دخل الهلال تحت قيادة مدربه الإيطالي فيليبو إنزاغي مواجهة الأهلي وسط ترقب جماهيري وإعلامي؛ لمعرفة كيف سيُدير المدرب الإيطالي واحدة من أصعب المباريات هذا الموسم. منذ انطلاقة اللقاء، ظهرت بصمات إنزاغي واضحة على أداء الهلال، حيث قدّم الفريق واحداً من أكثر عروضه انضباطاً وجمالاً من الناحية التكتيكية، الأمر الذي منحه التفوق حتى الدقيقة الثمانين، قبل أن ينقلب المشهد في اللحظات الأخيرة؛ نتيجة المبالغة في التراجع وإخراج العناصر المؤثرة. منذ صافرة البداية، نجح إنزاغي في فرض أسلوب لعبه القائم على التنظيم الدفاعي المتوازن والتحولات السريعة، وهو ما انعكس على صورة الهلال داخل الملعب، فقد بدا الفريق متماسك الخطوط، يعرف كل لاعب موقعه ودوره بدقة؛ ما أعطى انطباعاً جمالياً عن كرة القدم المنظمة التي قلّما يراها المتابع في المباريات الكبيرة التي تطغى عليها العشوائية أحياناً. هذا الانضباط لم يكن سلبياً، بل صاحبه جرأة هجومية محسوبة، مكّنت الهلال من السيطرة على إيقاع اللعب، وإرباك الأهلي الذي وجد صعوبة في فرض أسلوبه المعتاد. الجمالية التي صنعها إنزاغي لم تكن في الأهداف فقط، بل في تفاصيل الأداء، التمركز الصحيح، الانتشار الذكي، التفاهم بين خطوط الفريق، وسرعة الارتداد عند فقدان الكرة، بدا الهلال فريقاً أوروبياً في التزامه التكتيكي، يترجم فكر مدربه العريق الذي عاش أجواء البطولات الكبرى كلاعب وكمدرب، وحتى الدقيقة السبعين تقريباً، كان الهلال الطرف الأفضل والأكثر قدرة على صناعة الفارق؛ بفضل إشراك المفاتيح الأساسية التي منحت الفريق الحيوية والعمق في الملعب. لكن نقطة التحول بدأت عند الدقيقة السبعين، حين اتخذ إنزاغي قراراً بدا في حينه احترازياً أكثر من اللازم، فقد بدأ في سحب أوراقه الهجومية الفاعلة، وأعاد الفريق إلى مناطقه الخلفية بشكل مبالغ فيه، وكأنه اكتفى بما تحقق حتى تلك اللحظة. هذا التراجع المبكر منح الأهلي المساحات والجرأة للتقدم، خصوصاً مع امتلاكه عناصر قادرة على استغلال أي فراغ أو هفوة. ومع مرور الوقت، تحولت السيطرة تدريجياً لصالح الأهلي، وبدأت ملامح الضغط تظهر بوضوح، التراجع غير المبرر، إلى جانب إخراج العناصر التي تمثل المفاتيح الأهم في بناء الهجمات وصناعة الفرص، جعل الهلال يخسر ميزته الأساسية التي فرضها طوال الشوط الأول وبداية الثاني، ومع اقتراب المباراة من دقائقها الأخيرة، دانت السيطرة الكاملة للأهلي الذي نجح في استثمار اندفاعه وضغطه المستمر؛ حتى تمكن من إدراك التعادل، محولاً مجريات اللقاء لصالحه معنوياً على الأقل، ما بين الجمالية والانضباط في معظم فترات المباراة، والمبالغة في التحفظ خلال نهايتها، قدم إنزاغي درساً مزدوجاً، الأول أن الانضباط التكتيكي والمرونة في التحركات تمنح أي فريق التفوق حتى أمام خصم بحجم الأهلي، والثاني أن كرة القدم لا تعترف بالمبالغة في الحذر، فالتراجع دون مبرر وفقدان العناصر الفاعلة يفتح المجال أمام المنافس للعودة. في النهاية، يمكن القول: إن إنزاغي وضع الهلال على الطريق الصحيح من ناحية الانضباط التكتيكي والجمالية في الأداء، لكنه بحاجة إلى معالجة مسألة إدارة الدقائق الحاسمة، خصوصاً في المباريات الكبرى. فالتوازن بين التحفظ والجرأة هو ما يصنع الفارق بين مدرب يكتفي بالتعادل، ومدرب يعرف كيف يحافظ على انتصاره حتى آخر لحظة.