الضحك ضرورة حتمية في حياتنا، لما يحفه من صحة نفسية، ولكن الفلاسفة اختلفوا في آلية الضحك وخاصة في الدراما وكيف يكون استدراره بين الجماهير، وقد يعجز المخرجون في هذا الصدد، ما يجعلهم يزرعون ممثلين بين الجمهور يطلقون الضحكات باعتبار أن الضحك بطبيعته أمر معدٍ.. إن للضحك ضرورة حتمية في حياتنا، لما يحفه من صحة نفسية، ولكن الفلاسفة قد اختلفوا في آلية الضحك وخاصة في الدراما وكيف يكون استدراره بين الجماهير، وقد يعجز المخرجون في هذا الصدد ما يجعلهم يزرعون ممثلين بين الجمهور يطلقون الضحكات باعتبار أن الضحك بطبيعته أمر معدٍ! لنقل إن الضحك بالنسبة لسبنسر هو انفعال أهدر، هو استجابة وجدانية قصيرة النفس تلغي نفسها بنفسها (أو تنطفئ من تلقاء نفسها) فيقول: "يجب أن نسجل أن الأمر لا يتعلق هنا لا بنوع الانفعال ولا بقوته، بل يتعلق بكمه فحسب. فالضحك لا يتعلق بتحول من انفعال إلى آخر، بل بمجرد الانتقال من الأكثر إلى الأقل. إن الضحك ناتج عن ضياع كثافة المعاناة الانفعالية. والطاقة العصبية بتحولها إلى ظاهرة عضلية تفقد طابعها الانفعالي حتى لا يبقى منها إلا وجدان في درجة الصفر يمكن أن ندعوه لا مبالاة أو إذا شئنا "لا انشراحا". وهنا يختلف مع نظرية التردي لجان كوهين، حيث يرتفع من وجهة النظر التقنية إلى وجهة نظر فلسفية تجاه العالم: حيث يقول: "وهكذا فإن الضحك، بمظاهره الثلاثة، يبدو وكأنه الملازم العضوي لظاهرة نفسية موصوفة -سلبا- بكونها إحلالا لغير المحسوس به (غير المجرب أو المعاني) محل المحسوس به. وهذا يلتحق بالصيغة الكانطية -اختزال إلى لا شيء- لننقل هذه الخلاصة إلى مستوى ظاهراتي، أي باعتبارها وصفا لعالم "موضَّع" (ملموس). وهو العالم المناسب لأي جمالية. فحينئذ سيظهر بجلاء التعارض الكلي بين "الإحساس الهزلي والإحساس الشعري". فيفرق بين الهزلي والشعري حيث أن الهزلي يعود إلى وطائف فسيولوجية أما الشعري فيعود إلى وجهة نظر فلسفية بين المحسوس والملموس. وللضحك آلية وتقنية منذ أرسطو حتى العصر الحديث ومنها التناقض "تناقض الشخصية مع فعلها أو تناقض في الشكل أو تناقض الموقف أو سوء الفهم أو تداخل السلال.. الخ، ونظرية التردي عند كوهين لم تبتعد كيراً عن سابقيها فيقول: "نظرية التردي تنحدر من أرسطو: يكمن الهزلي في عيب أو قبح. إن نظرية التردي، كما نجدها عند هوبس أو بين أو بودلير أو لالو أو بانيول، لم تضف إلى هذا التصور السكوني غير سمة ديناميكية. الهزلي لا يعني ضد القيمة، بل هو عبور مفاجئ من القيمة إلى ضد القيمة، هو تحويل الخير إلى شر، والجمال إلى قبح والصدق إلى كذب".. إن فرصة الضحك، كما يقول بين، هي تردي شخص أو فائدة ذات اعتبار". مثال ذلك: شخير في محكمة يحط من التبجيل "اللازم لها". يضاف إلى ذلك سمة نفسية تتجلى في الشعور بالنصر أو العظمة، الشعور الذي يشهد لمعاناته ذلك التحول المفسر، وحده، لمظهر الانشراح في الضحك الذي يرافقه الضحك، كما يقول بانيول، هو نشيد النصر. الأمثلة التي تبدو صالحة لتوضيح هذه النظرية تربو عن العد: كبوة أحد المارة مثلا، أو نشاز صوت المغني، أو فأر يدخل خلف شخصية مرموقة، ومع ذلك فبرغم طول عمر هذه النظرية فإنها لا تصمد للاختبار بالمثال المضاد، إذ كثيرا ما عيب على منظري الهزل اعتمادهم على أمثلة غير مناسبة. لنأخذ مثالا نمطيا: المشهد الثاني من فيلم مهاجر حيث نجد الطابع الهزلي مضمونا بشخصية الممثل شبلان، من جهة، وشهادة مختص يرى أن هذا المشهد لا يفتأ يثير ضحك الجمهور، من جهة ثانية. على متن سفينة يرى شارلو من وجهة ظهره وقد لفته عاصفة، وهو منحن على المتراس، يهتز بشكل تشنجي. يبدو وكأنه فريسة دوار بحري رهيب، غير أنه عندما يلتفت نراه يضحك مطبقا يده على خيط (سنارة) حيث تتدلى سمكة جميلة. فأين التردي هنا؟ إن الحركة المغايرة (للتردي) هي التي يمكن ملاحظتها في الواقع. فالتحول لا يسير من الإيجاب إلى السلب بل يسير، على العكس من ذلك، من السلب إلى الإيجاب، من المؤلم إلى المرغوب فيه. ومن ذا أحس يوما بعظمة إزاء صياد سعيد؟ وبوسعنا أن نورد أمثلة مضادة أخرى. وعلى كل فإن نظرية التردي تواجه صعوبات، وهذا مؤشر يومئُ إلى نواة من حقيقة يجب إبرازها". وهو هنا يقترب من نظرية الانعكاس في الإضحاك عند "برجسون" حيث يصدر فعل معاكس لما تتعرض له الشخصية، حيث جعل برجسون الفعل المضاد للفعل الذي تتعرض له الشخصية هو مصدر الإضحاك، وينتقل كل من برجسون وكوهين من المحسوس إلى الملموس حيث يكون ظاهرة قدرة، إنها وجهة نظر فلسفية "الإنسان والعالم" وهي سمة من سمات العبث، وعن ذلك يقول: "يمكن أن نرتب المحاكاة الساخرة بمعناها الواسع ضمن مواد هذا الصنف سواء عن تناول محتوى "شريف" أو "رفيع"، في صورة "سوقي" أو "وضيع" كما في le vergile travesti ل Scarron، أو عن عكس ذلك مثل: la parodie gid g ل Brua فهناك وحدتان عاطفيتان متعارضتان داخل وحدة نصي". وبذلك نجد أن كوهين قد ركز على اللفظ والفعل كونهما أسلوبين من أساليب التعبير وهو ما تتميز به الأسلوبية. إنه الانطلاق من محيط النص إلى داخله في جدلية بين الشكل والمضمون حيث فيقول: "الشاعر خالق الكلمات. والشعر فن. والفن شكل وليس شيئاً آخر غير الشكل. وعند تحليل ذلك حسب الفهرسة الكلاسيكية للصور البلاغية مثل الاستعارة والمجاز والكناية والتشبيه، يتبين أن هذه ليست زخارف أو تطريزات، بل هي تكوّن جوهر الفن الشعري نفسه". إنها تهدف إلى إمكانية توظيف التداولية منهجا للتحليل النقدي للنص الأدبي بين الشكل والمضمون مقتربة من المنهج اللساني إن لم تكن متداخلة معه تداخلا واضحا حيث تأخذ المنهج اللساني مرجعيتها المعرفية في التحليل الإجرائي للنص، كما أن الأسلوبية تأخذ من التأويلية للكشف عن الإمكانات التداولية وعن مدى فاعليتها في الإضاءة على جوانب النص أو العرض المسرحي. تهدف هذه الدراسة الى بحث إمكانية توظيف التداولية منهجا وقد اعتمد هنا هؤلاء النقاد على الاقتراب من المتلقي وتفعيل سلطة النص على المتلقي "القارئ" أو مشاهد العرض المسرحي، إنه مبدأ الأنس والتفاعل مع النص أو العرض بما يحقق له نوعا من المشاركة الوجدانية لأن الضحك هو صناعة عقلية لا وجدانية أي أنه (ملموس غير محسوس) بمعنى إعمال العقل، وهو ما يختلف مع مبدأ الاندماج.