أُحِبُّكَ.. ليست مجرّد حروفٍ تتهادى بين الشفاه، بل هي كونٌ مصغّرٌ يحمل في طيّاته أعظمَ أسرار الوجود الإنساني، كلمةٌ إذا نطقها القلبُ صدقاً، اهتزّت لها أركانُ الروح، وإذا أُلقيتْ عبثاً، تحوّلت إلى شظايا تدمي المشاعر، إنها اللفظة التي تختزلُ عمراً من الصمت، وتُطلِقُ الأعاصيرَ. لحظةُ النطق ب أُحِبُّكَ هي لحظةُ انكشافٍ وجودي، إنها اللحظة التي يقرّر فيها القلبُ أن يخلعَ دروعَه، ويقدّم روحَه على كفّ الشجاعة، قيلتْ عندما امتلأ الكيانُ حتى الحافّة، فلم يعدِ الصمتُ يحتملُ ثقلَ المشاعر، قيلتْ حين أصبحَ الجمالُ الداخليّ للآخر أشبهَ بالشمس، لا يمكنُ للحواجز أن تحجبَ ضوءها. كانت لأمّي.. حين أدركتُ أن الحبَّ ليس اختياراً، بل هو انتماءٌ أبدي، كانت لمن رأيتُ في عينيهِ وطناً، فآثرتُ أن أستوطِنَ دافئَ نظراته، كانت لصديقٍ وقفَ إلى جانبي كالسنديان حين تداعتْ بي الحياة، كانت لكلِّ من مثّلوا "الوطنَ" في رحلتي. كانت في لحظاتِ الوفاءِ الصادق، حين يكونُ القولُ ترجمةً أمينةً لِلُّغةِ القلوب، كانت عندما يُصبحُ الزمنُ تافهاً أمامَ أبديّةِ الشعور. النَّدمُ لم يأتِ لأنّ الحبَّ كان خطأ، بل لأنّ الحروفَ سُقِطَت في أرضٍ غيرِ خصبة، ندمتُ حين اكتشفتُ أنّ "أُحِبُّكَ" وُضِعَت في يدٍ لا تعرفُ قيمتَها، فحَوَّلتها إلى سلاح، ندمتُ لأنّ الكلمةَ الطاهرةَ وَصَلَت إلى أذنٍ لا تفهمُ لغةَ الأرواح. تمنّيتُ قولَها لأبي حين كان يكدحُ في صمت، وكانت نظراتُ الشكرِ عاجزةً عن بلوغِ ما يستحق، تمنّيتُ قولَها لنفسي في لحظاتِ الضعف، حين نسيتُ أن أكونَ رحيماً بذاتي. كان الصمتُ عندما كانَ القولُ سيفقدُها براءتَها، عندما كانَ النطقُ سَيُحمِّلُ القلبَ ما لا يطيق، عندما كانَ المشهدُ أكبرَ من أن تُختزلَ روعتُه في كلمة، صُمتُ حين خفتُ أن تتحوّلَ الجنةُ إلى جحيم. أُحِبُّكَ هي الرصاصةُ والنبيذ، هي الجُرحُ والدواء، إنها الكلمةُ التي تُعيدُ تشكيلَ العالم، فلتكنْ إذاً صادقةً كندى الصباح، طاهرةً كدمعة الطفل، قويةً كإيمانِ الأنبياء. أحِبُّكم.. لأنّ في حبِّكم أتذكّرُ أنّني إنسان.