجميع الدراسات التي قمنا بها أثبتت ان الجهة المخولة بذلك هي وزارة النقل نظراً لأن نشاطها قريب من الشبكات وتخصصها يعطي الأولوية في ذلك. مؤكداً في حديث ل "الرياض" ان تمسكها والاصرار على الاستراحات نتيجة المردود المالي من ايرادات وهو اجتهاد خاطئ بالغرض من ما نشاهده من تدهور في تقديم الخدمات. مضيفاً تضمنت الاستراتيجية العامة لتنمية السياحة الوطنية المعتمدة من مجلس الوزراء أهمية تطوير الخدمات على الطرق الاقليمية وتؤكد المسوحات الميدانية ان ما نسبته 86% من الرحلات السياحية الداخلية تتم عن طريق شبكة الطرق البرية، لذا فقد وجهت الهيئة عنايتها للعمل على تحسين وتطوير هذه المراكز بما يتناسب مع سمعة المملكة والحرص على راحة المسافر والسائح، من خلال عدد من المقترحات التي تم التوصل إليها من خلال توصيات لجنة توجيهية تضم الجهات الحكومية ذات العلاقة البعض منها يتضمن حلولاً عاجلة وأخرى شاملة (جذرية)، تم مناقشتها في مجلس إدارة الهيئة، أقرها مجلس إدارة الهيئة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز فإلى تفاصيل الحوار: @ قامت اللجنة التوجيهية المشكلة بمبادرة من الهيئة العليا للسياحة بوضع مجموعة من المقترحات التطويرية فهل رأت هذه المقترحات النور وتحولت إلى واقع ملموس؟ - المقترحات التطويرية التي وضعتها اللجنة التوجيهية تم ربطها بمسار مناقشة تدهور مراكز الخدمة من قبل اللجنة المشكلة في هيئة الخبراء بغرض دراستها ضمن المقترحات المقدمة من وزارة الشؤون البلدية والقروية وهي معروضة الآن على المقام السامي للنظر في توصيات محضر هيئة الخبراء ونأمل بأن تتحول المقترحات إلى واقع ملموس، وهناك رغبة صادقة للتعامل مع تدهور مراكز الطرق التي أصبحت الآن في كثير من الدول معلماً حضارياً بارزاً، ومن المؤسف ان يصل وضع المراكز في المملكة إلى ما هو عليه الآن. @ الا ترون ان هناك طرقاً تحتاج إلى تركيز الهيئة بإنشاء مراكز خدمة أكثر من غيرها؟ - قضية الاهتمام مرتبطة بالعرض والطلب فالحركة المرورية الموجودة على الطرق هي التي تحدد الحاجة إلى مستوى الخدمة للمراكز ومواقعها وإلى الآن ليس هناك ما يدعو إلى التدخل لإيجاد خدمات خارج طلب السوق فالقطاع الخاص من خلال معطيات السفر الحالية قادر على توفير الخدمات على الطرق السريعة وعلى الطرق الاقليمية، ولكن المشكلة تكمن في غياب المناخ التنظيمي الذي يسمح بوجود شركات بترولية متخصصة ومؤهلة والتي تعمل بالأساليب الحديثة في مجال دراسات الجدوى والتسويق ويمكن مراقبتها مقارنة بالمستثمر الفرد غير المؤهل. @ لكن، أليس من المفترض ان هناك آلية معينة تحدد معايير المواقع ومواصفات هذه المراكز؟ - هناك لائحة متكاملة حددت معايير المواقع، لكن الاشكالية تكمن في عدم تطبيقها لأسباب رئيسية منها المستثمر الفرد وكونها صادرة من نفس الجهة المستفيدة وبالتالي لا تحمل مسؤولية البلديات التقصير، وصعوبة تطبيق اللائحة لأسباب لوجستية منها تشتت المسؤولية ولتضارب المصالح لاستفادة البلديات المحلية بالذات من الايرادات وحرص بعضها على تقديم المصلحة الخاصة لمستثمرين محليين وأحياناً لمحسوبية على المصلحة العامة، واثقال قطاع البلديات وعدم تخصصه في هذا المجال الحيوي الهام، حيث نلاحظ تعدد مراكز الخدمة في مواقع تتجاوز الطلب على هذه الخدمة والأهم من ذلك في مستوى الخدمة السيء الذي يحتاج إلى تدخل عاجل من خلال تطبيق الآليات المعمول بها في الدول التي سبقتنا في هذا المضمار. @ في رأيكم، من يتحمل مسؤولية هذا الوضع المزري لمراكز الطرق؟ - لا شك ان قطاع البلديات يتحمل هذه المسؤولية على عاتقه، وفقاً للصلاحيات المنصوص عليها في لائحة محطات الوقود والغسيل والتشحيم فالبلديات تتشبث بهذه الخدمة من واقع هذه الصلاحيات وفي حال استمرار توزيع الأدوار والصلاحيات كما هي عليه الآن، وأعتقد ان مقترح وزارة البلديات لاحقاً (وهو أحد مقترحات اللجنة التوجيهية)، والمتمثل في ان علاج المشكلة هو في حصر الخدمة على شركات بترولية (مع استمرار بقاء مسؤولية المتابعة تحت البلديات)، لن يعالج تدني مستوى الخدمات في هذه المراكز نظراً لعدم التخصص كما أشرنا إليه أعلاه ولاثقال قطاع البلديات بما لديه من مسؤوليات ولفرص تضارب المصلحة متمثلاً في حرص الجهات المحلية على الايرادات مهما تدهورت مستوى الخدمة وبالتالي ستستمر ظاهرة تدهوره مراكز الخدمة تفتح في أي موقع مما يزيد فرص التستر والعمالة غير النظامية، إضافة إلى كونها مصدراً للاخلال بالأمن والسلامة حيث ان معظمها تفتقد للمعايير الهندسية السليمة للمداخل والمخارج والتي أصبحت مصدراً للحوادث المؤسفة. @ وما الذي يدعو قطاع البلديات إلى التمسك بها؟ - تتمسك البلديات بهذه الخدمة للمردود المالي من ايراداتها ومن ناحية أخرى بسبب الاجتهاد (الخاطئ) بقدرة البلديات على القيام بهذه المسؤولية رغم ما نراه من تدهور والهيئة العليا للسياحة ممثلة بمجلس الإدارة برئاسة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية حفظه الله وعضويته المكونة من أصحاب السمو الملكي ومعالي الوزراء ومندوب وزارة البلديات، وحرص صاحب السمو الملكي أمين عام الهيئة ومتابعته الشخصية لهذه المهمة لمدة تتجاوز الأربع سنوات من العمل الدؤوب المشترك وبشفافية مطلقة واستناداً إلى افضل النماذج العالمية، ايد المجلس جميع توصيات اللجنة التوجيهية والتي تضمنت ان تحتفظ البلديات بالإيرادات من رسوم تشغيل التموينات والخدمات المختلفة. @ هل هناك عوائق تحول دون قيام وزارة البلديات بواجبها في هذا الجانب؟ - حرصت اللجنة التوجيهية التي تتضمن كفاءات وطنية عالية على العمل من منطلق المصلحة العامة وسمعة هذا الوطن الكريم وسلامة المسافر وأمنه وراحته، وليس من دافع تنازع المسؤوليات لمجرد نقلها، بل ان اللجنة التوجيهية اوصت بنقل المسؤولية لقطاع النقل ولم تشر اطلاقا الى نقلها للهيئة،، ولكن جهاز البلديات مثقل، ولديه من المسؤوليات مالا يحسد عليه وبالتالي لا يستطيع القيام بمثل هذا النشاط لسببين رئيسيين كما اشرنا اليه اعلاه، هما عدم التخصص وتضارب المصالح، فقد نصت اللائحة على قيام لجان المتابعة في المناطق برئاسة البلديات وعضوية ادارات الطرق والنقل والدفاع المدني بمراقبة اداء مراكز الخدمة ومتابعة مدى تنفيذها للشروط الواردة باللائحة، الا انها ومنذ صدور اللائحة في عام 1422ه ، لم تقم هذه اللجان بدورها لتشتت المسؤولية من ناحية وتشتت جهود البلديات من ناحية اخرى بحكم تعدد مهامها ذات الأولوية، ولما يتطلبه جمع شمل هذه الفرق على صعوبات ادارية ولوجستية تنسيقية لا حصر لها وثبت فشلها، كما يجب ان ندرك ان المتابعة على قطاع يغلب عليه المستثمرون الأفراد غير المؤهلين ينطوي على جهود ضخمة وبالتالي شبه استحالة تفعيل اي نظام مراقبة مهما كان مستوى دقته. @ ومن ترونه القطاع الأنسب لتحمل هذا العبء؟ - النماذج العالمية تفيد ان القطاع المسؤول عن مراكز الخدمة هو وزارة النقل، ولم نجد في جميع الدراسات التي قمنا بها ان قطاع البلديات هو المسؤول عن مراكز الخدمة على الطرق، وليت البلديات سعت الى اثبات خطأ تلك الدراسات بإيجاد نموذج مثالي يجعلنا نتجاهل النماذج العلمية الا ان الواقع يؤكد صحة مخرجات الدراسة، كما ان طبيعة نشاط وزارة النقل القريب من شبكة الطرق يعطيها التخصص الكافي، ومن الممكن تخصيص مجموعة من الشركات تؤهل تأهيلاً كافياً مع الالتزام معها بعقد نظامي وقانوني. وأقرب مثال لذلك قطاع المطاعم، حيث ان مراقبة الشركات المتخصصة العالمية للمطاعم السريعة على سبيل المثال كشركة مكدونالدز وبورجر كنج او المحلية الناجحة مثل كودو، لا تتطلب المراقبة نفسها مقارنة بملاحقة المطاعم المملوكة من افراد التي تدار من قبل عمالة اجنبية وبمستويات متدنية يذهب ضحيتها المستهلك وبشكل مستمر. @ أشارت المقترحات الى تبني حلول عاجلة وحلول جذرية، ماذا تم بشأنهما؟ - الحلول العاجلة تعاملت مع حتميات الواقع حتى صدور موافقة المقام السامي على الحلول الشاملة او الجذرية، ولم توفق اللجنة مع الأسف في تفعيل هذه الحلول المرحلية لتمسك البلديات باختصاصها رغم سوء الوضع، اما الحلول الجذرية فتتمثل في التوصيات التي طرحتها الدراسة وهي نقل الصلاحية لوزارة النقل مع ابقاء الإيرادات للبلديات، وحصر المراكز على شركات بترولية متخصصة ومؤهلة، ونأمل ان تأخذ بها هيئة الخبراء بعد موافقة المقام السامي على ما ورد في المحضر المرفوع حاليا، علماً بأن الجهات المعنية عدى قطاع البلديات ايدت توجه الهيئة العليا للسياحة. @ لكن مع قدرة القطاع الخاص على ادارة دفة هذه المراكز، اين دور المستثمرين من تحسين هذه الخدمة؟ - رأس المال جبان، واذا لم يجد المستثمر البيئة التنظيمية المناسبة فلن يستطيع ان يضحي بموارده، لأن المخاطرة ستكون عالية بالنسبة له، كما ان غياب الرقابة يشجع التسيب، ومن الضروري تشجيع الشركات والمؤهلة، اذ انها تملك الوسائل الحديثة للتسويق والدراسات المتخصصة وإدارة المنتجات وشبكة متكاملة من الخبراء، مقارنة بمحطة بسيطة بها افراد غير مؤهلين وقد يكونون غير نظاميين. @ في ظل تصورات الهيئة، ما الحل الواقعي والمثالي لهذه المعضلة؟ - اللجنة التوجيهية وبمباركة مجلس ادارة الهيئة، واستنادا للنماذج العالمية، وضعت حلاً واقعياً وسليماً ومبنياً على دراسات وتجارب عالمية في هذا المجال، يتمثل في: نقل الاختصاص لوزارة النقل، تأهيل الشركات، تحديد المواقع وفق ما ورد في اللائحة بما يحقق السلامة والمنافسة الاستثمارية، مع التعامل بواقعية تتمثل في الاحتفاظ بالإيرادات ومنح رخصة التطوير للبلديات. @ ما مدى التنسيق والتعاون بين الجهات المعنية ذات العلاقة بالموضوع؟ - هناك تنسيق فعلي وتعاون قائم بين الجهات المعنية، انعكس بقرار تشكيل لجنة توجيهية من الجهات ذات العلاقة على مستوى وكلاء الوزارة، والهيئة تعمل بشفافية وشراكة مع القطاعات الأخرى تحت اشراف ودعم مجلس ادارة الهيئة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز - حفظه الله - وعدد من اصحاب السمو الملكي الأمراء والمعالي الوزراء وأعضاء آخرين، نحن نتحدث عن مسار مفتوح متعقل لا ينظر الى مصلحة المنشأة بل الى المصلحة الوطنية. تضم اللجنة التوجيهية، وزارة الشؤون البلدية والقروية، وزارة الداخلية، وزارة النقل، وزارة المالية، وزارة الحج، ووزارة التجارة والصناعة، كما قامت الهيئة بتنظيم ثلاث ورش عمل دعت اليها القطاع الخاص، وبهذا تكون الشراكة والتنظيم قد تمت بشكل تام وغير مسبوق، نتج عنه اعداد مشروع الإطار التنظيمي لتحديث الأنظمة والتشريعات الخاصة بمراكز الخدمة، تم بحثه في هيئة الخبراء، ونأمل بأن يأتي ثماره قريباً بإذن الله، لان سلامة وراحة المسافر هي من مسلمات السياحة المنافسة، وكما اسلفنا فإن نسبة الرحلات الداخلية في المملكة عن طريق البر تشكل ما نسبته 86% من انماط النقل الأخرى، ولاشك ان هذه النسبة بمرور الوقت تتأثر تأثراً سلبياً باستمرارية تدهور الخدمة على الطرق.