عشية الزيارة المنتظرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولاياتالمتحدة، تبدأ مرحلة جديدة في مسار العلاقة مع الرياض، فقبل موعد هذه الزيارة، شهدت العاصمة الأميركية لقاءً لافتاً جمع وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان مع مستشار الأمن القومي الأميركي المكلف، ووزير الحرب الأميركي، والمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط. لقاء كثيف في مستواه، وواضح في رسائله، ومتقدم في توقيته، يعكس أبعاد الزيارة المرتقبة بوصفها محطة سياسية تستدعي أن تتهيأ لها مؤسسات القرار الأميركية على أكثر من مستوى. فالاجتماع الذي استعرض العلاقات السعودية - الأميركية ناقش أوجه الشراكة الاستراتيجية، والتركيز على الملفات الدفاعية والأمنية، جاء في لحظة دولية حساسة تتقاطع فيها ملفات الطاقة والتقنية والدفاع والسياسات الإقليمية، ويبدو أن واشنطن أرادت أن تستبق وصول ولي العهد لتؤكد أن الحوار مع الرياض من أجل هندسة الاستقرار الإقليمي ضمن منظومة التوازنات العالمية الجديدة. الدلالة الكبرى في هذا اللقاء ليست في حضور ثلاثة من أبرز صناع القرار الأميركي فقط، وهم: ماركو روبيو وزير الخارجية الأميركي، وبيتر هيغتيث وزير الحرب، والمبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، بل في طبيعة الملفات التي تم النقاش حولها، فالمنطقة تشهد تحولات متسارعة؛ من الحرب في غزة، إلى التوترات الإقليمية، مروراً بملفات الملاحة الدولية والأمن البحري، وصولاً إلى مسار الاقتصاد الجديد الذي بات محوراً رئيساً في العلاقة بين البلدين. والمملكة اليوم، بما تمتلكه من ثقل سياسي واقتصادي وقيادي، أصبحت تتعامل من موقع الشريك الموثوق. زيارة ولي العهد تأتي في ظل مشهد عالمي مضطرب، تبحث فيه الدول الكبرى عن شركاء قادرين على حمل أعباء المرحلة. ومع ذلك، تبدو المملكة أكثر ثباتاً من أي وقت مضى؛ فهي تدخل هذه الزيارة بملفات واضحة، ورؤية متماسكة، وموقع تفاوضي يرتكز على قوتها الاقتصادية ودورها في الاستقرار الإقليمي وقيادتها لمسارات التحول الكبرى في المنطقة. وإذا كان البيت الأبيض يستعد لاستقبال ولي العهد، فإن الحراك السعودي الأميركي يكشف حجم ومستوى اهتمام واشنطن وتفاعلها مع الشراكة المتجددة، فهي تدرك أن مستقبل العلاقة مع المملكة لن يبنى على المعادلات القديمة، بل على مسار جديد بدأ يتبلور، عنوانه التكامل والمصالح المشتركة. الزيارة لا تُقرأ في إطارها الزمني فحسب، بل في ضوء مرحلة كاملة تعاد صياغتها، وتنتظر العاصمة الأميركية ما سيحمله الغد.