تخيّل أن تستيقظ فجرًا لتجد مجتمعًا يسير معك نحو العافية؛ يأخذ بيدك لتجعل من الحركة عادة، ومن الغذاء المتوازن أسلوبًا، ومن النوم الهادئ راحةً للجسد والعقل، ومن التواصل دفئًا ينعش الروح. مجتمعٌ يؤمن بأن خطوة اليوم تصنع حياة الغد، ويُذكّرك بأن الصحة ليست هدفًا بعيدًا، بل طريقٌ يُسار فيه مع الآخرين بخطوةٍ كل يوم. ولأن الأحلام الصادقة لا تبقى في الخيال طويلًا، وجدت هذه الفكرة طريقها إلى أرض الواقع حين اجتمع عددٌ من محبّي المشي في فجر الجمعة الهادئة، الخامس عشر من صفر 1437ه الموافق السابع والعشرين من نوفمبر 2015م. كانت انطلاقةً بسيطة، يسودها شعورٌ خاصٌ بأن شيئًا جميلًا بدأ يتشكّل في الرياض، وأن الخطوة الأولى لن تكون الأخيرة. منذ لقاءنا الأول، أصبح فجر الجمعة موعدًا ثابتًا يسير فيه الأعضاء بشغفٍ متجدّد في أجواءٍ يملؤها الصفاء والسكينة. ومع مرور الوقت اتّسعت الدائرة، فكل من شارك في تلك الجولات الصباحية حمل معه تجربةً ألهمت من حوله، حتى صار ذلك الفجر مختلفًا عن سائر الأيام؛ إذ شعر المشاركون أن أسبوعهم ازداد يومًا من الحياة والبهجة، فسمّوه مازحين – وبشيءٍ من الحب – «اليوم الثامن». تنقّل الفريق بين حدائق الرياض وممرّاتها إلى أن استقرّ نشاطه في أربعةٍ من أطول المسارات في العاصمة، لتصبح محطاتٍ ثابتة لمسيرهم الأسبوعي. ومع تطوّر لياقة عددٍ من الأعضاء أُضيف نشاط المشي الطويل فجر السبت لمسافة 21 كيلومترًا في وادي حنيفة، ذلك المسار الطبيعي الخلّاب الذي تحوّل لاحقًا إلى باكورة مشروع «المسار الرياضي». وهكذا غدت عطلة نهاية الأسبوع مزيجًا من الرياضة والصحبة والتجدّد النفسي، وشهد الفريق خلالها قصصًا ملهمة لأعضاءٍ استعادوا صحتهم وتراجعت لديهم الأمراض المزمنة. ومع اتساع قاعدة المشاركين، أدرك الفريق أن أثر المشي لا ينبغي أن يبقى محصورًا في المسارات الرئيسة، بل يجب أن يمتد إلى قلب كل حيٍّ في الرياض. ومن هذا الإدراك وُلدت مبادرة «أحياؤنا تمشي» بالشراكة مع جمعيات التنمية الاجتماعية، لتغرس ثقافة المشي بين الجيران والأسر وتحوّل الأحياء إلى مساحاتٍ تنبض بالحياة والحركة. ومع مرور الوقت، انتشرت الفكرة في أنحاء العاصمة، فتكوّنت فرقٌ متتابعة حمل كلٌّ منها اسم حيّه، حتى وصل عددها إلى 29 فريقًا، لكل فريقٍ يومه الخاص الذي يمشي فيه سكان الحي، ليصبح المشي نشاطًا يوميًّا متنقّلًا بين الأحياء. وفي فجر الجمعة يجتمع الجميع ضمن نشاط مشاة الرياض في لقاءٍ وديٍ كبير يجمع القلوب قبل الخطوات، أما في آخر جمعة من كل شهر فيستضيف أحد الفرق النشاط الرئيس، ليتعرّف المشاركون على تجربة الفريق المستضيف ومنجزاته في تعزيز المشي في حيه. استمرت هذه الأنشطة بلا انقطاع، باستثناء فترة جائحة كورونا التي شكّلت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الفريق على الصمود. وقد تجاوزها الأعضاء بفضل الله، ثم بما اكتسبوه من لياقةٍ ومناعةٍ وروحٍ إيجابيةٍ مكّنتهم من الحفاظ على نشاطهم، لتتحول التجربة إلى دافعٍ إضافي لتعزيز رسالة الفريق في الوقاية من الأمراض وإبراز المشي كخيارٍ صحيٍ آمن. وسّع مشاة الرياض حضوره المجتمعي عبر شراكاتٍ فاعلة مع الجهات الحكومية والخاصة والقطاع غير الربحي، من أبرزها «الرياض العاصمة النشطة» بالشراكة مع جمعية دراجتي لتشجيع ركوب الدراجة إلى جانب المشي، و «رياضتك في حيّك» بالتعاون مع أمانة منطقة الرياض لتنظيم فعالياتٍ ميدانية في الأحياء. كما تعاون الفريق مع مبادرة «الرياض الخضراء» في برامج تشجير الأحياء دعمًا لجهود رفع جودة الهواء وتوفير بيئةٍ ملائمةٍ للمشي، تماشيًا مع هدفها في رفع متوسط خطوات سكان العاصمة من 3000 إلى 6000 خطوة يوميًا. وشارك الفريق في فعالياتٍ وطنيةٍ كبرى مثل «امشِ 30» التي انطلقت عام 2019م، حيث شرف الفريق بمشاركة معالي الدكتور توفيق الربيعة في أحد أنشطة يوم الجمعة، كما التقى معالي الأستاذ فهد الجلاجل بعددٍ من الأعضاء الذين استعادوا صحتهم بفضل التزامهم بالمشي. كما حافظ الفريق على حضوره الرياضي في ماراثون الرياض منذ نسخته الأولى عام 2022م، ويشارك سنويا في اليوم العالمي للمشي الذي تنظمه المنظمة الدولية للرياضة للجميع (TAFISA) بمشاركة أكثر من 80 دولة حول العالم. وتنسجم جهود مشاة الرياض مع مستهدفات رؤية السعودية 2030 في مجالات الرياضة والصحة والتطوع وجودة الحياة؛ إذ تهدف الرؤية إلى رفع نسبة ممارسي النشاط البدني المنتظم من 13% إلى 40%، وقد تجاوزت المملكة هذا الهدف بوصولها إلى 58.5% من السكان، بفضل المبادرات الرياضية والصحية التي أسهم فيها الفريق. كما تستهدف الرؤية رفع متوسط العمر الصحي المتوقع من 74 إلى 80 عامًا، وزيادة عدد المتطوعين إلى مليون متطوع قبل عام 2030، وهي أهداف يشارك الفريق في تحقيقها عبر برامجه التطوعية وأنشطته. وتسهم هذه الجهود في دعم برنامج جودة الحياة الذي يعمل على جعل الرياض ضمن أفضل 100 مدينة في العالم للعيش، لتبقى العاصمة مدينةً تمشي كل يوم، ويظل الفريق مثالًا على أن الخطوة الصغيرة تصنع أثرًا كبيرًا. ماجد بن محمد الصائغ