قالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن أوروبا تواجه خطر "المحو الحضاري" وربما تفقد يوما ما مكانتها كحليف موثوق به للولايات المتحدة، مما أثار انتقادات من الأوروبيين الذين شبهوا هذه اللهجة بخطاب الكرملين. جاء ذلك في وثيقة تتعلق باستراتيجية الأمن القومي الجديدة، والتي نشرت على الموقع الإلكتروني للبيت الأبيض الليلة الماضية. ووصفت الاستراتيجية الاتحاد الأوروبي بأنه معاد للديمقراطية، وقالت إن هدف الولاياتالمتحدة يجب أن يكون "مساعدة أوروبا في تصحيح مسارها الحالي". واتهمت الوثيقة الحكومات الأوروبية "بتخريب العمليات الديمقراطية"، عبر أمور منها إحباط ما قالت إنه مطلب من الرأي العام الأوروبي بإنهاء الحرب في أوكرانيا. وجاء فيها أيضا "على المدى الطويل، من المنطقي للغاية أنه في غضون بضعة عقود على الأكثر، سوف تصبح أغلبية أعضاء حلف شمال الأطلسي غير أوروبية". وأضافت "ومن ثم، فإن ما إذا كانوا سينظرون إلى مكانتهم في العالم أو إلى تحالفهم مع الولاياتالمتحدة بالطريقة نفسها التي كان ينظر بها أولئك الذين وقعوا على ميثاق حلف شمال الأطلسي هو سؤال ينتظر الإجابة". ورفض الاتحاد الأوروبي التعليق، وساد الصمت في الغالب بين الزعماء الأوروبيين الذين يحرصون على تجنب إثارة غضب الرئيس دونالد ترامب. لكن مسؤولين أوروبيين سابقين وصفوا هذا الخطاب بأنه صادم، حتى بمقاييس إدارة ترامب التي تتبنى العداء المتزايد تجاه الحلفاء التقليديين. *"عقول غريبة تفكر بطريقة الكرملين" قال رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيلت عبر (إكس) "هذه لغة لا يمكن للمرء أن يتوقعها إلا من بعض العقول الغريبة في الكرملين"، واصفا الوثيقة بأنها "أشد تطرفا من اليمين المتطرف في أوروبا". وأضاف أن "من الغريب" أن يكون الجزء الوحيد من العالم الذي ترى فيه هذه الاستراتيجية تهديدا للديمقراطية هو أوروبا. وقال رئيس وزراء لاتفيا السابق كريسيانيس كارينز لرويترز "أكثر دولة تشعر بالسعادة لقراءة هذه (الوثيقة) هي روسيا". وأضاف "موسكو تحاول منذ سنوات قطع الروابط عبر الأطلسي، والآن يبدو أن أكبر معطل لهذه الروابط هو الولاياتالمتحدة نفسها، وهو أمر مؤسف". وقال دبلوماسي أوروبي، طلب عدم الكشف عن هويته "اللهجة بشأن أوروبا ليست مبشرة. إنها أسوأ حتى من خطاب فانس في ميونيخ في فبراير"، في إشارة إلى خطاب ألقاه نائب الرئيس الأمريكي جيه.دي فانس في مؤتمر بميونيخ أثار قلق العواصم الأوروبية بعد فترة وجيزة من عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية. وتضمنت الوثيقة انعكاسا لبعض الذرائع التي ساقتها الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا، والتي أصبحت تيار المعارضة الرئيسي لحكومات ألمانيا وفرنسا وغيرهما من حلفاء الولاياتالمتحدة التقليديين. وبدا أن الوثيقة تُشيد بها، إذ ذكرت أن "النفوذ المتنامي للأحزاب الأوروبية الوطنية" يثير "تفاؤلا كبيرا". وقالت ناتالي توتشي، مديرة معهد الشؤون الدولية الإيطالي "إيستيتوتو أفاري إنترناسيونالي"، إن الوثيقة تظهر أن إدارة ترامب كانت "تعمل على تمزيق أوروبا من خلال دعم القوميين اليمينيين المتطرفين المدعومين من روسيا". واستراتيجية الأمن القومي هي وثيقة تصدرها السلطة التنفيذية في الولاياتالمتحدة دوريا وتحدد رؤية الرئيس للسياسة الخارجية وتوجه قرارات الحكومة. وفي مقدمة الوثيقة، قال ترامب إن الوثيقة هي "خارطة طريق لضمان بقاء الولاياتالمتحدة أعظم وأنجح دولة في تاريخ البشرية". واتهمت الوثيقة الجديدة الاتحاد الأوروبي بتقويض الحريات السياسية والسيادة وممارسة الرقابة على حرية التعبير وقمع المعارضة السياسية. ويبدى ساسة ومسؤولون أوروبيون استياءهم من نبرة واشنطن، ولكن في حين يسارعون إلى إعادة بناء جيوشهم المهمَلة لمواجهة ما ينظر إليه على أنه تهديد من روسيا، فإنهم ما زالوا يعتمدون بشدة على الدعم العسكري الأمريكي. وجاء في الوثيقة أن المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة تقتضي التفاوض على حل سريع في أوكرانيا وإعادة إرساء "الاستقرار الاستراتيجي" مع روسيا. وجاء نشر هذه الوثيقة مع تعثر مبادرة السلام الأمريكية، التي قدمت فيها واشنطن خطة تميل لمطالب روسيا الرئيسية في الحرب المستمرة منذ ما يقرب من أربع سنوات. وجاء في الوثيقة "أغلبية أوروبية كبيرة تريد السلام، إلا أن هذه الرغبة لا تُترجم إلى سياسات، ويعود ذلك إلى حد بعيد إلى تقويض تلك الحكومات (الأوروبية) للعمليات الديمقراطية".