لا يمكن لأي منصف أن يُنكر ما تُجسده تصريحات المتحدث الرسمي لرئاسة أمن الدولة، العقيد تركي الحربي، من عمق استراتيجي في الفهم، واتساع في الأفق، وحرص بالغ على أمن الوطن بمفهومه الشامل، الذي يتجاوز الإجراءات الأمنية الميدانية ليصل إلى صيانة الوعي، وحماية وحدة الصف، وتحصين المجتمع من التشتيت والفرقة. في حديثه الأخير، لم يكن العقيد الحربي يُدلي بتصريح عابر، بل كان يُوجه رسالة عميقة ومباشرة لكل من يعي خطورة ما يُتداول في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي. لقد برهن هذا التصريح أن رئاسة أمن الدولة، بجانب دورها الأمني المشرّف، تضطلع أيضًا بدور تنويري وتوعوي لا يقل أهمية، ينطلق من قناعة راسخة بأن الحفاظ على الوطن يبدأ بالحفاظ على وعي أبنائه. سرديات التشتيت: إشارات تنبيهية من الأمن الوطني ولكي نُقرب الصورة أكثر، دعونا نستعرض أبرز السرديات التي قد يكون أشار إليها المتحدث الرسمي، والتي للأسف أصبحت جزءًا من الخطاب اليومي في منصات التواصل، وتُشكل تهديدًا حقيقيًا للنسيج الوطني: 1. التعصب القبلي والرياضي والمذهبي: خطاب يُذكي الانقسام، ويُضعف وحدة المجتمع، ويفتح الباب لصراعات لا تليق بوطنٍ عظيم بحجم المملكة. 2. المناكفات العبثية على منصات التواصل: جدليات سطحية تُدار بخلفيات خفية، هدفها تشتيت الانتباه عن القضايا الجوهرية التي تمس حاضر الوطن ومستقبله. 3. التعرض لدول شقيقة تربطها بالمملكة علاقات استراتيجية: إساءات فردية قد تُفهم على أنها مواقف رسمية، وتُسيء لمكانة المملكة ومصالحها الإقليمية والدولية. 4. تصنيف الأفراد والأفكار دون سند قانوني: وسم الناس بالتطرف أو الانحلال أو غيرها من الاتهامات المجانية، هو باب خطير يُعزز خطاب الكراهية والإقصاء. 5. الاستهزاء بالمخلصين بوصفهم "وطنجية": مصطلح مُحمّل بالتحقير والسخرية من كل من يُعبّر عن حبه وانتمائه لوطنه، وهو ما يُضعف روح الولاء والانتماء. في الختام: مسؤولية مشتركة، فما أشار إليه العقيد تركي الحربي ليس تحذيرًا فقط، بل دعوة واعية لمراجعة الذات، ومواجهة حملات التشويه والتفكيك التي تتسلل تحت شعارات براقة. إن الأمن لا يتحقق بالسلاح وحده، بل بالوعي، وبخطاب مسؤول، وبجبهة داخلية متماسكة تُدرك قيمة الوطن، وتفهم حجم التحديات. صوت المتحدث الرسمي كان عاليًا وواضحًا: حافظوا على وطنكم، لا تكونوا أداة في أيدي من لا يريدون لكم الخير. ولذا نقول له: لا فض فوك أيها المتحدث الوطني، لقد عبّرت فأجدت، وقلت فصدقت، وأوصلت صوت الدولة بكل حكمة ووعي. ففي وطن يمضي بثبات نحو المستقبل، لا مكان للفرقة، ولا صوت يعلو فوق صوت الوحدة والولاء.