مع سعادة الدكتور عبداللطيف الواصل رئيس هيئة الأدب والنشر والترجمة كان حديثي عن مفهوم الأوائل أثناء مصادفتي له وهو يتجول بين الدور المشاركة في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025م. لم يكن حديثي فيه فكرة واضحة لأنه جاء عرضا دون تركيز، وربما لم يكن هناك محور حديث يمكن تذكره من قبل سعادته، فأنا عابر بين ممرات الكتب لأول مرة التقيه، والحديث كان عاما ومتعدد المواضيع، وعلى توقع مني أن يبادر أي منا بالاتصال بالآخر، ولكن هذا لم يحدث، فتقديري لأشغال سعادة الدكتور الواصل منعني من الاتصال به خجلا وتفهما رغم أهمية الموضوع بالنسبة لي، ففي تصوري إن هناك رصيدا ورأس مال ثقافي لأوائل سعودية في مجال الأدب بكافة أنواعه ومجالاته جديرة أن يُلتفت لها، وخير من يتبنى هذه الفكرة هي الهيئة المعنية بالأدب السعودي، وبالنشر وما يتعلق به. الأوائل كلمة تدل على أسبقية، ولكنها في الوقت ذاته تحمل دلالات متعددة وجوانب مختلفة، فهي فضول معرفي من وجهة نظر علم اجتماع المعرفة مبنية على قاعدة جذرية في آليات تفكير الإنسان، ولذلك نجد في القرآن الكريم علامات استرشادية تشبع هذا الفضول، ويرد فيه معرفة يقينية عن أوائل بعينها، فأول بيت وضع للناس (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا)، وأول من سمي باسم محدد (يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا). هذه الإشارات القرآنية تؤكد أهمية أن يكون الأول في جوانب حياتية مهما بدت بسيطة موثقا ومعلوما. كما تؤكد على أن هناك فضولا معرفيا، والفضول المعرفي ببساطة يعني أن هناك هوة في طريق ما؛ تحتاج إلى ردم ليكون الطريق سالكا إلى محطات متتابعة. ورحم الله أديبنا الكبير فقراءتي لسيرته المقتضبة ذكرتني بموضوع الأوائل وحديثي مع الدكتور الواصل، وأديبنا المقصود هو (مطلق بن مخلد الذيابي) الذي لا يقل مكانة ولا براعة عن أسماء عربية وغربية كبيرة نتغنى بها صباح مساء، وهي جديرة بكل تأكيد بهذا الاحتفاء الدائم في أحاديثنا الأدبية. كما أن الذيابي جدير أن نتذكره، ونذكر أنه أول من «أسس برنامج البادية في الإذاعات العربية كلها»، وهذا ما جاء بنصه في إحدى الموسوعات عن الأدباء السعوديين ومنهم الأديب الذيابي متعدد المواهب، فهو رجل لغة عربية فصيحة مهتم بها وناطق بها وكأنها أغنية دائمة على لسانه وصوته الجهوري الإذاعي، وهو كذلك شاعر يكتب الفصيح ويكتب الشعبي، وعازف وملحن. مواهب اجتمعت في ذاكرة الأدب السعودي لإعلامي وأديب وفنان سعودي. ولم يبق إلا التأكيد على أن رصد الأوائل المؤمل لا يكون بشكل توثيقي فقط، وإنما وفق آليات مبتكرة تجمع بين التحليل والمقارنة، والاشتغال على مكعب إبداعي مرن يمكن إدارته بما يتناسب مع طبيعة كل شخصية أو موضوع أو منجز ثقافي كانت بصمته الأولى سعودية، وأنا هنا أوثق أول مرة التقيت فيها بالدكتور الواصل ضمنيا، فهناك شخصيات جديرة أن نوثق أول لقاء بها. رحم الله الروائي أحمد أبو دهمان صاحب رواية (الحزام) الذي جاء خبر وفاته وأنا أنهي كتابة هذا المقال يوم الأحد 14 ديسمبر 2025م، والذي على حد علمي هو أول سعودي يؤلف رواية باللغة الفرنسية.