منذ إطلاق رؤية السعودية 2030، والبلاد تشهد تحولًا نوعيًا على مختلف الأصعدة، مدفوعًا بتوجه استراتيجي من القيادة الرشيدة نحو بناء وطن حديث، متوازن، ومتكامل الأركان. لم يكن التركيز على قطاع دون آخر، بل جاءت الرؤية شاملةً، تنمويةً، تتوزع فيها الأولويات بين الاقتصاد، التعليم، السياحة، الصحة، التقنية، والثقافة، وكان للرياضة نصيب وافر من هذا الطموح. فالهدف لم يكن مجرد تحسين جودة الحياة، بل أن تتحول المملكة إلى قوة ناعمة ذات تأثير عالمي حقيقي، تستخدم الرياضة بوصفها إحدى أدواتها الفاعلة في هذا المسار، وفي إطار هذا التوجه، تم ضخ استثمارات استراتيجية في قطاع الرياضة، ليس فقط على مستوى البنية التحتية أو دعم الأندية، بل في صياغة مشروع وطني يجعل من الرياضة وسيلة للتعريف بالسعودية الجديدة، السعودية التي تؤمن بإمكانات شبابها، وتراهن عليهم في ميادين التفوق والمنافسة. ولهذا، لم يكن صعود الفرق السعودية في السنوات الأخيرة مفاجئًا، بل انعكاسًا منطقيًا لعمل مؤسساتي طويل الأمد، بدأ في المكاتب وصاغته السياسات، وتم تجسيده على أرض الملاعب، لقد رأينا كيف تحولت السعودية خلال فترة وجيزة إلى محطة بارزة على خارطة الرياضة العالمية. استضافة بطولات دولية مرموقة، تنظيم فعاليات ذات حضور جماهيري وإعلامي ضخم، وتوقيع عقود مع أبرز نجوم الكرة في العالم، كلها مؤشرات على أن الرياضة في المملكة لم تعد مجرد نشاط جماهيري، بل رافد اقتصادي وثقافي واجتماعي. هذه الديناميكية الجديدة كان لابد أن تثمر عن نتائج لافتة على مستوى التنافس، وقد جاءت بالفعل، ولعل من أبرز هذه المحطات وأكثرها دلالة، فوز نادي الهلال السعودي على نظيره مانشستر سيتي الإنجليزي، أحد أعتى فرق كرة القدم الحديثة، وأكثرها استقرارًا وهيمنة على مستوى القارة الأوروبية. لم يكن هذا الانتصار حدثًا رياضيًا فقط، بل شهادة واقعية على أن الفارق بين الشرق والغرب، أو بين الأندية الخليجية ونظيراتها الأوروبية، لم يعد قائمًا كما في السابق. الفجوة بدأت تتقلص، والتفوق أصبح ممكنًا، لا بالمعجزة، بل بالتخطيط والعمل والاستثمار الصحيح، فالهلال، بما يمثله من رمز رياضي وطني، لم ينتصر فقط باسمه وتاريخه، بل بما يحمله من تمثيل لمشروع رياضي وطني أوسع. مشروع ينهض من رؤية قيادية تعتبر أن القوة الناعمة يجب أن تكون جزءًا من هوية الدولة، وأن الملعب يمكن أن يكون ساحة نفوذ، تمامًا كما هو الحال في الاقتصاد والسياسة والدبلوماسية. وعليه، فإن الفوز لم يكن مجرد مفاجأة في مباراة، بل تعبيرًا عن حالة سعودية عامة من النهوض والإصرار على الوصول إلى القمة في كل مجال، هذا الحراك الرياضي لا يمكن عزله عن السياق الأوسع الذي تعيشه المملكة. فقد نجحت السعودية خلال السنوات الأخيرة في تنويع اقتصادها، وتعزيز مكانتها في سلاسل القيمة العالمية، وقيادة التحول الرقمي في المنطقة، والدخول بثقة إلى قطاعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي والفضاء والطاقة المتجددة. وفي ذات الوقت، حرصت على تطوير المشهد الثقافي، وإعادة تعريف صورتها أمام العالم، بعيدًا عن القوالب النمطية القديمة، لتقدم نفسها كدولة عصرية، فتيّة، تعرف ما تريد وتسعى لتحقيقه، من هنا، لم يعد مفاجئًا أن تكون الملاعب السعودية شاهدة على لحظات فارقة في تاريخ كرة القدم، وأن تكون فرقنا الوطنية وممثلونا في الأندية يزاحمون بقوة على مقاعد البطولات الكبرى، سواء في آسيا أو في الساحة الدولية. إن ما تحقق اليوم هو ثمرة طبيعية لتوجه وطني صادق نحو التميز، وثقة في أن أبناء هذا الوطن قادرون على التفوق إذا ما توفرت لهم الأدوات، وتم فتح الآفاق أمامهم، لقد أثبت الهلال، ومعه رياضة الوطن، أن السعودية ليست مجرد دولة تمتلك الموارد، بل تمتلك الرؤية والقيادة والقدرة على تحويل الأفكار الطموحة إلى واقع ملموس. واقع لا يعرف المستحيل، ولا يرضى بأن يكون في الخلف، بل يسير بثقة نحو الريادة، وإذا كان فوز الهلال قد دوّى في مدرجات العالم، فإن الرسالة الأعمق وصلت المملكة العربية السعودية ولم تعد تراقب العالم من بعيد، بل أصبحت جزءًا من معادلته، وصانعة لأحداثه، وقادرة على أن تُذهل وتُبدع وتُغيّر، والقادم، بكل تأكيد، سيكون أكثر إشراقًا، لأن خلف كل إنجاز، هناك مشروع، وخلف كل مشروع، هناك وطن آمن بحلمه، وقائد آمن بشعبه. د. عمر بن سليمان العجاجي