شاركت منشورات رامينا البريطانية لأول مرة في الدورة الحالية من معرض الرياض الدولي للكتاب، وشهد جناحها إقبالاً لافتاً من القرّاء السعوديين على الكتب الإنجليزية والعربية التي تصدرها الدار. خلال حوار مع المدير العام لمنشورات رامينا في لندن، الكاتب والروائي هيثم حسين، أوضح أن الدار انطلقت قبل حوالي ثلاث سنوات، غير أنَّ مسيرتنا المهنية أنا وأخي الكاتب والمترجم عبدالله ميزر تعود إلى خبرة تزيد عن خمسة وعشرين عاماً في عالم الكتاب والصحافة والنشر والترجمة. واليوم يتولى أخي عبدالله ميزر منصب المدير التنفيذي للدار ويشرف بشكل مباشر على القسم الإنجليزي. وأضاف حسين أن فكرة تأسيس منشورات رامينا جاءت تتويجاً لرغبة عميقة في أن يكون لنا فضاء مستقل نعبّر فيه بحرية، ونقدّم من خلاله الأدب بلغات متعددة، بدأت بالإنجليزية ثم العربية والكردية، وأضفنا حديثاً اللغة السريانية. وما يميز "رامينا" هو التزامها العميق بربط الثقافات المختلفة. فنحن نؤمن بأن الأدب هو أفضل وسيلة للتواصل بين الشعوب، لأنه يتجاوز الحدود اللغوية والسياسية والجغرافية، ويتيح للقراء أن يروا العالم بعيون الآخر. وقد لاحظنا نقصاً في المكتبة البريطانية والإنجليزية عموماً في ما يتعلق بثقافة الشرق الأوسط، لذلك اتجهنا في أعمالنا الإنجليزية إلى نقل آداب الشرق الأوسط إلى اللغة الإنجليزية. ونجحنا في نشر العديد من الأعمال لمؤلفين بريطانيين وأمريكيين ينحدرون من الشرق الأوسط، كما عملنا على ترجمة مشاريع أدبية سعودية ضمن مبادرة "ترجم" التي أطلقتها هيئة الأدب والنشر والترجمة بالتنسيق مع عدد من الوكالات السعودية. وأشار إلى أن الأعمال المترجمة إلى الإنجليزية التي صدرت حديثاً وعُرضت في معرض الرياض الدولي للكتاب تشمل: "خمسون قصة من السعودية" للمؤلف خالد أحمد اليوسف، رواية "ابنة ليليت" للكاتب أحمد السماري، "الرسائل المفقودة للسيد آدم حلزون" للمؤلف محمد المطرفي، رواية "أحجية العزلة" للمؤلفة أثير عبدالله النشمي، رواية "مملكتان وجمهورية" للكاتب نايف فاروق بحري، وعدداً من الدواوين الشعرية للشاعرة هدى المبارك، وسلطان الضيط، وفاطمة القرني. ومن بين الكتب المهمة التي أصدرتها "رامينا" أيضاً في السنة الماضية: "ملحمة المجد الخالدة" للّواء الركن المتقاعد خالد المرعيد باللغة الإنجليزية، والأسلاف للكاتبة النيوزيلندية كيري هولم الحائزة على جائزة مان بوكر، والتي تتعمق في التراث الماوري، وضمير الكلام للكاتب إلياس كانيتي الحائز على جائزة نوبل للآداب. وتمثل هذه الكتب جزءاً من توجهنا نحو تقديم أعمال أدبية وفكرية رفيعة المستوى، تسهم في تعزيز الحوار بين الثقافات والاحتفاء بالتجارب الإنسانية المتنوعة. وأكد حسين أن الترجمة في "رامينا" تمر بمراحل دقيقة للحفاظ على روح النص الأصلي، حيث نقدّم مقدمات توضح سياق الأعمال، وهوامش تفسيرية لبعض المصطلحات الثقافية والإسلامية والعربية، ليصبح النص أكثر قرباً من القارئ الغربي. وتشمل عملية الترجمة مراجعتين متخصصتين: الأولى للتأكد من دقة السياق والمعنى، والثانية لضمان انسجام النص مع الأسلوب السردي والكتابي الحديث في الإنجليزية. ويعمل لدينا مترجمون محترفون، لهم باع طويل في الترجمة، ومحررون بريطانيون وأمريكيون يتمتعون بخبرة واسعة في صناعة النشر والكتابة. وأضاف أن اهتمامنا لا يقتصر على الترجمة فحسب، بل يشمل الترويج للأعمال عبر معارض محلية في بريطانيا، إلى جانب خطة للوصول إلى نحو 25 مدينة أوروبية خلال عام 2026، بهدف ضمان حضور قوي للأعمال المترجمة والمقدمة بالإنجليزية، وكذلك إيصال الكتب العربية والكردية والسريانية إلى الجاليات المهاجرة في الغرب. كما نحرص على أن نودع كتبنا في الأوساط الأكاديمية عبر التعاون مع الجامعات المهتمة بدراسات الشرق الأوسط، وتأسيس شراكات للنشر والنقاش الأكاديمي. ومن المهم الإشارة إلى أن كتبنا متاحة في المكتبات العامة البريطانية ومكتبة الكونغرس الأمريكي، ونسعى باستمرار لتوسيع شبكة التوزيع عالمياً. وتابع حسين قائلاً إننا في "رامينا" نسعى لأن نكون منصة للأصوات المهمشة أو المغيبة، ونعمل على دعم الكتابات التي تنقل التجارب الإنسانية المتنوعة، بما يسهم في التعبير عن المعاناة والآمال ويفتح مساحة للحوار حول القيم الإنسانية المشتركة، ونبذ التطرف وتعزيز التعددية الثقافية. فنحن نرى أن الأدب يمكن أن يكون جسراً حقيقياً للتواصل والتفاهم بين الشعوب، لذا نحرص على تنوع منشوراتنا في المواضيع واللغات والخبرات التي تقدمها. وفي إطار سعي "رامينا" للحفاظ على مستوى عالٍ من الجودة، أنشأنا لجنة متخصصة للقراءة والتحكيم تضم نخبة من الأدباء والنقاد والمترجمين، تتولى مراجعة الأعمال المقدمة للنشر وضمان قيمتها الأدبية والفكرية. نحن نتجنب العمل الفردي ونحرص على أن تكون قراراتنا مؤسساتية تعكس تنوع الآراء وتعدد الرؤى. كما أشار حسين إلى أن إحدى أولويات "رامينا" هي دعم الجيل الجديد من المترجمين والأدباء عبر توفير فرص للنشر والتعاون، لتمكينهم من تقديم أصواتهم وأفكارهم. فنحن نؤمن بأن هذا الجيل هو الذي سيحمل راية الأدب والترجمة في المستقبل، ودورنا يتمثل في تهيئة المنصة التي يحتاجون إليها لتحقيق طموحاتهم. ورغم حداثة تأسيس الدار، أوضح حسين أننا نفخر بنشر أكثر من 100 عنوان مميز حتى الآن، ونعمل على بناء مكتبة غنية ومتنوعة تتناول قضايا المرأة، واللاجئين، والمهمشين، والهوية، إلى جانب نشر الكتابات النقدية والإبداعية التي تغذي النقاش الثقافي. كما نحرص على اختيار الأعمال التي تتوافق مع رؤيتنا. ولفت إلى أننا أطلقنا مؤخراً سلسلة متخصصة بالفنون البصرية، هدفها تسليط الضوء على الفن وأبعاده المختلفة عبر تقديم أعمال تجمع بين الإبداع الفني والتحليل النقدي، ما يمنح القارئ فرصة فريدة لفهم العمل الفني في سياقه الثقافي. وكذلك أطقلنا دعوة مفتوحة لنشر كتب في الأدب الرياضي لجميع المستويات باللغة الإنجليزية والعربية. وأضاف حسين أن الرواية السعودية الوحيدة التي نشرناها بالعربية مع ترجمتها إلى الإنجليزية هي "ابنة ليليت" للكاتب القدير أحمد السماري وقد حظيت بإقبال كبير من القراء، حتى إنها كانت الأكثر مبيعاً في جناح "رامينا" خلال الأيام الأولى للمعرض. وأعرب عن سعادته أيضاً بإطلاق كتابه الذي يجسّد جانباً من سيرة مؤلمة عاشها بعنوان "هكذا عشت الجحيم" في معرض الرياض، الذي وصفه بأنه واحد من أبرز وأكبر المعارض العربية. وأكد حرص الدار على المشاركة السنوية فيه للتواصل المباشر مع القراء السعوديين. وفي ختام حديثه، وجّه هيثم حسين الشكر للقائمين على المعرض على حسن التنظيم والدعم المتكامل، مثمّناً الجهود الكبيرة التي تبذلها هيئة الأدب والنشر والترجمة، ومؤكداً تطلع "رامينا" إلى توسيع التعاون معها في ترجمة المزيد من الأعمال السعودية إلى الإنجليزية ولغات أخرى. وأكد قائلاً: "تولي منشورات رامينا اهتماماً خاصاً بالمملكة العربية السعودية، بوصفها إحدى أبرز الساحات الثقافية العربية الصاعدة على مستوى العالم. فقد شكّلت مشاركتنا الأولى في معرض الرياض الدولي للكتاب فرصة ثمينة للتعرّف عن قرب إلى شغف القرّاء السعوديين بالإبداع الأدبي والكتب المترجمة، ورغبتهم في الاطلاع على أصوات وتجارب متنوعة. ومن هذا المنطلق، نسعى إلى بناء حضور راسخ في السوق السعودي من خلال التعاون مع الهيئات الثقافية الرسمية مثل هيئة الأدب والنشر والترجمة، والعمل مع وكالات أدبية سعودية رائدة، ودعم المؤلفين السعوديين في الوصول إلى القراء الدوليين عبر الترجمة والنشر في الأسواق العالمية. كما نرى في المشهد الثقافي السعودي الحالي نموذجاً ملهماً للتجديد والانفتاح، ونحرص على أن تكون "رامينا" جسراً يربط هذا الحراك الإبداعي بالمنصات العالمية". كما أشار حسين إلى أن "رامينا" تعمل حالياً على تطوير مبادرات جديدة في مجال النشر الرقمي، تشمل إنشاء منصات إلكترونية تفاعلية تتيح للقراء حول العالم الوصول إلى الكتب بصيغ متعددة، إضافة إلى توسيع حضورها في مجال الكتب الصوتية لتعزيز تجربة القراءة لدى شرائح أوسع من الجمهور، خصوصاً الأجيال الشابة والمغتربين الباحثين عن محتوى يعبر عن ثقافاتهم بلغات مختلفة. وأكد أن الدار تدرس إطلاق جوائز أدبية وترجمية سنوية تشجع على الابتكار وتكافئ المواهب الجديدة في الكتابة والترجمة من وإلى العربية والكردية والإنجليزية، بما يسهم في بناء شبكة عالمية من المبدعين والمترجمين، ويعزز الحوار الثقافي العابر للحدود.