383.2 مليار ريال تمويلات مصرفية للمنشآت الصغيرة    اتفاقية لتمكين الكوادر السعودية في مجالات الفندقة    "الأرصاد" يطلق 14 خدمة جديدة للتصاريح والاشتراطات    تصدت لهجمات مسيّرة أطلقتها كييف.. روسيا تسيطر على أول بلدة وسط أوكرانيا    أكد أن واشنطن تدعم حلاً داخلياً.. المبعوث الأمريكي: لبنان مفتاح السلام في المنطقة    50 شخصاً أوقفوا بتهم متعددة.. اعتقالات واسعة لعناصر مرتبطة بالحرس الثوري في سوريا    في المواجهة الأولى بنصف نهائي كأس العالم للأندية.. صراع أوروبي- لاتيني يجمع تشيلسي وفلومينينسي    نيابةً عن ولي العهد.. وزير الخارجية مشاركاً في "بريكس": السعودية تطور تقنيات متقدمة لإدارة التحديات البيئية    استقبل سفير لبنان لدى المملكة.. الخريجي وسفير الاتحاد الأوروبي يبحثان تعزيز العلاقات    بعثة الأخضر للناشئين تصل إلى فرنسا وتبدأ تحضيراتها لبطولة كوتيف الدولية 2025    النيابة العامة": النظام المعلوماتي يحمي من الجرائم الإلكترونية    يتنكر بزي امرأة لأداء امتحان بدلًا من طالبة    مركز الملك سلمان يوزع مساعدات غذائية في 3 دول.. تنفيذ مشروع زراعة القوقعة في الريحانية بتركيا    "إثراء" يحفز التفكير الإبداعي ب 50 فعالية    دنماركية تتهم"طليقة السقا" بالسطو الفني    برنامج لتأهيل منسوبي "سار" غير الناطقين ب"العربية"    أمير القصيم: الرس تحظى بمشاريع تنموية وخدمية تسير بخطى ثابتة    الجراحات النسائية التجميلية (3)    أمانة القصيم تنفّذ 4793 جولة رقابية بالأسياح    الهلال يحسم مصير مصعب الجوير    "سلمان للإغاثة" يدشّن بمحافظة عدن ورشة عمل تنسيقية لمشروع توزيع (600) ألف سلة غذائية    ترمب سيخير نتنياهو بين استمرار الحرب وبلورة شرق أوسط جديد    صعود أسواق أسهم الخليج مع تقدم مفاوضات التجارة الأميركية    المملكة.. يد تمتد وقلب لا يحده وطن    الدحيل يضم الإيطالي فيراتي    كييف: هجمات روسية توقع 40 بين قتيل وجريح    القيادة تهنئ حاكم جزر سليمان بذكرى استقلال بلاده    استنسخوا تجربة الهلال بلا مكابرة    تقرير «مخدرات تبوك» على طاولة فهد بن سلطان    أمير القصيم يشكر القيادة على تسمية مركز الملك عبدالعزيز للمؤتمرات    الأسطورة السينمائية السعودية.. مقعد شاغر    «الشورى» يقر توصيات لحوكمة الفقد والهدر الغذائي والتحوط لارتفاع الأسعار    وزير الصناعة والثروة المعدنية يفتتح منتدى الحوار الصناعي السعودي - الروسي    تراجع أسعار الذهب مع ارتفاع قيمة الدولار    جائزة الأمير محمد بن فهد لأفضل أداء خيري تؤثر إيجابيا على الجمعيات والمؤسسات    نائب أمير جازان يستقبل رئيس وأعضاء مجلس إدارة "تراحم"    نائب أمير جازان يطّلع على تقرير عن أعمال فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    أمير جازان يستقبل مدير فرع الشؤون الإسلامية بالمنطقة    648 جولة رقابية على جوامع ومساجد مدينة جيزان    وكالة الفضاء السعودية تطلق جائزة «مدار الأثر»    بدءاً من الشهر القادم وحسب الفئات المهاريةتصنيف رخص عمل العمالة الوافدة إلى 3 فئات    لسان المدير بين التوجيه والتجريح.. أثر الشخصية القيادية في بيئة العمل    الحب طريق مختصر للإفلاس.. وتجريم العاطفة ليس ظلماً    علماء يكتشفون علاجاً جينياً يكافح الشيخوخة    "الغذاء والدواء": عبوة الدواء تكشف إن كان مبتكراً أو مماثلًا    اعتماد الإمام الاحتياطي في الحرمين    إنقاذ مريض توقف قلبه 34 دقيقة    العلاقة بين المملكة وإندونيسيا    التحذير من الشائعات والغيبة والنميمة.. عنوان خطبة الجمعة المقبلة    مستشفى الملك فهد بالمدينة يقدم خدماته ل258 ألف مستفيد    تركي بن هذلول يلتقي قائد قوة نجران    أحداث تاريخية وقعت في جيزان.. معركة الضيعة وشدا    تمكين الهمم يختتم عامه القرآني بحفل مهيب لحَفَظَة القرآن من ذوي الإعاقة    ترحيل السوريين ذوي السوابق الجنائية من المانيا    الرياض تستضيف مجلس "التخطيط العمراني" في ديسمبر    ألف اتصال في يوم واحد.. ل"مركز911"    911 يستقبل 2.8 مليون اتصال في يونيو    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة النقل والخدمات اللوجستية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلال الحكومة
الجانب الابيض
نشر في الرياض يوم 01 - 02 - 2008

مصطلح يعني لدى البعض قمة اللا مبالاة والتهاون والاستباحة.. نستخدم - خاصة هذه الأيام - السيارات والخيام ومولدات الكهرباء وغيرها من الأشياء التابعة لدوائرنا الحكومية في نزهاتنا ورحلاتنا، وعطلاتنا وأفراحنا وأتراحنا، والبعض منا كريم (يباشر) على الآخرين بها، ويقدمها من باب (الفزعة).. بل إن البعض يستخدم صغار الموظفين أيضاً في أعماله الخاصة على (حساب الدولة بالطبع)..
أمور تعتبر من أبسط الممارسات التي تعد (حلالاً) عند البعض بحكم العادة، فهي لا تحتاج إلى سؤال أو استفسار.. إنها ببساطة (حلال الحكومة) والحكومة غنية فلا داعي للتزمت.
لنترك ماتواطأ الناس عليه من عادات ولنتجه إلى الأفق.. إلى حيث محمد صلى الله عليه وسلم الذي تركنا على (مثل البيضاء).. ما موقفه من مثل هذه الممارسات.؟
ذات يوم كان عليه السلام عائداً من إحدى معاركه، ومعه صحابته المجاهدون، وهل هناك أشرف وأنبل من مجاهد يذود عن حياض الدين والعرض والوطن.. ألا يرخص كل شيء لهذا المجاهد الذي قدم روحه رخيصة..
عاد عليه السلام من جهاده ومعه بعض الغنائم التي لم تقسم بعد، وبينما كانت الغنائم مجموعة في مكان ما، رأى أحد المجاهدين لحافاً فتاقت إليه نفسه، فبررت له أخذه بحكم أنه شارك في الجهاد، ومن حقه أن يأخذ ما يحتاج.
أخذ المجاهد ذلك اللحاف دون إذن ولي الأمر المسؤول صلى الله عليه وسلم، وبعد أيام وبينما هو يمشي أصابه سهم طائش، فقتله، فغبطه الصحابة على الشهادة في سبيل الله وقالوا: (هنيئاً له الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا - صحيح البخاري 6- 6642).
هذا هو الإسلام.. لقد خرجت للجهاد في سبيل الله لا سبيل غيره، وابتغاء جنته لا جنة غيره، إذاً فعليك الالتزام بشروط من سيمنحك هذه الشهادة.. وتعاليم من يملك تلك الجنة.. وإلا فأنت لست بمجاهد ولا شهيد.. أنت باختصار إرهابي.. حتى النبي صلى الله عليه وسلم مرت به ساعات لا يدري ما يفعل بالمال الذي بين يديه إلى أن أتاه الوحي، فقد جاءه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يحمل سيفاً من الغنائم، يريد أخذه فهو أحق الناس به، فقد أبلى في تلك المعركة بشهادة ابن مسعود الذي يقول (كان سعد يقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر قتال الفارس والراجل - رواه البزار 4- 327بسند قوي).
هاهو سعد يروي حكايته مع ذلك السيف فيقول: (جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر بسيف فقلت: يا رسول الله إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو، فهب لي هذا السيف.. قال: إن هذا السيف ليس لي ولا لك. فذهبت وأنا أقول: يعطاه اليوم من لم يبل بلائي..؟ فبينا أنا إذا جاءني الرسول فقال: أجب. فظننت أنه نزل فيّ شيء بكلامي، فجئت، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك، وإن الله قد جعله لي فهو لك. ثم قرأ (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول) - رواه أبو داود 2- 86بسند صحيح).
يا لعظمة هذا الدين.. حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجرؤ على مس ذلك المال إلى أن نزل عليه الوحي. إذا كان هذا الانضباط المالي الشديد موجهاً للمجاهد الذي خرج بماله ونفسه في سبيل الله، فكيف بموظف يأخذ مرتباً على عمله، ثم يتطاول على شيء زائد على ذلك المرتب دون إذن ولي الأمر، أو عن طريق التحايل، أو يستسهل (حلال الحكومة) لأن حلال الحكومة كثير ولن يضرها إن أخذ أو اختلس، أو بحجة أن غيره يفعل ذلك.
وتكبر دولة الإسلام، وتأتيها الزكوات من كل مكان، فيقدم الإسلام لموظفي الدولة درساً رائعاً في احترام (حلال الحكومة).. يرسل عليه السلام رجلاً يقال له ابن اللتبية رضي الله عنه إلى البحرين (المنطقة الشرقية اليوم)، لجمع الزكاة من أهلها، فتستقبله قلوب أهلها قبل أيديهم، ويقدمون له الزكاة، ويردفونها بهدايا شخصية تليق بصاحب رسول الله ومبعوثه، فيأخذها منهم ويعود إلى المدينة وقد اثرى. ويتوجه لشدة حرصه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوجه إلى بيته، فينثر بين يديه كل ما معه، ثم يعزل بين عيني النبي صلى الله عليه وسلم وبكل شفافية ما تلقاه من هدايا قائلاً: هذا لكم.. وهذا أُهدي إلي.
فينهض عليه السلام نحو منبره (منبع الوعي وشمس التنوير) فيهتف بأصحابه وبموظفي الحكومة بعد أن حمد الله وأثنى عليه قائلاً: (ما بال عامل ابعثه فيقول: هذا لكم وهذا اهدي لي!! أفلا قعد في بيت أبيه، أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال احد منكم شيئاً، إلا جاء به يوم القيامة إليه أم لا؟ والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم شيئاً، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه: بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر "أي تصيح" ثم رفع يديه...
ثم قال: اللهم هل بلغت.. اللهم هل بلغت - صحيح مسلم 3- 1463) الرجل لم يأخذ من الزكاة، بل أخذ هدية بصفته موظفاً حكومياً.. أخذ هدية معزولة تماماً عن مال الزكاة، فكيف لو أخذ من الزكاة دون إذن ولي الأمر، بحجة أنه من (العاملين عليها) ربما أثرى الموظف من (حلال الحكومة) أو (حلال الشركة) في الدنيا، لكنه قد يعرض نفسه للإفلاس يوم البعث، ولو كان من اشد الناس التزاماً بالعبادات (صلاة في الليل والنهار، وصيام في الهواجر، وزكاة وصدقات) يفلس ويفاجأ أن هذه العبادات العظيمة والجليلة قد بدأت تتلاشى أمام عينيه الزائغتين، وتفلت من بين يديه المغلولتين، ليس لأنه شرب خمراً أو ارتكب ذنباً بينه وبين الله، فالله يغفر إن شاء، ولكن لأنه (شتم هذا، وقذف هذا، وأكل ما لهذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار - صحيح مسلم 4- 1997).
فما أنظف الإسلام.. ما أجمل الإسلام، وما أجمل المسلم وهو يرنو إلى أفق بالغ الطهارة والسمو.. مردداً (اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك) إنها المواطنة الشريفة التي تحتضن الوطن، وتظله وتقله، وتخشى عليه أول ما تخشى من نفسها الأمارة بالسوء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.