أصبحت العناوين في السنوات الأخيرة جزءًا من لعبة التسويق أكثر من كونها مدخلًا إلى الأدب فالعنوان هو الأهم. تتصدر بعض الروايات رفوف المعارض وغلافاتها وبكثرة تتنافس بالإثارة والغموض وتدفعك للبحث والسؤال. ما زالت بعض العناوين بذاكرتي، عناوين تَعِد بالدهشة، وتغريك بالقراءة، لكنها كثيرًا ما تتركك في منتصف الطريق أمام محتوى عادي لا يشبه وعوده الأولى. تحوّل العنوان من "بوابة النص" إلى "أداة جذب"، ومن فكرة تعبّر عن جوهر العمل إلى وسيلة لاصطياد القارئ. والمفارقة أن بعض الكتّاب يبدؤون من العنوان لا من الفكرة، وكأنهم يصممون ملصقًا إعلانيًا لا عملًا أدبيًا. في الأدب الحقيقي، العنوان لا يُراد به الصخب، بل الدلالة على المضمون ، وما يريد الكاتب الحديث عنه. هو انعكاس لروح النص، وامتداد لرسالته، وجسرٌ بين الكاتب والقارئ. لكن في زمن الازدحام والسرعة، صار العنوان القصير الصادم أسرع طريق إلى الانتشار، حتى وإن كان خاليًا من العمق. الروايات الفنتازية والبوليسية على وجه الخصوص وقعت في فخ "الاسم قبل المضمون". فكثير منها تراهن على المفاجأة، لا على الحكاية، وعلى الإثارة، لا على الفكرة. فتجد القارئ منجذبًا إلى الغلاف، لكنه ما إن يعبر الصفحات الأولى حتى يكتشف أن العنوان كان كل الحكاية. ليس العيب في العنوان الجاذب، بل في أن يفقد النص صدقه ليواكبه. فالكاتب الحقيقي لا يبحث عن قارئ عابر، بل عن قارئ يبقى معه بعد أن يُغلق الكتاب. ولعلنا بحاجة إلى أن نعيد للأدب توازنه: أن نكتب بعقل الفن لا بعقل السوق، وأن نجعل العنوان وعدًا يُصَدَّق، لا صدىً يُنسى. سامي بن أحمد الجاسم