في مساء يشبه مشاهد الأفلام العريقة، تزين قصر الثقافة بحي السفارات بالروح اليابانية، إذ احتفت سفارة اليابان في الرياض بمرور سبعين عامًا على العلاقات السعودية-اليابانية، عبر فعالية حملت معها الفن والتراث والحكايات القادمة من طوكيو إلى قلب العاصمة. لم يكن المهرجان مناسبة عابرة، بل لوحة حية تنقلت فيها العائلات بين العروض والغناء والضحكات، يتأملون جمال مدينة بعيدة أتى فنها ليجاور نبض الرياض. على المسرح، صدحت عروض الكابوكي التقليدية بإيقاع التاريخ، وتتابعت المشاهد المسرحية التي منحت الزوار لحظات تتأرجح بين الدهشة والفضول. وفي الأركان المجاورة، تجلى الإبداع في ورش الحِرف اليدوية التي نقلت تفاصيل الفن الياباني الهادئ، من طيات الزهور الورقية إلى خيوط الإكسسوارات الدقيقة. وفي ركن آخر، كان الكبار والصغار مستمتعين أمام لوحة تفاعلية للرسم، يرسمون الشمس بملامح مبتسمة وأبطالهم الخياليين وكأنهم خرجوا من شاشة أفلام الكرتون اليابانية التي رافقت طفولتهم. فاليابان بالنسبة لهم ليست جغرافيا بعيدة فقط، بل هي ذكريات صباحات "سلام دانك"، ومغامرات "دراغون بول" و"ون بيس"، ودموع الصغار مع "ماروكو"، وضحكات البيوت مع "كونان" و"المحققين الصغار". أعمالٌ كبرت معنا، وظلت جزءًا من الذاكرة الجماعية لأجيال في المملكة، وعلمتنا الشجاعة والصداقة والإصرار قبل أن نعرف أسماء مدن اليابان على الخريطة. من التفاصيل اللطيفة، اصطف الأطفال والشباب لتجربة ارتداء الزي الياباني التقليدي والتقاط صور تذكارية حملت ملامح "كوسبلاي" عفوية وحبًا بريئًا لثقافة ألهمت خيال العالم. ولأن الذائقة لا تكتمل من دون النكهة، فقد وفر المهرجان تجربة للطعام الياباني، حيث تذوق الزوار أطباقًا مثل السوشي، والرامن، والتمبورا، والحلويات اليابانية (واغاشي)، مع مشروب الماتشا الذي حمل هدوء الحدائق اليابانية وطقوس الشاي العريقة. وفي كلمة مؤثرة، أكد سفير اليابان لدى المملكة ياسوناري مورينو أن الاحتفاء يعكس مسيرة صداقة راسخة، مشيرًا إلى أن العلاقات السعودية-اليابانية تدخل مرحلة جديدة من الشراكات والطموحات، في ظل رؤية 2030 وما تحمله من انفتاح ثقافي وإبداعي واسع. ومع ختام الأمسية بقي الضوء مشتعلاً في العيون؛ فالأمر لم يكن مجرد فعالية، بل جسر من الذكريات والمستقبل، ودفء ثقافتين تلتقيان على مائدة واحدة، وعلى شاشة واحدة، وفي قلب مدينة تؤمن أن العالم يتسع لكل الجمال.