فقدنا يوم 19 - 6 -1447ه أحد رجالات الوطن البارزين، وحينها تذكرت قول الشاعر: فَمَا كَانَ قيسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ وَاحِدٍ وَلكنهُ بُنيانُ قومٍ تَهَدَّمَا بوفاة الشيخ علي بن عبدالرحمن البرغش التميمي الشخصية المعروفة بإسهاماتها الإنسانية ومبادراتها الاجتماعية الهادئة التي صنعت أثرًا عميقًا في المجتمع المحلي، وامتد صداها إلى ما هو أبعد من نطاق المكان. رجل يعرفه جل اهل نجد حاضرة وبادية وعلى مدى سنوات طويلة، شكّل الشيخ البرغش نموذجًا للرجل الذي يضع خدمة الناس في مقدمة أولوياته، ويُقدّم العمل الخيري بروح نزيهة لا تنتظر الثناء ولا تبحث عن تسليط الأضواء. وقد عُرف عنه انشغاله الدائم برعاية الأسر المتعفّفة، ومساعدته للحالات الإنسانية، ودعمه للمشروعات الصغيرة التي فتحت أبواب رزق لكثيرين. وتميّز بأسلوب خاص يجمع بين التواضع والهدوء والحنكة ما جعله قريبًا من احتياجات الناس وقريبًا من قلوبهم في آن واحد. وله حضور اجتماعي يتجاوز حدود المساعدة؛ فلم يكن الشيخ البرغش رجلَ عطاء فحسب؛ بل كان ركنًا اجتماعيًا يعتمد عليه أبناء منطقته وقبيلتة في إصلاح ذات البين، والتدخل في حل النزاعات، وتقريب وجهات النظر والشفاعة الحسنة ويعزز قيم التماسك. وقد اكتسب عبر سنوات طويلة مكانةً مرموقة في نفوس كبار السن والشباب على حد سواء، لما تمتع به من رزانة رأي، ودماثة خلق، وقدرة لافتة على تهدئة النفوس وتجاوز الخلافات. يشير مقربون منه إلى أن الشيخ علي لم يكن ينتظر طلبًا للمساعدة كي يتحرك، بل كان يبادر ويتفقد ويصل، ويجعل من عمل الخير عادةً يومية لا ترتبط بمناسبة أو ظرف. لذلك فإن رحيله ترك فراغًا اجتماعيًا لا يمكن ملؤه بسهولة، وأعاد التأكيد على أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه الفرد في تعزيز منظومة التكافل داخل المجتمع. إن إرث الشيخ البرغش لا يقتصر على مبادراته التي استفاد منها كثيرون فحسب، بل يشمل نموذجًا أخلاقيًا وإنسانيًا يجسّد قيم العطاء والمسؤولية. وستظل سيرته مصدر إلهامٍ للأجيال المقبلة، ولمن يسعون لترسيخ قيمة العمل غير المشروط، والعمل لأجل المجتمع قبل الذات. برحيل الشيخ علي البرغش، خسر المجتمع وخاصة حوطة بني تميم رجلًا من رجال المبادرات الصادقة، وصوتًا للعقل والإصلاح، ووجهًا يعكس جمال الأخلاق في أبهى صورها. غير أن العزاء الحقيقي يكمن في أن أثره سيبقى حاضرًا على مدى السنوات، وفي أن الأعمال الخيرية التي خلفها ستستمر شاهدًا على مسيرة رجل عاش للناس، ورحل وترك سيرةً تبقى في الذاكرة. رحم الله الشيخ علي البرغش، وأسكنه فسيح جناته، وجعل ما قدّم من خير في ميزان حسناته، وألهم ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. "إنا لله وإنا إليه راجعون". محمد بن عبدالكريم المنقور