يحيي العالم اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، والذي يُسلط الضوء هذا العام 2025 على خطورة هذه الجريمة باعتبارها أحد أكثر أشكال الجريمة المنظمة انتهاكًا للكرامة الإنسانية. ويأتي الشعار العالمي لهذا العام "الاتجار بالأشخاص جريمة منظمة.. لنُنهي الاستغلال" ليؤكد أن إنهاء هذا الخطر يتطلب تحركًا وطنيًا ودوليًا جادًا وتنسيقًا مشتركًا بين جميع الجهات المعنية. أولت المملكة العربية السعودية أهمية قصوى لمكافحة هذه الجريمة، باعتبارها انتهاكًا صارخًا للقيم الدينية والإنسانية، وتهديدًا مباشرًا للأمن الوطني والمجتمعي. وانطلقت جهودها من قاعدة شرعية وإنسانية راسخة، تُجرّم الاتجار بالأشخاص بجميع صوره، وتُشدد على محاسبة المتورطين فيه، وحماية الضحايا وضمان حقوقهم. فمنذ إصدار نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص عام 2009، رسّخت المملكة منهجًا قانونيًا حازمًا، تضمن عقوبات صارمة تصل إلى السجن والغرامة، كما تم التأكيد على حماية الضحية من أي مساءلة أو تمييز. إنشاء إدارة مختصة بالأمن المجتمعي ومكافحة الاتجار في إطار دعم القيادة الرشيدة وتعزيزًا للمنظومة المؤسسية، أعلنت وزارة الداخلية استحداث الإدارة العامة للأمن المجتمعي ومكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، وذلك بتوجيهات من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، لتكون هذه الإدارة مرتبطة إداريًا بالأمن العام. وتُعنى الإدارة الجديدة بتطوير سياسات وقائية واستباقية لرصد الجرائم المرتبطة بالاتجار بالأشخاص، ومتابعة تنفيذ البرامج الميدانية، وتنسيق الجهود مع الجهات المحلية والدولية المعنية، مما يمثل نقلة نوعية في التعامل المؤسسي مع هذا النوع من الجرائم المنظمة، ويُجسد حرص القيادة على تعزيز حماية المجتمع والإنسان. وبرزت وزارة الداخلية كأحد أبرز الأجهزة الوطنية في مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، من خلال منظومة أمنية وتشريعية متكاملة، تقوم على الرصد والضبط والتحقيق والملاحقة القضائية، وذلك بالتعاون مع الجهات العدلية والحقوقية ذات العلاقة. ومن أبرز جهود الوزارة في هذا الإطار، تأسيس وحدات أمنية متخصصة داخل قطاعاتها المعنية لرصد ومتابعة شبكات الاتجار بالأشخاص، والتعامل الفوري مع بلاغات الاشتباه، إضافة إلى تدريب منسوبيها في مجالات التحقيق والتحري والتعامل مع الضحايا وفق المعايير الدولية، بالتعاون مع منظمات أممية وإقليمية، كذلك تنفيذ حملات أمنية موسعة لضبط شبكات الاتجار بالبشر، خصوصًا تلك التي تستغل العمالة أو تمارس أشكال الاستغلال الجنسي أو التسول المنظم، ايضا التنسيق المباشر مع هيئة حقوق الإنسان والنيابة العامة، لضمان تكامل الجهود في ضبط الجناة وحماية الضحايا، كما عززت قدرات مركز البلاغات الأمنية (911) لاستقبال وتوثيق البلاغات ذات العلاقة، وتمريرها فورًا للجهات المختصة للتحقق منها. وتعكس هذه الجهود حرص وزارة الداخلية على تجفيف منابع الجريمة، وتعزيز أمن المجتمع، وحماية كل من يعيش على أرض المملكة دون تمييز. شراكات محلية ودولية فعالة بجانب دورها الأمني، تشارك المملكة دوليًا في منظومة مكافحة الاتجار بالأشخاص، حيث انضمت إلى اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (اتفاقية باليرمو)، ووقعت على البروتوكول المكمل الخاص بالاتجار بالأشخاص، كما شاركت وزارة الداخلية في عدة اجتماعات ومؤتمرات دولية وورش عمل، لتبادل الخبرات وبناء القدرات في هذا المجال. منظومة وطنية موحدة لمكافحة الجريمة من خلال اللجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، تُنسق جهود وزارة الداخلية، ووزارة الموارد البشرية، وهيئة حقوق الإنسان، والنيابة العامة، لتوحيد الرؤية واتخاذ تدابير استباقية وميدانية وإعلامية لحماية الضحايا، والتصدي للمتورطين. كما ساهمت مراكز الإيواء التابعة لوزارة الداخلية والجهات المعنية في توفير بيئة آمنة للضحايا، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي، إلى جانب إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع. نشر الوعي أطلقت وزارة الداخلية، بالشراكة مع الجهات المختصة، حملات توعوية تستهدف التعريف بأشكال الاتجار بالأشخاص، ومؤشراته، وطرق الإبلاغ عنه، باستخدام كافة الوسائل الإعلامية والمنصات الرقمية، وهو ما ساهم في رفع وعي أفراد المجتمع، وتحفيزهم للمبادرة في التبليغ عن أي حالة اشتباه. تؤكد المملكة العربية السعودية في هذا اليوم العالمي أن مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص أولوية وطنية وأخلاقية وأمنية، ولن يتم التساهل مع أي من صورها أو المتورطين فيها. وستبقى جهود وزارة الداخلية وبقية الجهات المعنية متواصلة لحماية الكرامة الإنسانية، وإنهاء الاستغلال، وتحقيق العدالة الشاملة ضمن إطار رؤية المملكة 2030، التي تضع الإنسان في قلب التنمية والأمن والاستقرار.