إن أول أدوار المواطن في هذه المعركة هو أن يكون عيناً يقظة، لا أن يمر مرور الغافلين، فالتسول أصبح في كثير من الأحيان مهنة منظمة، تتستر خلفها عصابات تستغل حاجة الناس وعواطفهم، وهنا يبرز دور المواطن في الإبلاغ عن المتسولين المحترفين، ليس قسوةً بهم، ولكن إنصافاً للحقيقيين من المحتاجين. كم من مرة أسرعنا بإعطاء النقود للمتسول بدافع الشفقة، دون أن ندري أننا بهذا ندفعه لمزيد من الانحدار؟ العطاء فضيلة، لكن الحكمة في العطاء فضيلة أعظم. فبدلاً من إعطاء النقود، يمكن توجيه المتسول إلى المؤسسات الخيرية المعتمدة، أو إرشاده إلى طلب العمل الذي يكفل له كرامته ويصون ماء وجهه. إن المواطن الفاعل لا يقتصر دوره على رد الفعل، بل يتعداه إلى الفعل الإيجابي، فباستطاعته أن يشارك في حملات التوعية التي تظهر خطورة هذه الظاهرة، وتكشف الأساليب الملتوية التي يستخدمها المتسولون المحترفون، وتوجه الناس إلى سبل المساعدة الصحيحة. أعمق من ذلك كله، أن يكون المواطن شريكاً في بناء مجتمع متكامل، يقل فيه الفقر، وتتوفر فيه فرص العمل، وتشيع فيه ثقافة الكرامة والعزة، مجتمع لا يجد فيه المحتاج حاجة تدفعه إلى مد يده، ولا يجد فيه المحتاجون إلا أيدٍ تمتد إليهم بالخير والمساعدة الحقيقية. إن مكافحة التسول تحتاج إلى مواطن شريك، لا متفرج. مواطن يدرك أن حل هذه الظاهرة ليس بالقمع وحده، بل ببناء شبكة أمان اجتماعي حقيقية. وهذا يتحقق من خلال: * دعم الجمعيات الخيرية الموثوقة. * المساهمة في برامج التشغيل وتمكين الفقراء. * تبني ثقافة "اليد العليا خير من اليد السفلى" في تربيتنا لأبنائنا. ليست قضية التسول مجرد ظاهرة اجتماعية عابرة، بل هي اختبار حقيقي لوعي المجتمع ورقيه، والمواطن الواعي هو من يحول شفقته من عطاء عشوائي يزيد المشكلة، إلى تمكين حقيقي يبني الإنسان والمجتمع. فلنكن جميعاً أيادي ممتدة بالخير، ولكن ليس بإسقاط العملة في الكف الممدود، بل برفع اليد المتسولة إلى مستوى اليد العاملة المنتجة. حينها فقط نكون قد قدمنا حلولاً جذرية، لا مجرد مسكنات وقتية. فكما قال الشاعر: وقد ينبت العز في أرضة الذل ولكن على شرف لا يضام فليكن همنا أن ننبت العز في النفوس، قبل أن نملأ الأكف بالقروش. أحمد محمد السعدي