يثير مفهوم الشركات الوطنية جدلا مستمرا بين مؤيد ومعارض. تحتفي الحكومات بها رمزا للسيادة والقوة الصناعية، بينما يرى آخرون أنها كيانات احتكارية تضعف المنافسة وتخنق الابتكار. لكن لابد من رأي محايد يوازن بين النقيضين، فالشركات الوطنية ليست خيرا خالصا ولا شرا محضا. طبقا لمقتضى المرحلة، على الشركات الوطنية أن تؤدي أدوارا محددة في مزيج من التقدم والتراجع. توجد مرحلتان رئيستان: مرحلة اللحاق بالركب ومرحلة التقدم الحدودي. في مرحلة اللحاق بالركب، تكون الشركات الوطنية أبطالا يعملون لنقل التقنية وبناء القدرات الصناعية. هكذا صنعت اليابان وكوريا الجنوبية عندما كونت تكتلات صناعية للحاق بركب الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. لحقت حينها الشركات الوطنية بركب التقدم، مكثفة للموارد وموحدة للجهود، فكانت الأولوية للتسارع وليس التجريب. إذا بلغت الشركات الوطنية حدود المعرفة التقنية وتقدمت عالميا، فعلى المعادلة أن تتغير. عليها أن تكف عن تقليد المنافسين وتبحث عن اختراقات جديدة، فليس ثمة ما يقلد تقريبا. ستجد الشركات نفسها في موقع حرج: الركون إلى النموذج القديم بانتظار تقدم الآخرين لتقليدهم، أو الابتكار لإعادة تعريف التقدم لها ولغيرها. في مرحلة التقدم، على الشركات الوطنية أن ترعى الابتكار وتنمي أبطالا وطنيين في مناطق جديدة في صورة شركات ناشئة أو شركات منبثقة. لابد للاعبين أن يتخلوا عن التفكير المركزي وينتقلون إلى مشهد أكثر تحركا، مفتوحا لوافدين جدد، في نمو يتشعب أفقيا لا عموديا. إذا لم تغير الشركات الوطنية منهجها يمكن أن تصبح -بعد أن كانت محركا للنمو- عائقا مكلفا للتقدم. في البدايات تكون الشركات الوطنية محمية دعما لتلحق بالركب، فإذا تم لها ذلك عليها أن تقدم الحماية لغيرها وتطلق العنان للتجريب والابتكار. إذا قنعت بتحصيل الأرباح وممارسة التأثير السياسي وهيمنة السوق سينتهي بها الأمر إلى التخلف عن الركب والعودة من جديد. لذا عليها على أن تبني بيئة حولها تسعى لاختراقات على حدود المعرفة والتقنية بالبحث والابتكار. وكما رعت الدولة الشركات الوطنية بحمايتها، على الدولة في مرحلة التقدم أن تحمي الشركات الناشئة وتحفز الشركات الوطنية بلعب دور مماثل. عندها يوجه دعم الدولة من خلال الشركات الوطنية أو بمفردها للابتكار، لأن الاستمرار في المقدمة هو في حقيقته منافسة ابتكارية من أجل البقاء. بالتزامن مع دعم الشركات الناشئة، تبدأ الدولة في تخفيف الدعم عن الشركات الوطنية، لأن الدعم نفسه قاتل للابتكار. لابد للشركات الوطنية أن تواجه مشكلات محددة تركز جهودها في حلها، سواء كانت مشكلات في خفض التكاليف أو تطوير المنتجات أو البحث عن أسواق جديدة، أو كل ما سبق معا. الأبطال الوطنيون يبقون أبطالا، لكن دور البطولة يتغير.. في البدء دور البطولة هو العدْو على الطريق الطويل، يلي ذلك حمل الأثقال لتصعد على أكتافها قطاعات بأكملها لمواصلة الدفع نحو المقدمة.