في عصر السرعة، تسلّل عالم الذكاء الاصطناعي إلى العالم كَشَبَحٍ خفي متشابكا مع مختلف نواحي الحياة. بعضهم معجب به، وبعضهم الآخر متخوّف من قدراته العجيبة. يستخدمه كثيرون في العمل وتسهيل تفاصيل الحياة اليومية، لكن يظل السؤال: هل يمكن استخدامه لاختيار شريك الحياة؟ وإذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على ذلك، فلماذا نعجز نحن، كبشر، عن فهم مشاعرنا الخاصة؟ ولماذا لا نفهم أنفسنا كما تفعل الخوارزميات؟ وهل بات هذا "الذكاء" يجمِّد عقولنا ومشاعرنا حين نعتمد عليه بشكل شبه كلي في اتخاذ قراراتنا الشخصية؟ من الثابت أن الذكاء الاصطناعي لديه كثير من التدخلات في مختلف القضايا المادية، مثل اطلب والهندسة والتعليم وحتى الأدب وغيرها، لكن إلى أي حد يمكن التعويل عليه فيما يتعلق بالعواطف. وها نحن، نحاول استعراض دور الذكاء الاصطناعي في العلاقات العاطفية، ومناقشة حدوده، وأثره في الفهم الإنساني للمشاعر والاختيار. كما نحاول معرفة كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في اختيار شريك الحياة؟. إمكانية واردة يقول مدير الأمن السيبراني في معادن، الدكتور سلطان العنزي (دكتوراه في الأمن السيبراني) إن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يتدخل في اختيار شريك الحياة عبر تحليل البيانات، مثل البيانات الشخصية، التفضيلات، السلوك. ويضيف "الأشخاص الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لغرض اختيار شريك الحياة، غالبًا ما يفعلون ذلك عبر استشارته بعد أن يتقدم لهم بعض الأشخاص. فأنا كمثال، قد أقوم بتحليل مبدئي لهؤلاء الأشخاص، ثم أرسل إلى الذكاء الاصطناعي المواصفات التي تهمني، سواء كانت شكلية مثل الطول، أو شخصية مثل الأخلاق. في المقابل، يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل هذه المعلومات، ومقارنتها ببياناتي وسلوكياتي السابقة، ويستخدم خوارزميات التوافق لتحديد مدى الانسجام بيني وبين الطرف الآخر، ثم يقدم لي رأيًا أو توصية مبنية على تطابق الصفات. ويترك لي القرار الأخير هل هو شريك حياتي المناسب أم لا؟. ما هي الخوارزميات؟ الخوارزميات هي خطوات منظمة يستخدمها الذكاء الاصطناعي لمعالجة المعلومات، واتخاذ قرارات في موضوع اختيار شريك الحياة". وتُستخدم الخوارزميات لتحليل صفات الشخص، مثل الطول، الأخلاق، الاهتمامات، وطريقة التفكير، ثم تقارنها ببيانات المستخدم لمعرفة مدى التوافق. عندما أرسل للذكاء الاصطناعي مواصفات شخص معين، يحلل هذه الصفات ويقارنها ببياناتي، ويعطيني نتيجة أو تقييماً يُظهر هل هذا الشخص مناسب لي أم لا. يشرح الفيلم الوثائقي the social dilemma "المعضلة الاجتماعية" كيف تقوم شركات التقنية بجمع بيانات المستخدمين وتحليلها عبر خوارزميات متقدمة تهدف إلى التنبؤ بسلوكياتهم وزيادة تفاعلهم. هذا الأمر يشمل أيضاً تحليل العلاقات العاطفية واختيار الشريك، حيث يُسْتَهْدَف المستخدمون عبر توصيات مخصصة قد تؤثر في اختياراتهم وتوجهاتهم، دون أن يشعروا. تعتمد هذه الخوارزميات على بيانات كثيرة وتجارب سابقة، وتستخدم أساليب مثل التعلم الآلي وخوارزميات التوصية لتقديم اقتراحات دقيقة وشخصية. وعلى الرغم من أن هذه الخوارزميات قادرة على تقديم تحليل منطقي وموضوعي، فإنها لا تستطيع التنبؤ بالمشاعر العميقة أو التغيّرات العاطفية المستقبلية، مما يطرح تساؤلات حول مدى اعتمادنا الكامل عليها في قرارات مصيرية كهذه. لماذا هذا الاستخدام يُطرح السؤال بجدية: لماذا بدأ الذكاء الاصطناعي يُستخدم في العلاقات والزواج؟ وتقول الإجابة إن البشر في عصرنا الحالي باتوا لا يحبون التفكير المطوّل أو تحليل الأمور بأنفسهم، ويفضّلون اتخاذ قراراتهم بسرعة، حتى في مسائل مصيرية مثل العلاقات واختيار شريك الحياة، ولهذا يلجأ كثيرون إلى التقنية، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، بدعوى توفير الوقت والجهد. ومن أبرز الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك: أولا: الثقة بحيادية الذكاء الاصطناعي وتحليله المنطقي، حيث يعتقد كثيرون أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تقييم الأمور بعقلانية ودون مشاعر أو تحيّزات بشرية. ثانيا: تسارع نمط الحياة، فلم يعد لدى كثير من الناس الوقت الكافي للتعارف التقليدي وبناء العلاقات تدريجياً. ثالثا: الخوف من الرفض والفشل، حيث يُعتقد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقلل من العلاقات الفاشلة، لأنه يقترح خيارات قائمة على التوافق النفسي والعملي. رابعا: الوصول الأوسع، حيث يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يربط بين أشخاص من خلفيات أو أماكن جغرافية مختلفة، بناءً على معايير مشتركة، مما يزيد فرص التوافق الحقيقي. خامسا: التخصيص العالي، فلا يقتصر الذكاء الاصطناعي على الشكل أو الانطباع الأول، بل يعتمد على تحليل بيانات دقيقة مثل الشخصية، الاهتمامات، القيم، وأسلوب الحياة، ما يجعله أداة أكثر دقة في الترشيحات. حضور الانتقادات يشدد الدكتور العنزي على أن تدخل الذكاء الاصطناعي في اختيار شريك الحياة لا يخلو من الانتقادات، مثل إهمال العوامل العاطفية غير القابلة للقياس الكمي. وفي رده على سؤال حول ما إن كان الذكاء الاصطناعي يستطيع ترجمة مشاعرنا؟، يقول "من الممكن أن يترجم الذكاء الاصطناعي مشاعرنا جزئيًا، ولكن ليس بشكل كامل أو دقيق". وهو يشرح هذه النقطة، ويوضحها بمثال "إذا كان هناك شخص يمر بنوبة هلع لأول مرة، فقد يلجأ إلى الذكاء الاصطناعي، ويبدأ بوصف الأعراض التي يشعر بها، كضيق التنفس، تسارع ضربات القلب، أو الشعور بالخوف المفاجئ. يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل هذه الأعراض، ويقدّم استنتاجًا "أنت تمر بنوبة هلع". هذا يعني أنه يترجم مشاعرنا إلى مصطلحات علمية مبنية على ما ورد في البيانات والمصادر الطبية لكن، هل هذا يعني أنه يفهم ما نشعر به فعلًا؟ بالطبع لا. الذكاء الاصطناعي لا يملك مشاعر، ولا يستطيع أن يشعر بالخوف، أو الألم، أو الارتباك كما يشعر بها الإنسان هو فقط آلة تحلل النصوص والبيانات، وتقدم إجابة بناءً على الأنماط، وليس على الإحساس لذلك، حتى وإن بدا أحيانًا أنه "يتفهمنا"، فإنه في الحقيقة يقرأ مشاعرنا من الخارج، لكنه لا يعيشها من الداخل وهذا طبيعي. العجز عن الفهم يقود الحديث عن تدخل الذكاء الاصطناعي في اختيار شريك الحياة، إلى سؤال أعمق يقول "إذا كان الذكاء الاصطناعي يستطيع اختيار شريك الحياة، فلماذا نحن كبشر نعجز عن فهم أنفسنا؟" والجواب "إن فهم النفس يرتبط بفهم مشاعرنا، أي عندما أشعر بضيق في التنفس، وعدم الرغبة في التعبير، أعلم أن هذا الشعور يُسمّى "الحُزْنُ". يجب أن ندرك المُسمّى العلمي للمشاعر، فهي تساعد بشكل جيد، ولكن ليس بشكل كلي. فالنفس متعددة الأنواع، ومنها: 1 النفس الأمّارة بالسوء: وهي النفس التي تميل دائمًا إلى الشهوات والرغبات السلبية. (أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي) [يوسف: آية 53] 2 النفس اللوّامة: وهي النفس التي تلوم صاحبها بعد ارتكاب الخطأ، وتشعر بالندم، وتحاول تصحيح السلوك. (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) [القيامة: آية 1،3] 3 النفس المطمئنة: وهي النفس الهادئة الراضية بقضاء الله، التي وصلت إلى درجة عالية من الإيمان والسكينة. (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) [الفجر: آية 26،29] ويضيف الدكتور العنزي "مشاعر البشر ليست ثابتة مثل البيانات، بل هي متحركة، وتختلف من مدة إلى أخرى". فتح البوابة مع الميل الكبير إلى الاتكاء على الذكاء الاصطناعي في كثير من جوانب الحياة، ما يزال هناك كثيرون يتغاضون ويبتعدون عن الاعتماد عليه، حيث تصرح سيدة في الرابعة والثلاثين من عمرها (أي أنها من جيل التسعينيات) أنها لا تستخدم الذكاء الاصطناعي في أي جانب من جوانب حياتها، لا في عملها، ولا في قراراتها الشخصية، ولا حتى في أبسط أمورها اليومية. مثل هذا النماذج تثير أسئلة، مثل: هل يستطيع البشر أن يعيشوا بشكل طبيعي إذا اختفى الذكاء الاصطناعي فجأة؟ هل سنعود إلى فهم أنفسنا، والتأمل في مشاعرنا، واتخاذ قراراتنا بدون توصية من خوارزمية؟ هل كانت الحياة بدون الذكاء الاصطناعي أكثر صدقًا، أم أن اعتمادنا عليه أصبح جزءًا منّا؟ ربما لا نجد كل الإجابات الآن، لكن هذا التقرير يفتح باب التفكير في السؤال الأكبر: هل أصبح الذكاء الاصطناعي يساعدنا، أم يستولي علينا؟ الذكاء الاصطناعي والتدخل في اختيار شريك الحياة يمكنه المساعدة بناء على تحليل البيانات ومعرفة مدى التوافق الخوارزميات المعقدة تحلل بيانات المستخدم وتحدد مدى توافقه مع شخص آخر يقدم تحليلًا موضوعيًا لبيانات المستخدمين دون تحيز أو عواطف شخصية لا يمكنه ضمان العثور على شريك الحياة المثالي، وذلك لعدة أسباب: 1 محدودية البيانات خاصة أنه يعتمد على البيانات التي يقدمها المستخدمون ما قد يؤدي إلى تحليلات غير دقيقة إن كانت المعلومات غير كاملة أو غير صحيحة 2 لا يمكنه استبدال دور الإنسان فالقرار النهائي يعتمد على مشاعر الفرد وتجاربه الشخصية ورغبته كيف يعمل الذكاء الاصطناعي في اختيار الشريك يجمع كميات هائلة من البيانات من المستخدمين، تشمل معلومات عن: 1 شخصياتهم 2 اهتماماتهم 3 قيمهم 4 أسلوب حياتهم 5 سلوكياتهم عبر الإنترنت 6 صورهم 7 مقاطع الفيديو الخاصة بهم يحلل البيانات باستخدام خوارزميات معقدة للذكاء الاصطناعي لتحديد أنماط سلوكية وتفضيلات شخصية، وفهم احتياجات ورغبات كل فر يقارن بين بيانات المستخدمين ويحدد مدى توافقهم مع بعضهم بعضا بناء على معايير محددة مثل الاهتمامات المتشابهة والتوافق النفسي بناء على نتائج التحليل يقدم الذكاء الاصطناعي اقتراحات بأشخاص قد يكونون شركاء مناسبين مع شرح أسباب التوافق