يشكّل تمكين الريف بالمملكة العربية السعودية ركيزةً متقدّمة في منظومة رؤية 2030 لرفع جودة الحياة، وتنويع الاقتصاد، وتحقيق التوازن التنموي بين المناطق. وهذا التمكين يهدف إلى تحسين جودة الحياة وتنويع الاقتصاد وتحقيق التنمية المتوازنة بين المناطق. تعمل برامج منسقة في مجالات البيئة والمياه والزراعة والتنمية الاجتماعية والإسكان والسياحة والاتصالات والقطاع غير الربحي والتمويل التنموي لتحقيق ذلك. وتتمثل النتائج في تحويل القرى والهجر والمراكز إلى بيئات جاذبة للعيش والعمل، وتعزيز تماسك الأسرة، وتوسيع المشاركة الاقتصادية للشباب والنساء، وتوطين الأنشطة الإنتاجية الريفية. والأهداف الرئيسة لتمكين الريف تتمثل بالآتي: تحسين جودة الحياة، وجعل القرى والهجر والمراكز أكثر جاذبية للعيش والعمل، وتنويع الاقتصاد، وتوطين الأنشطة الإنتاجية الزراعية والريفية، وتحقيق التنمية المتوازنة وتقليل الفجوات التنموية بين المناطق المختلفة، وتعزيز التماسك الاجتماعي وتقوية الروابط الأسرية والمجتمعية، إضافة لتمكين الفئات المستهدفة وتوسيع المشاركة الاقتصادية للنساء والشباب. وهناك الكثير من الجهات والبرامج المساهمة مثل: منظومة البيئة والمياه والزراعة التي تدعم الأنشطة الزراعية والريفية، والتنمية الاجتماعية التي تعزز تماسك الأسرة ورفاهية المجتمع، والإسكان الذي يوفّر بيئات سكنية مناسبة، وتساهم السياحة تساهم في تطوير جاذبية المناطق الريفية. وتعمل الاتصالات على تحسين البنية التحتية الرقمية والاتصالية، كما أن القطاع غير الربحي والتمويل التنموي يوفران الدعم والتمويل اللازمين. "تمكين اقتصادي" ويسهم برنامج "ريف" في تحويل الأسر إلى وحدات إنتاجية، ويُعدّ برنامج التنمية الريفية الزراعية المستدامة (ريف) الذراع الأهم لتمكين صغار المزارعين والأسر المنتجة في القطاعات مثل: البن العربي، النحل ومنتجاته، الورد، الثروة الحيوانية، الفاكهة، المحاصيل المطرية، الأسماك، وغيرها. وحتى منتصف 2025 أعلن البرنامج وصول عدد المستفيدين إلى 87,235 مستفيدًا، مع دعم نحو 50 ألف أسرة اقتصادية وتحويلها إلى وحدات إنتاجية مستقلة، وإصدار أكثر من 95 ألف شهادة عمل حر، وتجاوز إجمالي الدعم منذ الإطلاق ملياري ريال؛ وهذه مؤشرات مباشرة على رفع الدخل الذاتي وتقليل الاحتماليات الاجتماعية للبطالة أو الهجرة من القرى. وأكدت زارة البيئة والمياه والزراعة بدورها تحقيق "ريف" نسب إنجاز متقدمة (63 % من مستهدفاته العامة في 2023)، إلى جانب مكاسب نوعية (منها حصد جوائز رقمية ومزرعة إرشادية نموذجية قياسية)، ما يعكس نضج التنفيذ واتساع أثره الميداني. والتمويل التنموي للريفيين والأُسر المنتجة من خلال بنك التنمية الاجتماعية فهو يضخ تمويلاتٍ متسارعة لروّاد العمل الحر والأسر المنتجة والمنشآت الصغيرة، بلغت في نصف 2025 الأول 4.3 مليارات ريال؛ منها 1.8 مليار ريال لممارسي العمل الحر والأسر المنتجة لأكثر من 18 ألف مستفيد، مع توسّعٍ مواكب في برامج الادخار (40 ألف حسابٍ ادخاري جديد حتى منتصف العام). وفي 2025 وحده: 1.7 مليار ريال تمويلًا، و8.5 آلاف مستفيد من تمويل العمل الحر والأسر المنتجة بقيمة 670 مليون ريال؛ وهذا ينعكس مباشرة على استدامة دخل الأسر في القرى والبلدات الصغيرة. ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تربط ذلك بمنظومة تمكين تنظيميّ للأسر المنتجة (قروض بلا فوائد عبر بنك التنمية، وتنظيمات عمل الأسر)، بما يجعل التحوّل من الإعالة إلى الإنتاج مسارًا مؤسسيًا. "توطين التقنيات" ويمول صندوق التنمية الزراعية سلاسل ذات أثر ريفي مباشر (الدواجن، البيوت المحمية، الاستزراع المائي) ويغطي حتى 70 % من قيمة قروض تقنيات الزراعة الحديثة لرفع كفاءة المياه والإنتاجية، وهذان العاملان حاسمان في بيئات الريف. كما يطلق برامج لمعالجة المشاريع المتعثرة وإعادة تشغيلها في مناطقها، ما يقلّص الفاقد في وظائف الريف ويحافظ على السلسلة المحلية للمدخلات والخدمات. وحول تمكين المرأة الريفية والشباب، فإن مكاسب "ريف" شملت تمكين المرأة في نشاطاتٍ كالنحالة وصناعات العسل والمنتجات المنزلية؛ وتثبت الدراسات الحديثة أن الإرشاد الزراعي والتعاوني يرفع معدلات تبنّي الممارسات المستدامة لدى النساء الريفيات، ويعزّز دخلهن ومكانتهن الاجتماعية. وتصف وزارة الموارد البشرية المجتمع السعودي بأنه «مجتمع شاب»؛ وشريحة ما دون 30 عامًا تمثّل أساس التحوّل، وهو ما يُفسِّر توسُّع برامج التمكين والتدريب المرتبطة بريادة الأعمال والعمل الحر في المناطق الطرفية. والأثر الاجتماعي أثمر عن مشاركة النساء والشباب في النشاط الاقتصادي المشروع داخل بيئاتهم، تُقلِّص البطالة والهجرة، وتزيد ارتباط الأسرة بمحيطها، وترفع منسوب رأس المال الاجتماعي (الثقة، التعاون، التطوع). وأعلن برنامج الإسكان بلوغ نسبة تملك الأسر السعودية 65.4 % بنهاية 2024 (متجاوزًا مستهدف 2025 البالغ 65 %)، مع استفادة أكثر من 122 ألف أسرة من الدعم السكني في 2024، وتمكين أكثر من 21 ألف أسرة من التملك عبر «الإسكان التنموي». هذا التحسّن يُعدّ أحد أقوى محرّكات الاستقرار الأسري في المحافظات والقرى. وتقارير "سكني" الدورية تُظهر استمرارية الضخّ في المعروض وتنوّع الخيارات بما يشمل معظم المناطق؛ ما يسهل على الأسر الريفية الاستقرار بالقرب من مصادر رزقها وشبكاتها الاجتماعية. وكل نقطة ارتفاعٍ في التملك تثبّت العائلة في محيطها القروي وتحدّ من انتقالاتٍ مُكلفة اجتماعيًا نحو المدن الكبرى. "خرائط تغطية" كما أن البنية الرقمية تعمل على تمكين التعليم والعمل والخدمات عن بُعد، حيث أكدت هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية (CST) وصول نسبة انتشار الإنترنت في المملكة إلى 99 % وفق «تقرير إنترنت السعودية 2024»، ما يعني عمليًا تضييق الفجوة الرقمية بين الحضر والريف وتمكين الخدمات الحكومية والتعليم الرقمي والتجارة الإلكترونية من الوصول إلى القرى البعيدة. كما تطوّر الهيئة «خرائط تغطية» تفاعلية لمتابعة الشبكات وتحسينها في المناطق كافة بما فيها الريفية، وهو عنصر بنيوي لدعم أعمال الأسر المنتجة والضيافة الريفية والتسويق الإلكتروني. والأثر الاجتماعي فإن الخدمة الرقمية عالية الانتشار تُخفّض تكاليف الوصول للخدمات العامة والمالية والصحية، وتوسع خيارات التعليم والعمل، وتساعد على بقاء الشباب في قراهم دون فقدان الفرص. وحول السياحة الريفية والضيافة المجتمعية، فإن نموُّ مرافق الضيافة المرخّصة في المملكة بلغ نسبة 78 % على أساسٍ سنوي بنهاية الربع الأول 2025 (4,988 مرفقًا)، مع نموٍّ ملحوظ في سجلات «النُّزُل السياحية» بنسبة 46 %؛ وهذه الطفرة تخلق وظائف محلية وتدعم تسويق المنتجات الريفية (بن، عسل، ورد، تمور). وقد سهلت وزارة السياحة ترخيص «النُّزُل» (ومنها التراخيص المؤقتة في مواسم ذروة)، ما يسّر المشاركة الاستثمارية للأهالي، ورفع الطاقة الاستيعابية في المدن الدينية والوجهات الجبلية والزراعية. والأثر الاجتماعي عوائد مباشرة للمجتمع المحلي (إيواء، إرشاد، حرف)، وتعزيز «الهوية المكانية» وارتباط الجيل الشاب بتراث قريته ومهاراتها. وحول السلاسل الريفية ذات الأولوية فيما يتعلق ب البنّ الخولاني السعودي في منطقة جازان، وعسير، والباحة، فإن مبادرات شركة البنّ السعودي تتسارع و«وزارة البيئة» تسعى لزيادة الغرس والإنتاج؛ مع أهدافٍ تصل إلى 5 - 10 ملايين شجرة بحلول 2030، وإنشاء مزرعةٍ نموذجية ومصنعٍ أوّل في جازان لدعم القيمة المضافة والتسويق. الأهداف تسندها برامج «ريف» وإرشاد زراعي وتقنيات ري مستدامة. ووفق بيانات 2023-2024 تُظهر تجاوز الإنتاج 800 طن سنويًا ووجود أكثر من 2,000 مزرعة وما يزيد على 380 ألف شجرة في الجبال الجنوبية، مع خطط توسّعٍ سريعة. "انعكاس اجتماعي" ويشمل الانعكاس الاجتماعي لتشجيع الزراعة الريفية تعزيز الاستقرار الاجتماعي من خلال توفير فرص عمل، وتمكين المرأة الريفية، وتحسين الأمن الغذائي، وزيادة دخل الأسر. وتسعى الجهات المختصة تسهيل أي تحديات اجتماعية قد تسببها تمكين المرأة الريفية من عملها مثل: انخفاض مستويات التعليم، وتغير أنماط العمل بسبب الهجرة، ومقاومة التغيير أحيانًا بسبب الارتباط بالتقاليد. ومن الجوانب الإيجابية تحقيق الاستقرار الاجتماعي لتساهم المشاريع الزراعية في تعزيز الاستقرار من خلال زيادة مشاركة المجتمعات المحلية وتحقيق عدالة في توزيع الموارد. وتمكين المرأة بما يسهم في تشجيع الزراعة في تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً، مما يساعد في تحقيق المساواة. وتحسين الدخل والأمن الغذائي، حيث تساهم الزراعة في زيادة دخل الأسر الريفية، وتعزيز الأمن الغذائي من خلال زيادة الإنتاج. وتعمل الجهات المختصة في تذليل التحديات الاجتماعية مثل: مستوى التعليم حتى لايؤثر انخفاض مستوى التعليم على قدرة المزارعين على تبني التقنيات الحديثة والأساليب الجديدة، وهو ما يعيق التطور. وتوطين الأسر لمنع هجرة الأيدي العاملة، حيث تؤدي هجرة الشباب من الريف إلى نقص في الأيدي العاملة، مما يزيد العبء على النساء وقد يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية. إضافة لمقاومة التغيير، فقد يعارض بعض المزارعين التغييرات التكنولوجية والأساليب الجديدة خوفًا من فقدان سبل عيشهم التقليدية أو بسبب ارتباطها بالعادات والتقاليد المحلية. وتساعد الجهات المختصة أيضا في حل مشاكل حيازة الأرض حيث عدم استقرار نظم حيازة الأرض وتفتيتها يمثل عائقًا أمام تشجيع الزراعة، خاصة بالنسبة للنساء في بعض المناطق. كما أن ندرة الموارد الطبيعية تمثل عبئا على النساء، مثل جمع الحطب وجلب المياه، مما يؤثر على إنتاجيتهم الزراعية. وفي دراسات أكاديمية لعام 2025 أكدت أنّ التدريب والإرشاد يرفعان تبنّي الممارسات المستدامة لدى النساء الريفيات ويعزّزان الدخل والاستقرار الأسري. "واقع متنامٍ" لم يعد الاستقرار الاجتماعي في الريف السعودي هدفًا بعيد المنال، بل أصبح واقعًا متناميًا يتعزّز كل يوم بفضل ما تشهده المناطق الريفية من تحولات تنموية شاملة، تستند إلى رؤية المملكة 2030 التي جعلت الإنسان محور التنمية وأساس استدامتها. ولقد أسهم تحسين جودة الحياة في القرى والمراكز الريفية من خلال تطوير البنية التحتية، وتوسيع نطاق الخدمات التعليمية والصحية والبلدية، في تعزيز شعور المواطنين بالاستقرار والرضا الاجتماعي. كما كان لبرامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي أثر بالغ في توفير فرص العمل وريادة الأعمال، لا سيما في قطاعات الزراعة المستدامة، والصناعات الريفية، والسياحة البيئية. وفي الوقت ذاته، عززت المبادرات الثقافية والتراثية من ارتباط السكان بهويتهم المحلية، وأسهمت في حماية الموروث الشعبي وتعزيز قيم الانتماء والتكافل. ومع استمرار التكامل بين المنظومات التنفيذية والشركاء المحليين - من جمعيات تنموية ومجالس بلدية وجهات قطاع خاص - تتضاعف فرص الأثر الإيجابي، ويُرسم مستقبل الريف السعودي كبيئة مستقرة، منتجة، ومزدهرة، تجمع بين الأصالة والتنمية المستدامة. وما تحقق في الأعوام الأخيرة يبرهن أن المملكة انتقلت في الريف من منطق «الدعم الاستهلاكي» إلى «التمكين الإنتاجي» المتصل بسلاسل قيمةٍ قابلة للنمو. تكاملُ ريف - التمويل التنموي - الإسكان - السياحة الريفية - الشمول الرقمي - القطاع غير الربحي يخلق بيئةً تسمح للأسر بأن تعيش بكرامة في قراها، وتُعلّم أبناءها، وتبني مدخراتها، وتستبقي هويتها وموروثها، وتُسهم في الأمن الغذائي الوطني. وبالنظر إلى مؤشرات 2024–2025 (انتشار إنترنت 99 %، طفرةُ ضيافةٍ ريفية، قفزات تمويلية للأسر المنتجة، ارتفاع التملّك السكني، ومليون متطوع)، يمكن القول بثقة إن «الاستقرار الاجتماعي في الريف السعودي» لم يعد هدفًا بعيدًا، بل واقعًا يتعزّز كل يوم، مع قابلية مضاعفة الأثر بمزيدٍ من التكامل بين المنظومات التنفيذية والشركاء المحليين.