في أروقة الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية «بنان»، لا تبدو الأعمال مجرد قطع تعرض بل سردًا بصريًا تكتبه أيد نسائية سعودية تحمل في تفاصيلها دقة الحرفة ورهافة الفن. هنا، حيث تتقاطع الذاكرة مع الإبداع، تتقدّم الحرفيات بثقة، وتترك كل واحدة منهن بصمتها على الخامة التي تمتهنها وكأنها جزء من سيرتها الشخصية. ارتباط السدو مع صوت الصحراء.. في ركن تتردد فيه ألوان الرمل والظلال، تجلس رفعة الرحيل أمام نولها، كحارسة لسر السدو. تُحافظ على رموزه، وتعيد صياغتها في قطع تنسج من خلالها ذاكرة البادية، وتقدم السدو كفن حي قادر على عبور الزمن دون أن يفقد أصالته. لكن حضورها لا يكتمل إلا حين تنتقل من مقام الحرفية إلى مقام المعلمة ففي مساحة مخصصة للأطفال تبدو رفعة وهي تدرب الصغار على أولى عقد السدو بابتسامة تعكس سعادتها. تترك لهم حرية لمس الخيوط، وتجربة شدها، واكتشاف إيقاع النول لأول مرة، وتهمس لهم: «الحرفة تبدأ من قلب سعيد». هكذا تنقل الرحيل الحرفة بعاطفتها قبل مهارتها، وتمنح الأطفال تجربة تفتح أعينهم على جمال السدو ودفء التراث. لغة الجلود الطبيعية.. أما ندى السريع، فتعمل على الجلد كما يعمل النحات على الحجر، تجعل من الخامة الخام قطعة تحمل حضورها الخاص؛ حقائب وإكسسوارات ومنتجات يدوية تستند إلى جودة الصنع وصدق المادة. تترك للخامة أن تتكلم بلغتها، وتضيف عليها لمستها التي تجمع بين الفخامة والبساطة، مقدمة نموذجاً لحرفة تعيد اكتشاف الجلود الطبيعية بأسلوب معاصر. تشكيل يوقظ الرواشين.. وفي زاوية يلتقي فيها التشكيل بالحرفة، تبرز الجوهرة الغفاري بوصفها فنانة تمتلك حساً بصريًا قادرًا على تحويل الخامات إلى أعمال نابضة بالجمال. لا تكتفي بالغوص في عالم الفن التشكيلي، بل تطوع المعدن وتصوغه في لوحات فنية لافتة تحول الصلابة إلى نعومة تحت يدها. كما تبدع الغفاري في صناعة تحف منزلية تستلهم جماليات الرواشين الحجازية، فتستعيد تفاصيلها الخشبية القديمة وتعيد تقديمها في قطع زخرفية معاصرة تعبر عن مزيج بين التراث والحداثة. في أعمالها، يلتقي الضوء بالمعدن، والظل بالخيط، والذاكرة بالحرفة، لتخرج قطع تحمل ملامح المكان ودفء الحكاية. وهكذا يكشف «بنان» في كل ركن من أركانه عن حكاية تُروى بالأيدي قبل الكلمات؛ حكاية نساء يحملن الحرفة كهوية لا كصنعة، ويمنحنها من أرواحهن ما يجعلها تنبض في عين الزائر. وبين سدو رفعة، وجلود ندى، ومعدن الجوهرة ورواشينها، تتجلى صورة الحرف السعودية وهي تعود أكثر إشراقًا، وأكثر قدرة على السفر بالموروث إلى مستقبل يليق به وبمن يصنعه.