في هذه الزاوية ستأخذنا الدكتورة سوسن الأبطح الأستاذة بالجامعة اللبنانية والكاتبة الصحفية المتخصصة في المجال الثقافي كتبت عشرات المقالات النقدية في الأدب والمسرح والسينما، والتغطيات الصحافية. عملت في الإعداد التلفزيوني، والتدريب على الكتابة الصحافية من خلال ما اطلع عليه مؤخراً ويوصي القراء بقراءتها: «وجوه مصر الحديثة» لروبير سوليه كُتب في تاريخ مصر الكثير، غير أن الروائي الفرنسي المصري-روبير سوليه، أخذ على عاتقه في هذا الكتاب أن يقدم رؤية، لا أن يسرد أحداثاً. فعل ذلك، وهو يعيد الحياة إلى مئتي سنة من التاريخ العربي الحديث، من خلال عشرين بروفايلاً لشخصيات محورية، بث فيها الحياة بأسلوبه السلس، ونجح في إيصال مؤلف مغرٍ يبدأ به القارئ، ولا يستسلم حتى يأتي على صفحاته الثلاثمائة. من نابليون الحالم بإمبراطورية شرقية يتنقل الكاتب بخفة بين السياسي والمفكر، الأديب والمطربة، ليصوغ لوحة نابضة تجمع رفاعة الطهطاوي، سعد زغلول، طه حسين، أم كلثوم، حسن البنا، نجيب محفوظ وغيرهم، نجح في سرد القصة الكبرى لمصر من خلال عيون رجال ونساء، صعدوا، سقطوا، ثاروا وغنّوا... وكل منهم ترك أثرًا لا يُمحى. «قناع بلون السماء» لباسم خندقجي تمكن الروائي الفلسطيني باسم خندقجي من أن يسطر «قناع بلون السماء» في زنازين لا رحمة فيها، ومع ذلك أمتعنا برواية كل ما فيها يتنفس حرية، أبطالها، أحداثها، شوارعها، أزقتها، بيوتها وشجرها، ونفحات الحب، وفاز عنها بجائزة البوكر العربية لعام 2024، كتبت في السرّ وهرّبت رغم وحشية السجّان. بطلها نور، الشاب الفلسطيني الذي ينتحل هوية إسرائيلية يجدها في جيب معطف مستعمل، ويستغلها للتنقل في أرضه المسلوبة. يخوض خندقجي من خلال هذه الشخصية المزدوجة، مغامرة فكرية وإنسانية تسائل الهوية والعدو والانتماء، هي روايته الأولى، أتبعها بجزء ثانٍ باسم «سادن المحرقة»، ونحن بانتظار الجزء الثالث. «حكايتي شرح يطول» لحنان الشيخ من أظرف ما كتبت حنان الشيخ. ليست رواية بقدر ما هي سيرة أم الكاتبة، التي تركت أولادها وزوجها وأحبت رجلاً آخر. لم تختر الأول الذي كان زوج أختها قبل أن تتوفى، وإنما أختير لها وهي طفلة، ولدت الأم في الثلاثينات، عاشت فوران بيروت وبدء تحرر نسائها. تتفتح عيناها على حياة فيها السينما والنجمات الجميلات والرقص والتدخين، الحياة الصاخبة وما يواكبها من أحداث. نقرأ عن نشأة الابنة حنان في كنف الوالد بعد انفصال الأم، ثم هذه الحوارات بين الأم وابنتها المليئة بالاعترافات والمصالحة، والمسامحة، بعد هجر وأسى، أحببت جرأة الأديبة، وسردها للقصة بعفوية نادرة، وتفاصيل حزينة بروح مرحة، وظرف شديد، حيث حولت النص إلى أغنية تبقى تقرأها حتى النغمة الأخيرة. «ذاكرة النقصان» لسمر يزبك استطاعت الكاتبة السورية سمر يزبك أن تكون أول من يوثق لإبادة غزة من خلال شهادات يرويها أهالي غزة الذين التقتهم في الدوحة بعد إجلائهم للعلاج. كتبت ما عجزت عن أن تنقله الكاميرات التي تعمل ببث مباشر على مدار الساعة. نكتشف أن للكتابة قدرة على وصف الواقع بما لا تستطيعه التسجيلات المصورة، التي تجنح إلى التعميم، في ما التركيز على الفرد كما فعلت يزبك مع كل شهادة، وإفساح الصفحات له ليروي قصته الجحيمية، يجعلنا أقرب إلى فهم التجربة الكارثية التي عاشها هؤلاء الضحايا. «درس قرن من الحياة» لإدغار موران زبدة تجربة الفيلسوف إدغار موران، كتبه بعد جائحة كورونا، وهو يتحضّر للاحتفال بمئويته، وهو الآن قد تجاوزها ولا يزال يعلي الصوت من الحرب الأولى والإنفلونزا الإسبانية التي خطفت والدته، إلى الكساد الكبير، وصعود النازية، الحرب الثانية، ومقاومته للنازية، ثم شيوعياً ومراجعاً لقناعاته مع الزمن. كان شاهداً على انهيار الأيديولوجيات، الاستعمار، الثورة الطلابية، زحف العولمة والنيوليبرالية، وجائحة كورونا. في شهادته نقد جارح للحضارة الغربية، وبنائها وهمًا بأن الإنسان «سيد الطبيعة»، وأن التكنولوجيا والنمو الاقتصادي كفيلان بتحقيق السعادة. كورونا، أظهرت فشل الغرب في التضامن والمواجهة. يحمّل السياسات النيوليبرالية مسؤولية تفاقم الفقر ويقترح إعادة الإنسانية والعدالة إلى النظام العالمي، بدل»اقتصاد العبث والخداع». سوسن الأبطح