الهلال، النادي الذي فرض اسمه كواحد من أكبر وأقوى الأندية على مستوى القارة الآسيوية بل وحتى على المستوى العالمي، يمتلك هوية راسخة تقوم على الاستحواذ والضغط العالي والهجوم الكاسح، هذه الهوية لم تُصنع بين ليلة وضحاها، بل هي نتاج تراكمات وتجارب ونجاحات جعلت الفريق يفرض سطوته في أغلب المواسم الماضية. لكن السؤال المطروح اليوم: هل يمكن لهذه الهوية أن تتعايش مع فلسفة مدرب قادم من المدرسة الإيطالية الصلبة مثل سيموني إنزاغي؟ يعتمد الهلال بشكل أساسي على أسلوب هجومي صرف، يخلق من خلاله كثافة عددية في مناطق الخصم، ويمتلك قدرة عالية على تدوير الكرة وصناعة الفرص، لكن، وعلى الرغم من هذا الأسلوب، يعاني الفريق من ضعف ملحوظ في بعض المراكز، وعلى رأسها مركز رأس الحربة الذي لم يجد فيه الهلال ضالته منذ رحيل المهاجم الصربي "الكسندر ميتروفيتش"، بالإضافة إلى قلة الخيارات في دكة البدلاء، سواء في الخط الأمامي أو حتى في الدفاع والوسط والأظهرة. هذه الثغرات تجعل الفريق مكشوفًا في حال حدوث إصابات أو هبوط مستوى بعض اللاعبين، وهو ما يفرض على المدرب مرونة أكبر في التعامل مع المباريات. إنزاغي يعتبر أحد المدربين البارزين في أوروبا، عرف بصرامته وذكائه التكتيكي واعتماده على فلسفة المدرسة الإيطالية الكلاسيكية (الانضباط الدفاعي، الصلابة في الخطوط الخلفية، والرهان على التحولات السريعة نحو مرمى الخصم). هذه الفلسفة بطبيعتها تتعارض مع هوية الهلال الهجومية، فهي تتطلب لاعبين يمتازون بالسرعة والصلابة الدفاعية قبل كل شيء، إضافةً إلى قوة بدنية عالية وقدرة على تطبيق الضغط العكسي بدقة. لكن الهلال، بالتركيبة الحالية، أقرب لأن يكون فريقًا هجوميًا لا يمكن كبح جماحه بسهولة، فالعناصر الموجودة تعوّدت على الاستحواذ وصناعة اللعب، لا على الانكماش والانتظار. وهنا تظهر معضلة إنزاغي الكبرى: كيف يطبق أسلوبه الخاص بلاعبين لا يتناسبون معه؟ قدوم إنزاغي للهلال لم يكن بالأمر السهل، فهو مدرب له مكانة وتاريخ، والتعاقد معه تطلب مجهودًا إداريًا وماليًا ضخمًا، لكن في المقابل، أي حديث عن إقالته سيكون أكثر صعوبة، سواء من ناحية السمعة أو من ناحية العبء المالي الذي قد يثقل كاهل الخزينة الهلالية التي تعاني أصلًا من التزامات ضخمة، لذلك، لا يمكن التعامل مع مسألة استمرار إنزاغي بخفة، بل يجب أن تكون وفق رؤية واقعية تستند إلى المصلحة الفنية والإدارية للنادي. لذا فإن تغيير أسلوب فريق اعتاد على الهجوم إلى فريق يعتمد على الدفاع والتحولات السريعة، ليس مهمة آنية، بل مشروع طويل يحتاج إلى وقت، وصبر، وتغييرات مدروسة في العناصر، كما يتطلب الأمر التعاقد مع أسماء نوعية في الميركاتو الشتوي، لاعبين قادرين على صناعة الفارق سواء في التشكيلة الأساسية أو كخيارات بديلة جاهزة للدخول في أي وقت، بدون ذلك، سيبقى إنزاغي مقيدًا بالإمكانيات الحالية التي قد لا تسمح له بفرض فلسفته بالكامل. رغم ذلك، لا يُعفى إنزاغي من الأخطاء التي ارتكبها في المباريات الأخيرة، وأبرزها المواجهة أمام الأهلي، حيث كان من المتوقع أن يتعامل بمرونة أكبر مع طبيعة العناصر الموجودة، بدلاً من فرض أسلوب لا يتناسب معهم. في مثل هذه الحالات، كان عليه أن يحافظ على هوية الفريق الهجومية المعروفة، على الأقل حتى فترة الانتقالات الشتوية، حينها يمكنه المطالبة بالعناصر التي تساعده على تطبيق فكره التكتيكي. من لقاء الهلال والأهلي - عدسة المركز الإعلامي بالهلال وليد بامرحول