التحليلات التي تُشكك في مشروعنا الرياضي بدأت تتحدث بلغة مختلفة الدوري السعودي يُهدد النظام الأوروبي القديم غوارديولا: السعودية بدأت اليوم تتحدث بلغة مختلفة يُعد الاستثمار الرياضي واحدًا من أبرز أدوات التأثير في العصر الحديث، إذ لم تعد الرياضة مجرد نشاط ترفيهي أو بدني، بل أصبحت صناعة عابرة للحدود، وأداة فعالة في تعزيز النفوذ الثقافي والاقتصادي للدول، وقد أدركت المملكة العربية السعودية هذا التحول باكرًا، فانطلقت في مشروعها الرياضي الطموح الذي لا يهدف فقط إلى تحقيق البطولات، بل يسعى إلى إعادة تعريف دور الرياضة في تشكيل الصورة الذهنية عن المملكة، واستثمارها كوسيلة من وسائل "القوة الناعمة" السعودية. وفي قلب هذا المشروع، تربع نادي الهلال على عرش التأثير، بعد أن تحوّل من مجرد نادٍ ناجح محليًا وآسيويًا، إلى رمز متكامل للقوة الناعمة السعودية خصوصًا بعد فوزه التاريخي على مانشستر سيتي الإنجليزي في كأس العالم للأندية 2025، حيث لم يكن الانتصار حدثًا رياضيًا فحسب، بل تحول إلى لحظة مفصلية غيّرت الطريقة التي ينظر بها العالم إلى كرة القدم السعودية، وإلى المشروع الرياضي بأكمله. إعجاز الهلال صنع الفارق في عالم تُحسب فيه الانتصارات بالكلفة السوقية وعدد الرعاة، لم يكن أحد يتوقع أن يقف فريق سعودي قادم من قارة أخرى، أمام وجه بطل من أبطال أوروبا وفريق يأتي بعد ريال مدريد في ترتيب القيمة السوقية وقوة اللاعبين ندًا وخصمًا عنيدًا في مباراة تصنف ضمن المباريات التاريخية التي لن تنسى في تاريخ الكرة العالمية. حيث كان ملعب «كامبينج وورلد ستاديوم» على موعد مع مشهد غير متوقع: الهلال السعودي، بثوبه الأزرق يتحدى فريقًا تبلغ قيمته السوقية 1.56 مليار دولار، بميزانية لا تتجاوز 188 مليونًا، ويخرج منتصرًا، ليس بضربة حظ، ولا بركلات ترجيح، بل بأربعة أهداف حقيقية، وخطة مدروسة، وأداء جعل حتى أكثر المحللين تحفظًا تجاه المشروع الرياضي أن يعيد النظر في كل شيء قاله عن الكرة السعودية. الفوارق بين الهلال ومانشستر سيتي لم تكن فقط في القيمة السوقية للاعبين أو عدد الشركاء التجاريين، حيث إن السيتي يملك 43 راعيًا تجاريًا وبإيرادات تتجاوز ال 900 مليون دولار، مقابل أن الهلال يمتلك 13 راعي فقط وبإيرادات لا تتجاوز 293 مليونًا، بل حتى في رواتب اللاعبين والتي تعكس هذا التفاوت الكبير بين الفريقين، حيث تبلغ قيمة رواتب لاعبين مانشستر سيتي خلال عام واحد قرابة ال 200 مليون يورو، مقابل أن مجموع رواتب لاعبي الهلال تصل إلى ال100 مليون يورو ومع ذلك، كان الملعب هو المكان الوحيد الذي لم يعترف بهذه الأرقام، ففي الوقت الذي توقع فيه الكثيرون أن يكتسح مانشستر سيتي المباراة، وجد نفسه يلاحق الهلال، ثم يتعادل معه، ثم يُجبر على خوض أشواط إضافية قبل أن يخسر 4-3 في واحدة من أكثر الهزائم قسوة في تاريخ النادي الإنجليزي الحديث. الصورة تنكسر.. والعالم يعيد النظر فور انتهاء المباراة، لم يكن الخبر المهم في عدد الأهداف التي سجلها الهلال فقط، أو في الانتصار التاريخي الذي استطاع أن يحققه بجدارة، بل في الهزة التي أحدثها الفوز الأزرق في أروقة الصحافة العالمية. التحليلات التي كانت بالأمس تُشكك في المشروع الرياضي السعودي، بدأت اليوم تتحدث بلغة مختلفة، حيث في يوم 29 يوليو 2023، وقف بيب غوارديولا أمام الصحافة العالمية يتحدث بثقة عن التأثير السلبي للمشروع السعودي في سوق الانتقالات قائلًا حينها دون تردد: «المملكة العربية السعودية بدأت اليوم تتحدث بلغة مختلفة، وسيكون هناك المزيد من النجوم الذين يأتون إلى دوريها». لكن حين انتهت مباراة فريقه أمام الهلال، تغيّر كل شيء، لم يكن غوارديولا يتحدث عن قوة مالية صاعدة أو صفقات مغرية، بل عن هجمات مرتدة، دفاع متماسك، وإنهاك بدني سبّبه فريق لم يُحسب له هذا الحساب. ففي تصريحاته بعد المباراة، أقرّ بيب بكل وضوح أن الهلال فريق رائع ومتميز حيث قال: «الهلال كان رائعًا في المرتدات، ودفاعهم كان عميقًا ومنظّمًا.. جعلونا نركض كثيرًا للخلف، وسافيتش لاعب ممتاز، لم يكن الأمر سهلًا أبدًا.» هكذا ببساطة، سقطت الفكرة القديمة على يدي الهلال الذي أثبت بأن الفرق السعودية لن تشارك لتستعرض ولن توقع الصفقات لتصرف فقط، بل لتحقق الفوز وتقف ندًا في وجه أعتى الفرق الأوروبية. وفي اليوم التالي، جاء المقال الذي دوّى في الصحافة البريطانية كإنذار، من أحد أكثر كتاب الرياضة نفوذًا وتأثيرًا في إنجلترا مارتن صامويل، في صحيفة The Times، كتب مقالًا وصف فيه ما حدث بأنه «لحظة انهيار الغطرسة الكروية الإنجليزية» بدأ مقاله بجملة لا يمكن تجاهلها «تهاونا تجاه ما ينشأ في السعودية.. فكانت النتيجة هزيمة ساحقة ومذلة للنظام القائم»، وأشار إلى أن مانشستر سيتي لم يُهزم لأنه استهان بالخصم أو لعب بالتشكيلة الثانية، بل لعب بأقوى أسمائه وعلى رأسهم هالاند، وخسر رغم كل شيء، ثم وجّه سهامه إلى الخطاب الإنكاري الذي يتبناه مسؤولو البريميرليغ، وعلى رأسهم الرئيس التنفيذي ماسترز، الذي لا يزال يعتبر أن الدوري السعودي «وجهة للنجوم المنتهين» لكن الواقع، كما كتب صامويل، تغيّر كليًا، الهلال في مباراة سيتي، سجل هدفًا من كرة ثابتة صنعها روبن نيفيز (نجم ولفرهامبتون السابق)، وحوّلها كوليبالي (قائد دفاع تشيلسي سابقًا)، الفريق الأزرق كان يعجّ بلاعبين من الصف الأول سبق لهم اللعب في البريميرليغ: من رياض محرز، إلى رينان لودي، إلى جواو كانسيلو، حتى المدرب، سيموني إنزاغي، لم يكن مجرد خيار طارئ، بل اسم كانت الأندية الإنجليزية تحاول ضمه قبل عام فقط. ويواصل صامويل مفارقته الحادة: «كل مرة يغادر لاعب من البريميرليغ إلى السعودية، نقول إننا لن نفتقده، لكن الحقيقة أن هذا الاستنزاف هو ما جعل الدوري السعودي يُهدد النظام القديم»، كما تطرق صامويل أيضًا إلى التعالي المؤسسي في إنجلترا، الذي لا يزال يظن أن المال السعودي سيبقى محصورًا في شراء الأسماء، لا في صناعة المنافسة حيث قال: «لا يمكن تجاهل دوري يسجل فيه الهلال أربعة أهداف على مانشستر سيتي، لا يمكن الاستمرار في اعتبار هذه الأندية صغرى، بينما تهزم الكبار بخطط محكمة وعمل جماعي». من الملعب إلى المنصات السياسية.. الهلال يوسّع دوائر التأثير لم يتوقف وقع الانتصار الهلالي عند حدود المستطيل الأخضر أو عناوين الصحف الرياضية، بل سرعان ما تسلّل إلى دهاليز السياسة والدبلوماسية الدولية، مؤكدًا أن المشروع الرياضي السعودي أبعد من كونه تنافسيًا أو تسويقيًا، بل هو مشروع سيادي وطني بامتياز. ففي صورة رمزية لافتة، نشرتها وكالة الأنباء السعودية (واس) فجر الجمعة، ظهر الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم أبوظبي ومستشار الأمن الوطني في دولة الإمارات، مرتديًا وشاح نادي الهلال السعودي، خلال لقائه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. لم تكن هذه الصورة مجرد لفتة ودّية أو مجاملة بروتوكولية، بل بدت كأنها اعتراف ضمني بأن الهلال لم يعد فقط ممثلًا لكرة القدم السعودية، بل بات رمزًا لقوة إقليمية ناعمة تحظى بالاحترام والاحتفاء حتى من خارج حدود المملكة. وفي مشهد آخر أكثر دلالة، جاء التصريح الصريح من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي لم يتردد في تهنئة الجانب السعودي علنًا بفوز الهلال، وذلك خلال اجتماع رسمي جمعه بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في موسكو. قال لافروف: «نهنئكم بفوز الهلال على مانشستر سيتي في كأس العالم للأندية بأربعة أهداف مقابل ثلاثة. المباراة كانت رائعة، وهذه نتيجة تستحق الذكر.» هذا الإطراء لم يأتِ من محلل رياضي أو متابع عادي، بل من أحد أبرز الوجوه الدبلوماسية على الساحة العالمية، وفي توقيت دقيق يتزامن مع محادثات رسمية تتناول قضايا إقليمية ودولية. في لغة السياسة، هذا ليس مجرد تعليق، بل اعتراف بأن الهلال بات منصة تعبير عن النجاح السعودي، وأداة تعكس صورة المملكة الجديدة: طموحة، منجزة، وقادرة على كسر الصور النمطية من بوابة الرياضة. الهلال مشروع دولة ما فعله الهلال ليس انتصارًا في مباراة، بل اختراق ذكي للمنظومة الغربية التي اعتادت النظر من أعلى إلى التجارب غير الأوروبية في الرياضة. الهلال دخل من أضيق الأبواب - بميزانية محدودة، وبعدد رعاة أقل، وبقائمة غاب عنها كبار نجومها المصابين - وخرج من أوسع الأبواب باب الاحترام العالمي. لم يكن ذلك ممكنًا لولا وجود قيادة سياسية آمنت بالاستثمار الرياضي كرافعة وطنية، ولولا منظومة عمل منسجمة وضعت الأهداف البعيدة فوق الحسابات القريبة. ومع كل هدف يسجله الهلال، تتسع دائرة الإدراك العالمي بأن السعودية لم تعد فقط اللاعب الجديد في اللعبة، بل قد تكون قريبًا أحد من يرسمون ملامحها. لاعبو الهلال يحتفلون ولاعبو السيتي يتحسرون البرازيلي ليوناردو الهلال قدم عرضاً رائعاً أمام الريال غوارديولا أقر بنجاح المشروع السعودي