عايشتُ فرق الحواري في الأحساءوالدمام، وخبرتُ دهاليز الملاعب الترابية، ولاحظتُ ظاهرة لافتة لدى لاعبي تلك الفرق: عندما يلعب بعضهم لغير فرقهم الأساسية، يظهرون بمستويات أفضل، وبلا ضغوط أو شحن، خلافًا لما يكونون عليه حين يمثلون فرقهم التي ينتمون إليها. هؤلاء هم اللاعبون أنفسهم، لكنهم ليسوا بالأداء نفسه ولا بالهدوء ذاته. والسر -كما أراه- يكمن في الجانب النفسي؛ فاللاعب إذا وجد البيئة المساندة، وابتعد عن الانتقادات القاسية واللوم المستمر، ظهر في أفضل صورة. وهذا ما نراه عند ما يُسمَّون في ملاعب الأحياء ب "الملقطين": فريق من لاعبين جُمِعوا من هنا وهناك، ولكنهم يلعبون كقلبٍ واحد وروحٍ واحدة، بلا عتب ولا ملامة إن أخطأ أحدهم أو تسبب في زلّة. تذكرتُ -وقد تجاوزتُ العشرين عامًا على هذه الحادثة- أحد اللاعبين الذي واجه إداري فريقه بصراحة، وقال: «عندما ألعب مع فرق أخرى كملقط، أقدم مستوى أفضل مما أقدمه مع فريقي»، فسأله الإداري عن السبب، فأجاب: «الضغوط التي أتعرض لها هنا تختفي تمامًا عندما ألعب في مكانٍ آخر». قد يختلف معي بعض القرّاء، وربما يتفق آخرون، لكني أؤمن بتباين الأفكار وبتعدد الزوايا، وما دفعني لطرح هذه الفكرة هو الربط بينها وبين واقع لاعبي منتخبنا الوطني؛ فهؤلاء اللاعبون أنفسهم يقدمون مع أنديتهم أفضل الجهد، وتظهر عليهم الحماسة والالتزام، لكنهم مع المنتخب يظهرون باهتين، وكأنهم غير مبالين بالشعار الذي يحمل اسم وتاريخ وطن يستحق أن نبذل لأجله الغالي والنفيس، خاصةً في ظل ما يُصرف من دعم كبير، بينما النتيجة -للأسف- لا تزال دون المستوى. لا مانع أن نستلهم من قصص الحواري، وننقل التجارب الإيجابية، لعلّ في ذلك ما ينفع من يمثل المنتخب الوطني، قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه عذر ولا يَسلم فيه أحد من عتب الدهر. ختامًا: يقول كبار السن حكمة بالغة: «تعلّم ممن هو أكبر منك وممن هو أصغر منك قبل أن يتأذى الدهر منك»، وأقول: لا بأس أن تتعلم ممن هو أقل منك مكانةً أو خبرةً؛ فقد يكون أفضل منك في جانبٍ تظن أنك متقنُه، بينما ينقصك فيه الكثير.