شهدت الرياض ضمن فعاليات منتدى "جوي فوروم 2025" سلسلة من الجلسات الحوارية التي جمعت أبرز قادة الصناعة الترفيهية والإعلامية والرياضية حول العالم، في حدث يُعد الأكبر من نوعه في المنطقة، حيث تناول المتحدثون تحولات المحتوى، ومستقبل المدن الترفيهية، وصعود بوليوود عالميًا، والتأثير المتنامي للتقنية والذكاء الاصطناعي على الصناعات الإبداعية. المنصات العالمية وصناعة الرياضة.. في جلسة حملت عنوان "Global Platforms in the New Age"، اجتمع أربعة من كبار التنفيذيين العالميين لمناقشة مستقبل الرياضة والترفيه: مايك سنيفدي الرئيس التنفيذي لشبكة NBC، وشاي سيغيف الرئيس التنفيذي لمجموعة DAZN، وغيب سبايتزر نائب رئيس Netflix، وفيل مارشال المدير التنفيذي لشبكة Sky Sports، وأدار الحوار الإعلامي البريطاني بيرس مورغان بحضور نخبة من صناع القرار والمختصين في مجال البث الرقمي. تناولت الجلسة التحول التنافسي بين المنصات الكبرى، وكيف أصبح الصراع على حقوق البث مجالًا للإبداع والابتكار في تحسين تجربة الجمهور. وأكد المتحدثون أن القيمة الحقيقية لم تعد في امتلاك الحقوق وحدها، بل في قدرة المنصات على بناء علاقة تفاعلية طويلة الأمد مع المشجعين. وتحدث فيل مارشال عن غياب مفهوم "الموسم المنتهي" لدى شبكته، موضحًا أن Sky Sports تواصل التغطية طوال العام عبر بطولات كرة القدم والغولف والفورمولا 1 والكريكيت، مع منظومة رقمية متكاملة تبقي المشاهد على اتصال دائم بالمحتوى. وأضاف أن نجاح أي منصة اليوم يُقاس بمدى قدرتها على "صناعة حديث الجمهور" داخل وخارج الشاشة. من جانبه، استعرض غيب سبايتزر تجربة Netflix في دمج الرياضة بالسرد القصصي، من خلال وثائقيات عالمية مثل Drive to Survive وThe Last Dance وBeckham، مؤكدًا أن الجمهور يبحث عن "الصدق والإنسانية"، وأن عرض الجوانب الحقيقية من حياة الرياضيين يجعل الجمهور أكثر ارتباطًا بهم. وأشار إلى أن هدف نتفليكس ليس فقط مخاطبة المشجعين الحاليين، بل تحويل المشاهد العابر إلى مشجع دائم. أما شاي سيغيف، الرئيس التنفيذي لمجموعة DAZN، فأكد أن الرياضة تمر بمرحلة تحول رقمي جذري تشبه ما حدث في الموسيقى والسينما مع سبوتيفاي ونتفليكس، موضحًا أن المستقبل يتجه نحو مركزية البث الرقمي بدلًا من تشتيت الحقوق بين القنوات. واستشهد بتجربة شركته في توقيع اتفاقية البث العالمي مع FIFA، التي أتاحت منصة موحدة للبث والإنتاج، إلى جانب شراكات مع موسم الرياض ودوري NFL الأمريكي. وتحدث مايك سنيفدي من NBC عن تلاقي الرياضة والترفيه كأهم مسار للصناعة الحديثة، معتبرًا أن المنصات التي تنقل المشجع من المشاهدة إلى المشاركة هي التي ستقود المستقبل، مشيرًا إلى أن البث التقليدي لا يزال يحتفظ بجماهيرية كبيرة، لكنه يحتاج إلى التكامل مع الوسائط الرقمية لتحقيق القيمة القصوى. وخلال الحوار، أشار بيرس مورغان إلى أن حسابات معالي المستشار تركي آل الشيخ على المنصات الاجتماعية تمثل نموذجًا عالميًا في التفاعل المباشر مع الأحداث، إذ تتيح للجمهور العالمي متابعة الأحداث لحظة بلحظة، واصفًا ذلك بأنه "ثورة في التواصل بين القيادة والجمهور". وردّ سيغيف بالإشادة بتجربة موسم الرياض، مؤكدًا أن منصة Fan Zone لدى DAZN تبني مجتمعات رقمية مشابهة تعزز الروابط بين المشجعين حول العالم. واختُتمت الجلسة بتأكيد المشاركين أن المملكة اليوم تمثل أحد أسرع الأسواق نموًا في العالم الرياضي والترفيهي، حيث أشار سنيفدي إلى الإمكانات الواعدة لرياضة الكريكيت في السعودية، مشددًا على أن البيئة الإعلامية السعودية باتت مهيأة لاستقبال تجارب عالمية رائدة في ظل رؤية طموحة جعلت من الرياض مركزًا عالميًا للترفيه والرياضة. من المصنع إلى الخيال: مستقبل المدن الترفيهية.. وفي جلسة أخرى بعنوان "من المصنع إلى الخيال: مستقبل المدن الترفيهية"، أدارها الإعلامي السعودي محمد إسلام، ناقش كلٌّ من عبدالله الداود العضو المنتدب لشركة القدية للاستثمار، وسكوت روس رئيس مجلس إدارة سي وورلد، وبراين ماكهمر رئيس سيكس فلاغز القدية، وألكسندر بوشيه المدير الإداري لشركة ماك ون، مستقبل التجارب الترفيهية في المملكة. أكد الداود أن القدية تمثل نقلة نوعية في مفهوم السياحة الترفيهية، إذ تتحول من وجهات قائمة على المعالم إلى تجارب قائمة على الإحساس والمشاركة، مبينًا أن المدينة صُممت لتكون خالية من الازدحام والمركبات، وتضم مناطق ترفيهية وفنادق ومسارات سباقات في بيئة آمنة ومتصلة. وأضاف أن القدية تسعى إلى تصدير التجارب السعودية إلى العالم، واستقطاب الملكيات الفكرية الدولية ضمن فلسفة Now We Play التي تجعل من اللعب أسلوب حياة يسهم في التنمية المجتمعية. وأشار إلى مشروع دراغون بول الذي سيُحوّل لأول مرة إلى تجربة واقعية غامرة داخل المدينة، إضافة إلى شراكات مع علامات عالمية مثل مرسيدس – AMG. وأشاد سكوت روس بجهود المملكة في تطوير صناعة الترفيه، مؤكدًا أن ما يجري في القدية يمثل "قفزة نوعية في تجارب الترفيه العالمية"، وأن وضوح الرؤية وجودة الشراكات عنصران يميزان المشاريع السعودية. بينما أوضح براين ماكهمر أن المنتزه الجاري إنشاؤه في جبال طويق سيكون المرحلة التشغيلية الأولى في القدية، مع تصميم يوازن بين ألعاب الإثارة وتجارب العائلات، مؤكدًا أن هدفهم هو جعل هذا الافتتاح معيارًا لبقية مشروعات المدينة. وتحدث ألكسندر بوشيه عن فلسفة الانتقال "من المصنع إلى الخيال"، موضحًا أن الترفيه الحديث أصبح مزيجًا بين الهندسة والسرد القصصي والابتكار التفاعلي، مؤكدًا أن القصة أصبحت القلب النابض لأي تجربة ناجحة. واختتم الداود الجلسة بالتأكيد على أن القدية تسعى لتكون المنصة العالمية الأولى لتكامل التجارب الترفيهية والثقافية والرياضية، بما يعيد تعريف مفهوم الترفيه الحديث ويجعل من المملكة وجهة رئيسية للإبداع الإنساني. بوليوود من الشرق إلى الغرب.. وفي جلسة بعنوان "East to West: The Global Rise of Bollywood"، جمعت النجوم شاروخ خان وسلمان خان وعامر خان لأول مرة منذ عشر سنوات، وأدارتها النجمة اللبنانية رزان جمال، ناقش المشاركون رحلة بوليوود نحو العالمية، وكيف تحولت إلى قوة ثقافية عابرة للحدود عبر المنصات الرقمية. أكد شاروخ خان أن سر النجاح لا يكمن في "العامل السحري" بل في العلاقة الصادقة بين الفنان والجمهور، مضيفًا: "الناس هم من يصنعون النجم، ونحن نحاول فقط أن نروي القصص بصدق". أما عامر خان فرأى أن النجاح مزيج من الموهبة والتوقيت والقدر، موضحًا أن السينما الهندية غنية بالقصص الإنسانية التي تمس وجدان الناس في كل مكان. واتفق النجوم الثلاثة على أن العاطفة والدراما والموسيقى تمثل هوية السينما الهندية وتفسر وصولها العالمي، إذ لا تقدم مشاهد للعرض فحسب، بل تجارب يعيشها الجمهور بكل حواسه. وفي ختام الجلسة، شكر شاروخ خان المملكة العربية السعودية على حفاوة الاستقبال قائلًا: "دعونا لا نسميها بوليوود بعد الآن، بل صناعة السينما الهندية التي تمثل تنوع الهند بأقاليمها وثقافاتها، ونحن ممتنون للمملكة على هذا اللقاء التاريخي." المهارة والموهبة والتقنية: محركات الإبداع الجديد.. كما شهد المنتدى جلسة بعنوان "المهارة.. الموهبة.. الثقافة.. والتقنية"، حيث جمعت نخبة من صناع الإبداع العالميين، ناقشوا فيها التحول الذي تشهده الصناعات الإبداعية مع تطور التكنولوجيا واندماج الثقافة بالابتكار. وتحدث تيم سيل عن رحلته في عالم القصص المصورة، مؤكدًا أن الإبداع يبدأ من الشغف والإصرار على تجاوز المألوف. وشارك ستيفان سوندرز تجربته في تأسيس شركته قبل 27 عامًا، مشيرًا إلى أن دمج التقنية بالمرونة الإنتاجية كان مفتاح النجاح في الانتقال من الأفلام التقليدية إلى الرقمية. أما الدكتور عصام بخاري، الرئيس التنفيذي لشركة مانجا للإنتاج، فأكد أن الترفيه ليس صناعة اقتصادية فحسب، بل أداة لتحسين جودة الحياة، مشيرًا إلى أن الترفيه يسهم في خفض معدلات القلق بنسبة 25% عالميًا، ومؤكدًا أن المملكة "لا تشارك في الترفيه بل تنافس لتفوز" عبر مشاريع مثل كأس العالم للرياضات الإلكترونية والقدية ودراغون بول. واختتم كيفن لوفن من شركة ARRI الألمانية بالقول إن الابتكار هو معيار البقاء، مشيرًا إلى أن دخولهم السوق السعودية يعكس ثقتهم في مستقبل الترفيه الإبداعي بالمملكة. واتفق المشاركون في نهاية الجلسة على أن التقاطع بين الموهبة والتقنية والثقافة أصبح المحرك الأساسي لعصر جديد من الصناعات الإبداعية، وأن الرياض اليوم تعد إحدى أهم الوجهات العالمية في هذا التحول. الذكاء الاصطناعي وحقوق الفنانين.. وفي جلسة بعنوان "Artists Rights & Royalties in the AI Era"، ناقش قادة الصناعة تأثير الذكاء الاصطناعي على حقوق الفنانين ومستقبل الإنتاج الموسيقي. شاركت في الجلسة ليليا بارسا رئيسة شركة Capitol Records، وألفونسو بيريز سوتو نائب الرئيس التنفيذي لشركة Warner Music Group، وسالم الهندي الرئيس التنفيذي لشركة روتانا، وأدار الحوار الإعلامي السعودي محمد إسلام. أكدت بارسا أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يُستخدم كأداة داعمة للإبداع لا بديلاً عنه، وأن دور الشركات اليوم حماية أصوات الفنانين وصورهم من التلاعب. وأوضح ألفونسو سوتو أن التقنية وصلت لمرحلة يمكنها فيها تأليف موسيقى متكاملة بالأوامر النصية، ما يستدعي أطرًا قانونية جديدة، كاشفًا عن تجربة عملية أُجريت خلال المنتدى لإنشاء أغنية بالذكاء الاصطناعي. أما سالم الهندي فأكد أن التطور التقني عزّز الإنتاج الموسيقي العربي، لكنه فرض الحاجة إلى تشريعات أكثر صرامة لحماية الملكية الفكرية، مبينًا أن نجاح الصناعة يتطلب توازنًا بين التقنية والقيمة الإبداعية. وفي ختام المنتدى، وجّه الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للترفيه المهندس فيصل بافرط رسالة أكد فيها أن اللقاء سيتجدد العام المقبل مع قصص أكبر تُجسّد التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، معربًا عن شكره وتقديره لجميع الحضور والمشاركين في نجاح هذا الحدث