تراجع وكالة الطاقة الدولية (IEA) عن توقعاتها السابقة بخصوص ذروة الطلب على النفط، يرمي بظلاله على واقع هذه الوكالة التي تأسست عام 1974، أي بعد أزمة الطاقة عام 1973، على أثر الحظر الذي فرضته الدول العربية المصدرة للنفط أعضاء (أوبك)، خلال حرب أكتوبر 1973، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الذهب الأسود بشكل حاد، وزيادة التضخم وركود الاقتصاد في البلدان الصناعية المستهلكة للنفط. وبهذا، فإن هذه الوكالة هي، إذا صح التعبير، هي بمثابة أوبك، ولكن بالعكس- أي منظمة من أجل تنسيق مواقف البلدان الأخيرة ضد القرارات التي تتخذها الدول المنتجة للنفط (أعضاء الأوبك). وهذا يعني، إن هذه الوكالة، هي منظمة سياسية أكثر من كونها اقتصادية- مع العلم إن السياسة في الدول المتطورة، هي وجه من أوجه الاقتصاد، والشكل المكثف له. فهذه الوكالة أسست من أجل الدفاع عن المصالح الاقتصادية للدول الصناعية المستهلكة للطاقة. ولوبي الطاقة، قد طرأت عليه العديد من التحولات، خصوصاً مع ظهور المدافعين عن المناخ، وتكون تجمع اقتصادي، يحاول أن يربح الملايين من الاستثمارات في بدائل النفط والحصول على أموال طائلة لا تقل عما تجنيه الشركات، أو الدول المنتجة للنفط. ولكن هذه قصة أخرى، ربما يأتي الوقت لمناقشتها. ولهذا، فليس مصادفة أن يقف وزير الطاقة، في أكبر دولة منتجة للنفط صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، ضد التقارير المسيسة التي تصدرها هذه الوكالة، وأن يشبهها بالأحلام التي لم تتحقق في فيلم «لالا لاند». وهذا يعكس من ضمن ما يعكس التناقض بين مصالح الدول المنتجة للنفط، والتي تبني قراراتها على أسس اقتصادية تدعمها تقارير ودراسات عن أوضاع السوق العالمية وحالة العرض والطلب على النفط فيها، وبين تقارير وكالة مسيسة، يقلقها أكثر ما يقلقها ارتفاع أسعار النفط، وزيادة التكاليف على البلدان الصناعية. ويأتي تصحيح هذه الوكالة مؤخراً لمواقفها ليؤكد مرة أخرى، إن هذه الوكالة سياسية، أكثر من كونها اقتصادية. فهي تطمح من خلال تقاريرها إلى التشكيك في القرارات التي تتخذها أوبك، في محاولة منها للتأثير عليها، وتأليب الدول الصناعية، وخاصة الولاياتالمتحدة للضغط على أوبك من أجل اتخاذ قرارات تناسب الدول المستهلكة وتضر الدول المنتجة. ولذلك لاحظنا إن تقاريرها خلال الفترة السابقة، كانت تنسجم مع أجندة الحزب الديمقراطي، فرجحت وصول الطلب على النفط إلى ذروته في هذا العقد، ودعت إلى وقف الاستثمارات الجديدة في مصادر الطاقة الأحفورية لتحقيق مصالح المدافعين عن المناخ واتفاقية باريس. ولكن مع مجيء ترمب، الذي لديه أجندة مختلفة، من ضمنها تشجيع زيادة الإنتاج الأمريكي من الوقود الأحفوري، غيرت الوكالة موقفها، بعد تهديد المشرعين الأمريكيين الجدد لها بوقف تمويلها، فصارت تصدر تقارير تتوقع فيها نمو الطلب على مصادر الطاقة الأحفورية حتى عام 2050، وتدعو إلى ضرورة استمرار الاستثمارات في النفط والغاز، من أجل الحفاظ على أمن الطاقة. الأمر الذي يؤكّد أن هذه الوكالة مسيسة ولا يعتمد على التقارير التي تصدرها.