أنهى المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، في 28 يوليو 2025، مشاوراته السنوية مع المملكة العربية السعودية في إطار المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق، حيث أشاد بأداء الاقتصاد السعودي ومتانته في مواجهة الصدمات الخارجية، مؤكداً أن المملكة تمضي قدمًا في تنفيذ إصلاحاتها ضمن "رؤية السعودية 2030"، مع تحقيق تقدم ملموس في النمو غير النفطي، واستقرار المؤشرات النقدية، وتراجع البطالة. أداء اقتصادي قوي يقوده النشاط غير النفطي أظهر التقرير أن الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي في المملكة سجل نمواً قوياً بنسبة 4.5% في عام 2024، مستندًا إلى توسع في قطاعات تجارة التجزئة، والضيافة، والإنشاءات. وقد تزامن هذا الأداء مع استقرار إنتاج النفط عند 9 ملايين برميل يوميًا، التزامًا باتفاقية "أوبك+"، ما أدى إلى تراجع الناتج المحلي النفطي بنسبة 4.4%، وانخفاض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إلى 2%. وأشار الصندوق إلى أن معدل التضخم بقي تحت السيطرة، مدعومًا بتباطؤ وتيرة ارتفاع إيجارات المساكن، في حين شهدت البطالة بين السعوديين انخفاضًا غير مسبوق، مع هبوط معدلات بطالة الشباب والنساء إلى النصف خلال السنوات الأربع الماضية. تحوّلات مالية وخارجية ضمن نطاق الاستقرار تحول رصيد الحساب الجاري من فائض نسبته 2.9% من الناتج المحلي في عام 2023 إلى عجز طفيف بلغ 0.5% في عام 2024، نتيجة تزايد الواردات والتدفقات الخارجية من التحويلات. وأكد التقرير أن هذا العجز يُمول من خلال مصادر متعددة، تشمل السحب من الاحتياطيات، والحد من تراكم الأصول الأجنبية، والاقتراض الخارجي. رغم هذه التحولات، حافظت المملكة على استقرار صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي (ساما) عند مستوى 415 مليار دولار، أي ما يعادل 187% من مقياس كفاية الاحتياطيات لدى الصندوق. كما أكد التقرير قوة القطاع المصرفي، الذي يتمتع بنسبة مرتفعة من رأس المال والربحية، مع انخفاض مستويات القروض المتعثرة إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2016. توقعات إيجابية ومخاطر قائمة يتوقع الصندوق أن يسجل الاقتصاد غير النفطي نموًا يفوق 3.5% في المدى المتوسط، مدعومًا بالاستثمار الحكومي في المشاريع الكبرى، واستضافة الفعاليات العالمية، وتنفيذ مستمر لبرامج "رؤية السعودية 2030". ومن المتوقع أن يرتفع معدل النمو الكلي إلى 3.9% بحلول عام 2026، بالتزامن مع التراجع التدريجي في خفض إنتاج النفط. على الرغم من هذه التوقعات الإيجابية، نبّه التقرير إلى مخاطر قائمة، من أبرزها ضعف الطلب العالمي على النفط، وتباطؤ الإنفاق الحكومي، وتصاعد التوترات الجيوسياسية. وعلى الجانب الآخر، أشار إلى احتمالات تحسن النمو في حال ارتفعت أسعار النفط أو تسارع تنفيذ مشاريع إضافية ضمن برامج التنويع. توصيات المجلس التنفيذي: ضبط تدريجي وتحفيز مستمر في تقييمه، اتفق المديرون التنفيذيون مع رؤية خبراء الصندوق، وأكدوا أهمية استمرار السياسات المالية المعاكسة للدورة الاقتصادية على المدى القريب، مستفيدين من الهوامش المالية الكبيرة المتاحة. وأوصوا بضبط تدريجي للمالية العامة على المدى المتوسط، من خلال: توسيع القاعدة الضريبية لزيادة الإيرادات غير النفطية. إصلاح نظام دعم الطاقة، وتحسين استهداف شبكات الأمان الاجتماعي. ترشيد الإنفاق الجاري، خاصة ما يتعلق بفاتورة الأجور والنفقات غير الأساسية. تعزيز الشفافية والاستدامة في المالية العامة رحب المجلس بالتقدم المحرز في تطوير مؤسسات المالية العامة، لا سيما في ما يخص إعداد الميزانية متوسطة الأجل، وتفعيل إطار لإدارة الأصول والخصوم السيادية، وتحسين أدوات إدارة المخاطر والالتزامات الاحتمالية. وأشار إلى تحسّن مستويات الشفافية والإفصاح المالي، وانخفاض فروق العائد على السندات السيادية، ما يعكس ثقة المستثمرين في استدامة السياسات الاقتصادية. دعم متواصل للقطاع المصرفي والسوق المالية أثنى المديرون على جهود البنك المركزي السعودي في المحافظة على الاستقرار المالي، وتفعيل أدوات السلامة الاحترازية، ومن بينها تحديد هامش رأسمالي معاكس للدورة الاقتصادية بواقع 100 نقطة أساس. كما دعوا إلى الإسراع في إقرار نظام المصارف واستكمال إطار إدارة الأزمات. ورحب المجلس بمواصلة التقدم في تعميق السوق المالية المحلية، لما لذلك من دور في تنويع مصادر التمويل وتحفيز الاستثمار. استمرارية الإصلاحات الهيكلية ودور المملكة الدولي اختتم المجلس ملاحظاته بالتأكيد على أهمية الحفاظ على وتيرة الإصلاحات، بغض النظر عن تقلبات أسعار النفط، وشدد على ضرورة مواصلة تطوير بيئة الأعمال، وتعزيز مشاركة المرأة، وتسهيل التمويل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومواجهة تحديات التغير المناخي. كما أشاد بدور المملكة في تعزيز الاستقرار الإقليمي ومساهماتها الفاعلة في المحافل الدولية، لا سيما رئاستها للجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التابعة لصندوق النقد الدولي. ومن المقرر إجراء المشاورات القادمة في يوليو 2026، ضمن الدورة السنوية المعتادة للمادة الرابعة.