لم يكن القطاع السياحي، الذي سجل نمواً بنسبة 6% العام الماضي، قطاعاً ربحياً بحتاً، بل وجّه موارده ليضع الإنسان في صدارة أولوياته قبل المكان والعائد. هذا النجاح، المدعوم بتحولات كبيرة شهدها القطاع، تجلّى بوضوح في مستوى الخدمات التي بات يستفيد منها السائح المحلي والزائر من الخارج، مما يعكس انتقال السياحة في المملكة العربية السعودية إلى مرحلة أكثر نضجاً وارتباطاً بجودة التجربة الإنسانية. وفي هذا الشأن رصدت "الرياض" هذا التحوّل من خلال المؤشرات الرقمية والمشاهدات الميدانية، إذ بلغ عدد السياح العام الماضي 116 مليون سائح، وبلغ حجم الإنفاق السياحي 284 مليار ريال، وهي أرقام تعكس حجم القفزة التي يعيشها القطاع ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030، ومدى تركيزه على صنع تجربة إنسانية تتجاوز حدود الترفيه المعتاد. وجاءت الأرقام التفصيلية الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء لتدعم هذا التوجه؛ إذ أظهرت نشرة إحصاءات المنشآت السياحية للربع الثاني من عام 2024 أن إجمالي عدد المشتغلين في الأنشطة السياحية بلغ 959,175 مشتغلًا، بنسبة ارتفاع 5.1% مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي، وبلغ عدد العاملين السعوديين 245,905 مشتغلين بنسبة 25.6%، مقابل 713,270 من غير السعوديين بنسبة 74.4%، كما بلغ عدد الذكور العاملين 831,076 بنسبة 86.6%، والإناث 128,099 بنسبة 13.4%. وتوضح الإحصاءات أن نسبة المشتغلين في الأنشطة السياحية بلغت 5.7% من إجمالي المشتغلين في الاقتصاد السعودي و8.6% من إجمالي العاملين في القطاع الخاص وفي جانب الضيافة، ارتفع معدل إشغال الفنادق إلى 55.4%، مقابل 52.4% للشقق المخدومة، فيما بلغ متوسط السعر اليومي لغرفة الفندق 725.5 ريالًا، ولغرفة الشقق المخدومة 254.3 ريالًا، في حين ارتفع متوسط مدة إقامة النزيل في الفنادق إلى 5.2 ليالٍ بنسبة 17.6%. وربطت "الرياض" هذه الأرقام بجولة ميدانية في عدد من الوجهات السياحية داخل المملكة، كان أبرزها المدينةالمنورة التي باتت اليوم المثال الأوضح على ترجمة هذا النمو إلى واقع يلمسه الزائر، وبخاصة في قطاع الفنادق التي تعتبر هذه الفترة مغطاة بنسبة تقترب من ال98% وفي المدينة، تمتزج روحانية المكان مع تطور الخدمات؛ إذ تم تجهيز الساحات والممرات والمظلات والمرافق لخدمة ملايين الزوار، بما في ذلك كبار السن وذوي الإعاقة، وهو ما قل، تجده في دول سياحية في أوروبا، كما تم توفير خدمات ذكية تشمل تطبيقات توجيه بعدة لغات وروبوتات لخدمة الحشود، في مشهد يجمع بين التسهيل الإنساني والابتكار التقني. وحول ذلك أفاد عضو مجلس المنطقة الشرقية عبدالله آل نوح: "إن تجربته الأخيرة في السفر إلى أذربيجان كشفت له حجم الفارق بين الجمال البصري والتجربة الإنسانية، موضحًا أنه أعجب بجمال الطبيعة هناك، بيد أنه تفاجأ بصعوبة الحركة لمن يستخدمون الكراسي المتحركة أو عربات الأطفال بسبب غياب المسارات المهيأة والمرافق الداعمة". وأضاف "إن هذه التجربة جعلته أكثر إدراكًا لقيمة ما يحدث في المملكة"، مؤكدًا أن السياحة السعودية تجاوزت مرحلة بناء الواجهات الجميلة إلى بناء منظومة إنسانية متكاملة تضع احتياجات الزائر في صميم عملية التطوير. وتابع أن المدينةالمنورة تمثل اليوم النموذج الأبرز لهذا التطور، فرغم الزحام الشديد كون المدينة تحتضن المسجد النبوي الشريف، إلا أن ذلك لم يثن المملكة عن تقديم الخدمات المهمة التي تراعي كبار السن وذوي الإعاقة، فهناك مسارات ودورات مياه وغيرها لهذه الفئة سواء في الحرم أو خارجه مثل الفنادق، الأمر نفسه ينطبق على كل مناطق المملكة من أبها إلى الخبر والدمام حيث الواجهات البحرية الكبرى إلى محافظة القطيف حيث التاريخ والأصالة والمناطق السياحية الجديدة، مؤكدا أن توجيهات المملكة تجاه القطاع السياحي تعد ركيزة أساسية في تحقيق هذا التطور المهم إنسانيا قبل أن يكون ربحيا. وتابع "في المدينةالمنورة يجد الزائر فيها خدمات تتجاوز التوقعات، من الممرات الواسعة إلى إدارة الحشود وابتكار الحلول الذكية، ما يجعل التطوير في المملكة أعمق من مجرد تحسين بصري". وعن تطور السياحة الداخلية، قال العقاري حسين النمر: "إن الطفرة التي تشهدها مدن المملكة في نسب الإشغال وتطور مرافق الضيافة مرتبطة مباشرة بما رُصد من أرقام رسمية"، مشيرًا إلى أن المواطنين باتوا يفضلون قضاء إجازاتهم داخل المملكة نظرًا لجودة الخدمات وتنوع التجارب. وأضاف "إن المدينةالمنورة تقدّم نموذجًا متقدمًا في هذا السياق، إذ أصبحت معيارًا يقاس به نجاح أي وجهة سياحية في المملكة بفضل ما توفره من تنظيم واستعدادات تستوعب ملايين الزوار سنويًا"، مؤكدًا أن هذا النمو لم يكن ليحدث لولا استثمار الدولة الضخم في تطوير البنية التحتية والخدمات الإنسانية، مشيرا إلى أن القطاع الفندقي عزز من واقع العقار في المناطق السياحية في كل مدن ومناطق المملكة مثل الخبر والدمام والقطيفوأبها وغيرها من المناطق ذات الجذب السياحي. وأضاف "إن المؤشرات تظهر أن المملكة تبني نموذجًا سياحيًا يوازن بين التطوير الاقتصادي والاهتمام الإنساني، إذ تتقدم المدن السعودية بخطوات سريعة في مسارات التطوير، كما تبقى العاصمة الرياض بينما تبقى الشاهد الأكبر على أن الاستثمار السياحي ليس مجرد أرقام أو منشآت، بل هو رسالة حضارية تُترجم على الأرض"، مضيفا "إن المملكة تبني لأجل الإنسان أولًا، ولأجل الصورة ثانيًا، وفي ظل هذه الطفرة، يتزايد إقبال السياح لا إعجابًا بالمكان فقط، بل تقديرًا لقيمة الوطن حين يرون كيف تُكرّم المملكة الإنسان في كل تفاصيل التطوير، من مكةوالمدينة حيث ساحات الحرم إلى شواطئ الشرقية، ومن قمم السودة إلى قلب أبها النابض بالحياة. عبدالله آل نوح حسين النمر سوق قباء يعزز السياحة الداخلية بالمدينةالمنورة منطقة المساجد السبعة تشهد تطويرًا ضخمًا المدينةالمنورة تتميز بالثقل الإسلامي والآثار