«الدول الخليجية تعاملت مع هذه الحرب بعيداً عن تاريخ الصراع، واعتبرته صراعاً بين دولة مستقلة «إيران» ودولة معتدية «إسرائيل»، هذا هو عنوان الموقف الخليجي من هذه الحرب» في منتصف يونيو 2025، دخل الشرق الأوسط واحدة من أكثر لحظاته اشتعالًا منذ عقود، حين اندلعت مواجهة عسكرية مباشرة ومكثّفة بين إسرائيل وإيران استمرت اثني عشر يومًا، حُفرت في ذاكرة المنطقة تحت اسم «حرب الاثني عشر يومًا». وعلى غير عادة الحروب السابقة، لم تكن المواجهة هذه المرة محصورة بين خصمين تقليديين، بل توسعت ارتداداتها لتطال مناطق النفوذ، وقواعد التحالفات، والممرات الحيوية التي تعبر منها مصالح العالم بأسره. كان الخليج العربي، بجغرافيته الاستراتيجية وشبكة تحالفاته الدولية، في قلب هذا الحدث لا على هامشه، إذ مثّل الاعتداء الإيراني على قاعدة العديد الأميركية في قطر لحظة صادمة أعادت تعريف حدود الاشتباك، وسلطت الضوء على هشاشة الأمن الإقليمي إن تُرك رهينة الحسابات العسكرية المنفلتة لكن في مقابل الانفجار العسكري، جاء الرد الخليجي مختلفًا: اتزانٌ محسوب، ووعيٌ جماعي بأهمية كبح جماح التصعيد. وقد استطاعت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي أن تقدم نموذجًا متماسكًا في إدارة الأزمة؛ فبينما انشغل العالم بمآلات الحرب، تحركت الدبلوماسية الخليجية بهدوء واتزان، داعيةً إلى التهدئة، ورافضةً تحويل أراضيها إلى ساحة صراع بالوكالة. ومع التهديد المباشر للأمن الإقليمي، فعّلت الدول الخليجية خططها الأمنية، والصحية، والاقتصادية، وأعادت ترتيب أولوياتها الاستراتيجية بما يضمن الحماية دون الوقوع في فخ الاصطفاف. لم تكن تلك الحرب مجرد مواجهة عسكرية خاطفة، بل كانت اختبارًا حقيقيًا لوحدة الخليج، لفاعلية وساطاته، ولمتانة أنظمته في مواجهة الأزمات المركّبة، ومن بين الدخان والمواقف المتسارعة، برزت العواصم الخليجية كلاعبٍ إقليميّ يحسب له الحساب، لا مجرد تابع لتوازنات الغير. وفي ظل التصعيد العسكري غير المسبوق الذي شهده الشرق الأوسط بعد اندلاع المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل، تسعى جريدة «الرياض» إلى الوقوف على أبعاد هذا التحول الجيوسياسي الحاد، واستطلاع رؤى عدد من المختصين والمحللين السياسيين حول دلالات الحرب، وتداعياتها المحتملة على أمن الخليج، وتحولات موازين القوى الإقليمية. أمن الخليج بعد الحرب.. إعادة رسم خرائط الردع والتحالف معسكر الأمن والسلام جاء الموقف السعودي حاسمًا منذ الساعات الأولى للتصعيد، إذ اختارت الرياض مسار الاتزان القائم على نزع فتيل الأزمة قبل أن تتحوّل إلى مواجهة إقليمية شاملة. وبعد قراءة مبكّرة لطبيعة النزاع، حرصت المملكة على تكثيف اتصالاتها الدولية والإقليمية، وتفعيل أدوار الوساطة الهادئة، إلى جانب التنسيق مع العواصم الخليجية. وقد أظهرت المملكة، بقيادة سمو ولي العهد، نموذجًا في الدبلوماسية الوقائية، عبر جهود سياسية متقدمة هدفت إلى خفض التصعيد، وحماية أمن الخليج دون الانزلاق في أي اصطفاف حول ذلك قال د. أحمد بن حسن الشهري -الكاتب والباحث في العلاقات الدولية–: لم تكن حرب ال 12 يوم بين إسرائيل وإيران أول اختبار لقوة وتماسك ولحمة المنظومة الخليجية، فقد مرت بالعديد من الاختبارات ابتداء من أزمة التأسيس عام 1982 ومروراً بحربي الخليج الأولى والثانية واحتلال الكويت ومحاولة زعزعة الأمن في البحرين واحتلال الجزر الإماراتية الثلاث والمشاركة في التحالف الدولي لدعم الشرعية في اليمن وما تعرضت له المملكة من استهدافات حوثية وما تعرضت له الأراضي الفلسطينية من حرب إبادة وتهجير، إلى غيرها من الأزمات في سوريا ولبنان والسودان وليبيا والحرب الروسية الأوكرانية التي مازالت تستعر. وتابع الشهري: كل هذه الأزمات كانت المنظومة الخليجية حاضرة فيها بحكمة وحنكة قادتها المعروفة في التعاطي مع الأزمات بأسلوب دبلوماسي حكيم ينطلق من عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم السماح لأي دولة بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج والانتقال من مرحلة الحياد الإيجابي في الأزمات إلى مرحلة الوسيط الموثوق الذي جعلها تعمل لإطفاء الصراعات وتجنيب العالم الأزمات الاقتصادية بعدم تسييس ملف الطاقة والعمل وفق القوانين الدولية والمعاهدات الأممية لتجنب الأزمات من خلال دبلوماسية الأمن والسلام التي تتبناها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد قدمت المملكة العربية السعودية إنموذجاً عالمياً في إدارة الأزمات والصراعات من خلال الاستثمار في توطيد الأمن والسلام وبناء تحالفات السلام الدولية كما حدث في أزمة غزة عندما نجحت الرياض في قيام التحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، ونجحت السعودية عبر سياسة الاحتواء التي قادها سمو ولي العهد -حفظه الله- من خلال لقاءاته واتصالاته بقادة الدول الكبرى والفاعلة في الشرق والغرب لإيجاد قناعة دولية بأن معسكر الأمن والسلام الذي تسعى السعودية لتحقيقه قد تفوّق على معسكر الحرب الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته المتطرفة، وقد رأينا عندما اختار الرئيس الأميركي دونالد ترمب معسكر الأمن والسلام بزيارته للرياض وعدد من دول الخليج متجاهلاً معسكر الحرب في زيارته الأخيرة للشرق الأوسط. وأكد الكاتب الشهري: واستمرت سياسة الحكمة بعد انطلاق الحرب الإسرائيلية على إيران بقرار انفرادي دون غطاء أو شرعية دولية تبادل فيها الطرفان الضربات الجوية والصاروخية ونتج عنها خسائر فادحة للطرفين ووصلت لنهايتها بعد الضربات الأميركية على مفاعل نطنز وفوردو وأصفهان، حيث شكلت هذه الضربات نهاية المواجهة وإن كانت إيران استهدفت قاعدة العديد في قطر كرد فعل يحفظ ماء الوجه إلا أنها لم تحدث أي أضرار في القاعدة، وأعلن ترمب بعدها وقف الحرب والاتفاق على وقف إطلاق النار. وقد أعلنت دول الخليج مجتمعة وقوفها التام مع دولة قطر ومساندتها في مواجهة هذا الاعتداء والخرق السافر لسيادة دولة عضو في مجلس التعاون وعبّرت جميع دول المجلس عن مساندة قطر في الدفاع عن سيادتها واستقلالها ضد العدوان الإيراني. وأضاف الشهري: ولذا نرى أنه كما أدانت دول المجلس إسرائيل في عدوانها السافر على إيران أدانت العدوان السافر على قطر من خلال بيانات قوية وواضحة صدرت من دول المجلس وتم عقد اجتماع طارئ في الدوحة برئاسة دولة الكويت الرئيس الحالي للدورة الخليجية عبّر فيه المجلس عن شجبه للاعتداء الإيراني على قطر وأكد على دعمه ووقوفه الدائم مع الشقيقة قطر ودعوة الأممالمتحدة والمجتمع الدولي للاضطلاع بمسؤولياته ضد الاعتداء على سيادة الدول مما يقوّض الأمن والسلم العالميين. وختم حديثه بقوله: من هذا يتضح الموقف الخليجي من الأزمات والصراعات الدولية وهو موقف ثابت يعتمد على دبلوماسية الأمن والسلام والسعي لإنهاء الصراع مع التأكيد على عدم السماح باستخدام أراضي أو أجواء دول المجلس لشن أي عدوان على أي دولة أخرى. وقد حظي هذا الموقف الثابت بشكر وإشادة العالم وشكر وإشادة القادة الإيرانيين وعلى رأسهم الرئيس الإيراني السيد بزشكيان الذي اتصل بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- وعبر عن شكر إيران على موقف المملكة الداعم لإيران ضد الاعتداء الإسرائيلي وجهود سموه مع قادة العالم لوقف العدوان الإسرائيلي وعبّر عن امتنان إيران للمملكة ملكاً وحكومة وشعباً للموقف الإنساني الذي وجه به خادم الحرمين الشريفين باستضافة الحجاج الإيرانيين البالغ عددهم 76 ألف حاج وتوفير كل الاحتياجات حتى وقت مغادرتهم وفتح المطارات الإيرانية. كما شكر الرئيس الإيراني قادة دول المجلس على موقفهم الثابت والداعم للسلام. سيادة واستقلال القرار فيما ذكر د. مطلق المطيري -أستاذ الإعلام السياسي جامعة الملك سعود- أن دول الخليج وإيران منذ قيام الثورة الإيرانية 1979 وهم في صراع متصاعد بأدواته السياسية والفكرية وحتى العسكرية، وذلك بسبب اعتماد إيران على نظرية تصدير الثورة، والتصدير بالمقام الأول كان موجهاً للعراق والدول الخليجية. فكانت الحرب العراقية الإيرانية 1980 التي تبنت بها الدول الخليجية موقفاً مؤيداً للعراق ما عدا عمان، وما تلا ذلك من أحداث سواء تفجيرات بالداخل الخليجي أو أعمال استخباراتية تهدف للأضرار بالاستقرار الأمني في الخليج. إيران في تلك الفترة تتعامل مع الدول الخليجية ليس كدول مستقلة بل بزعم أنها منطقة تتبع لها بالنفوذ والسيطرة على الخليج والذي يعد من وجهة إيران عقيدة. وأضاف المطيري: بعد ذلك بناء الحوثي كقوة متطرفة في اليمن واستخدامه كوكيل حرب موجه للسيطرة على اليمن والأضرار بالأمن السعودي. ما أقوله هو أن وجود إيران كجار لم يكون جاراً آمناً بل قوة تعمل بكل أدواتها للسيطرة على الخليج، ومن هنا نبحث كيف كان الموقف الخليجي من الحرب الإسرائيلية الإيرانية. فالدول الخليجية منذ البداية تعاملت مع هذه الحرب بعيداً عن تاريخ الصراع الخليجي الإيراني واعتبرته صراعاً بين دولة مستقلة «إيران» ودولة معتدية «إسرائيل»، هذا هو عنوان الموقف الخليجي من هذه الحرب. الدول الخليجية تدرك بأن إيران وإسرائيل يعملان على استخدام الدول العربية كأدوات سياسية لصراعهما مع بعضهما. وتابع المطيري: كانت إيران تستخدم الميلشيات والأحزاب والحركات مثل الحوثي و»حزب الله» وحماس ونجحت في ذلك، إسرائيل أرادت أن تكون الدول معها وليس الجماعات المتطرفة، حتى تكون حربها تحمل صفة أخلاقية «مكافحة الإرهاب» تستند على ذلك أن الدول التي تحاربها تدعم الإرهاب وتسعى لامتلاك قنبلة نووية، من حيث العمل الاستراتيجي الميداني، إيران تعمل هذا وإسرائيل تكافح ذلك، ولكن كلاهما يخدمان هدفهما.. السيطرة والنفوذ في الدول العربية. وأشار د. مطلق المطيري إلى أن المملكة أدركت أهداف تلك الحرب وأعلنت موقفها الرافض للعمل العسكري الإسرائيلي واعتبرت ذلك خرقاً للسيادة الإيرانية. الدول الخليجية أثبتت أنها تملك استقلال قرارها، والسيطرة على أدوات تحقيق مصالحها. وختم حديثه بقوله: وبهذا رفضت استخدامها بهذه الحرب مثل بعض الدول العربية والميليشيات التي تستخدمها إيران أو تريد أن توصل لإسرائيل رسالة بأنها تقوم بهذه الحرب حفاظا على أمن الخليج. الموقف الخليجي يقرأ من حيث السيادة واستقلال القرار، وأن الدول الخليجية ليست حركات وجماعات بل دول لها ثقلها التاريخي والسياسي. السعودية بين التهدئة والمبادرة.. دبلوماسية وقائية في وجه الحرب! وفي السياق ذاته، ذكر مبارك آل عاتي -باحث ومحلل سياسي- أن الحربُ الإيرانية الإسرائيلية، أو حربُ الاثني عشر يومًا، التي اندلعت في الثالث عشر من يونيو، لم تكن مواجهةً مفاجئة، خصوصًا لدول المنطقة التي كانت تراقب وتُرتّب أوضاعها الأمنية والسياسية لتفادي أي صراع في منطقةٍ استراتيجيةٍ قابلةٍ للانفجار في أي وقت. وهذا ما جعل دول الخليج العربي تفكّر في تقوية إطار سياسي أو أمني جامع، قابلٍ للاستمرار، يُمثّل منعة لها أمام التحديات والتهديدات. وأكد أن المملكة كانت قد قرأت المشهد منذ وقتٍ مبكر، ورصدت أن صراع الجارين اللدودين في المنطقة قادمٌ لا محالة؛ لذلك عمدت إلى إعادة علاقاتها مع إيران في 10 مارس 2023، تحت الضمانة الصينية، ووفق شروطٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ حازمة وواضحة، قائمة على عدم الاعتداء أو التدخل في الشؤون الداخلية لأيٍّ منهما. وهو الأمر الذي أدى إلى بناء الثقة، ما ساهم في نجاح السعودية في تجنيب أمنها تهديدات المواجهة الإسرائيلية - الإيرانية. بل إن السعودية لم تكتفِ بالحياد، بل أدانت الاعتداء الإسرائيلي على سيادة إيران، وذهبت أبعد من ذلك، إذ بذلت جهودًا سياسية كبيرة لصالح تطويق الأزمة قبل أن تستفحل ويتطاير شررها. وتابع: وقد جرت اتصالات هاتفية بين سمو ولي العهد والرئيس الأميركي، والرئيس الإيراني، ورئيس الوزراء البريطاني، والرئيس الفرنسي، في جهدٍ سياسيٍّ صادق ومحموم، لخلق مسارات تباحث سياسية خلفية في جنيف، لإقناع طهران وتل أبيب بسرعة وقف المواجهة، وعودة طهران إلى طاولة التفاوض في ظروف جديدة خلقتها الحرب. وختم حديثه: لقد تعاملت السعودية مع الأزمة بمسؤوليةٍ عالية، هدفها تفكيك أسباب الصراع، وإقناع دول الإقليم بأن المنطقة تتسع للجميع، وفق مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين، والالتزام الدولي بالعدالة في تطبيق القانون الدولي دون انتقائية، وأن المنظمات الدولية تبقى المرجع الحقيقي لحل النزاعات. الدبلوماسية الخليجية في مواجهة التوترات الإقليمية ذكر طلعت حافظ -كاتب اقتصادي وخبير مصرفي-، أن العالم تنفّس الصعداء، خصوصًا منطقة الشرق الأوسط، بعد انتهاء النزاع الإسرائيلي الإيراني الذي استمر لمدة 12 يومًا، شهدت خلالها المنطقة تصعيدًا غير مسبوقاً، أعقب الهجوم الإسرائيلي على منشآت داخل الأراضي الإيرانية. جاء هذا التطور الخطير ليعيد خلط أوراق التوازنات الإقليمية والدولية، ويثير مخاوف جدية من انزلاق منطقة الخليج إلى مواجهة مفتوحة، قد تمتد آثارها إلى البنية التحتية للطاقة، وأمن الملاحة البحرية في واحد من أكثر الممرات حساسية في العالم. وتابع حافظ: وفي قلب هذا التصعيد، برزت احتمالية إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز، بوصفه أحد أبرز الممرات البحرية الاستراتيجية والنقاط الجيوسياسية شديدة الأهمية عالميًا، بالنظر إلى دوره المحوري في نقل نحو 20 % من النفط العالمي، فضلًا عن كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المُسال. هذا الدور الحيوي جعل من مضيق هرمز منذ عقود يُعرف ب»شريان الطاقة العالمي»، وأي تهديد له يُنذر بتداعيات اقتصادية وأمنية واسعة النطاق. وفي السياق ذاته، أشار إلى أنه ازدادت حدة الخلافات وارتفعت احتمالية إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز، بعد قيام الولاياتالمتحدة الأميركية بشن ضربات استهدفت منشأة «فوردو» النووية الإيرانية، الحساسة. شكّل هذا التصعيد العسكري منعطفًا خطيرًا في مسار النزاع، إذ ساهم في تصعيد التوترات بشكل غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، وأسهم في إدخال الولاياتالمتحدة الأميركية بشكل مباشر إلى ساحة المواجهة. ومع توسيع رقعة الاشتباك، تحوّل النزاع إلى أزمة إقليمية–دولية مفتوحة على سيناريوهات بالغة الخطورة، خاصة بعد إقدام إيران على توجيه ضربة صاروخية استهدفت قاعدة «العديد» العسكرية في دولة قطر، والتي تضم قوات أميركية، مما عزز من احتمالات الانفجار الشامل في منطقة الخليج. وفي ظل تصاعد خطابات التعبئة العسكرية والتعبير عن «الحق في الرد»، وهو ما أثار مجددًا القلق من انزلاق الوضع نحو مواجهة شاملة تهدد أمن الخليج واستقرار ممراته المائية، وعلى رأسها مضيق هرمز. وأضاف طلعت حافظ: تعاملت دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، مع التصعيد الأخير المتمثل في الهجوم الإسرائيلي على إيران، وما تلاه من قصف أميركي للمنشآت النووية الإيرانية، ورد طهران الصاروخي الذي استهدف قاعدة «العديد» في قطر، بحذر واتزان بالغين، باتباع سياسة التهدئة والحذر الاستراتيجي في التعاطي مع هذا التصعيد الإيراني–الإسرائيلي، لا سيما بعد انخراط الولاياتالمتحدة بشكل مباشر في النزاع. وأضاف حافظ: وكما في أزمات سابقة مشابهة، جاء الموقف الخليجي موحدًا، مجسدًا حرص دول المجلس على الدعوة إلى خفض التصعيد عبر القنوات الدبلوماسية، ودعم استقرار أسواق الطاقة، وتجنب الانزلاق إلى صراعات عسكرية مباشرة قد تهدد أمن المنطقة واستقرارها الاقتصادي. وقد لعبت المملكة العربية السعودية، دوراً دبلوماسياً مهماً في التهدئة عبر اتصالات دبلوماسية من خلال علاقاتها الخليجية والدولية، والتي اتسمت بالاتزان والواقعية الاستراتيجية، إذ حرصت المملكة العربية السعودية، بصفتها أكبر مصدر للنفط في العالم، على تأكيد دورها المحوري كضامن لأمن الطاقة العالمي، ومصدر موثوق ومسؤول للطاقة، خاصة في أوقات الأزمات. دبلوماسية التهدئة الخليجية ترسم خطاً أحمر للحرب وقد أثبتت المملكة، عبر تجارب سابقة، قدرتها على تلبية الطلب العالمي في الظروف الاستثنائية، مدعومة ببنية تحتية متقدمة، واحتياطيات استراتيجية، وطاقة إنتاجية إضافية تُقدّر بنحو 3 ملايين برميل يوميًا، يمكن تسخيرها عند الحاجة لتعويض أي نقص محتمل في الإمدادات، أو لاحتواء تقلبات السوق الناجمة عن التوترات الجيوسياسية. وأردف طلعت حافظ: يَعكس هذا الموقف التزام المملكة برؤيتها الاستراتيجية في الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة العالمية، وحمايتها من الصدمات الجيوسياسية المفاجئة، بما يتسق مع دورها المحوري في تحالف «أوبك+»، وقيادتها الفاعلة ضمن مجموعة العشرين والاقتصاد العالمي ككل. وقد أسهمت الدبلوماسية السعودية، بما تملكه من نفوذ في قطاع الطاقة والعلاقات الدولية، في توجيه مسار الأزمة نحو التهدئة والاحتواء. إذ وظفت المملكة حضورها المؤثر في المحافل الدولية، مثل مجموعة العشرين والأممالمتحدة، لتأكيد أهمية ضبط النفس وتحييد قطاع الطاقة عن الصراعات المسلحة، وهو ما كان له أثر بالغ في تهدئة الأسواق وتبديد المخاوف من تصعيد شامل قد يهدد استقرار الإمدادات العالمية. وأشار طلعت حافظ: وفي خضم التوترات المتسارعة التي أعقبت الهجوم الإسرائيلي على إيران، وما تبعه من تدخل أميركي وردود إيرانية استهدفت مصالح غربية في المنطقة، برزت دول مجلس التعاون الخليجي كعامل توازن واستقرار، حريصة على تجنيب المنطقة تبعات الانزلاق إلى صراع واسع النطاق. فقد اتبعت دول المجلس، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، نهجًا دبلوماسيًا متزنًا، اتسم بالحذر الاستراتيجي والحرص على استقرار المنطقة، مع التركيز على حماية المصالح الاقتصادية الحيوية، وعلى رأسها أمن الطاقة. وأظهرت المملكة، بوصفها أكبر مصدر للنفط عالميًا، قدرتها على أداء دور مركزي في حماية استقرار أسواق الطاقة، مستندة إلى طاقتها الإنتاجية الإضافية، وبنيتها التحتية المتقدمة، وشبكة تحالفاتها الدولية. كما وعززت من استخدام نفوذها الدبلوماسي ضمن مجموعة العشرين والأممالمتحدة، لتوجيه الأزمة نحو التهدئة ومنع تفاقمها إلى مواجهة إقليمية شاملة. لقد عكست هذه الأزمة – بكل تحدياتها – أهمية الدبلوماسية الخليجية القائمة على التوازن، وأبرزت الدور الحيوي للمملكة في ضمان أمن الطاقة العالمي، ليس فقط عبر قدراتها الإنتاجية، بل أيضًا من خلال قدرتها على التأثير السياسي والاستراتيجي في مراكز القرار الدولية. وفي ظل عالم يزداد ترابطًا وتأثرًا بالتقلبات الجيوسياسية، ستبقى الدول الخليجية، والسعودية تحديدًا، ركيزة استقرار إقليمي واقتصادي عالمي، قادرة على المناورة بين التحديات وقيادة جهود احتواء الأزمات، انطلاقًا من موقعها الجغرافي، وثقلها الاقتصادي، ورؤيتها الاستراتيجية للمستقبل. هذا الترابط الخليجي قلل من آثار التأثيرات الاقتصادية المحتملة على دول الخليج، سيما وأن أكثر من 90 % من صادرات النفط في دول الخليج تمر عبر مضيق هرمز، وبالتالي أن أي تعطيل للمضيق، حتى مؤقت، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض فوري في الصادرات، وزيادة تكاليف الشحن والتأمين عبر وسائل شحن أخرى. وختم حديثه بقول: وبالتأكيد أن ارتفاع أسعار النفط عالميًا قد يعود بنفع مالي قصير المدى على دول المجلس، ولكن مع مخاطرة على مستوى الاستقرار الاقتصادي العالمي وسلاسل التوريد وارتفاع حدة الضغوط التضخمية العالمية. كما قد يكون هناك تأثير على أسواق المال والاستثمار، نتيجة لتذبذب في أسواق الأسهم الخليجية بسبب ارتفاع مستوى المخاطر الجيوسياسية، وحذر في تدفقات الاستثمار الأجنبي، لا سيما في القطاعات المرتبطة بالنقل والطاقة، إضافة إلى زيادة في تكاليف التأمين البحري على السفن القادمة إلى موانئ الخليج. ختاماً: قد أثبتت الدبلوماسية الخليجية، وعلى رأسها الدبلوماسية السعودية في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة، قدرتها على لعب دور متوازن وفاعل في احتواء الأزمات، ودرء خطر الانزلاق إلى مواجهات مفتوحة تهدد أمن واستقرار الشرق الأوسط، حيث قد عَكست تحركات دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، إدراكًا عميقًا لأهمية الحوار، والحلول السياسية، وتوظيف أدوات النفوذ الاقتصادي والدولي لصالح التهدئة. وفي عالمٍ يزداد اضطرابًا، تبرز أهمية استمرار هذا النهج القائم على الحكمة، والمرونة، وحماية المصالح الاستراتيجية، لا سيما في ملفات شديدة التعقيد كالنزاع الإيراني–الإسرائيلي، وأمن الطاقة، واستقرار الملاحة الدولية. وستبقى الدبلوماسية الخليجية ركيزة أساسية في هندسة الاستقرار الإقليمي، ليس فقط من خلال تحركاتها السياسية، بل عبر دورها البنّاء في الاقتصاد العالمي، والتحالفات الدولية، ورؤية شاملة لمستقبل أكثر أمنًا وتعاونًا. الكويت في واجهة التنسيق الخليجي.. رئاسة حازمة واستنفار داخلي مدروس وإذا كانت المملكة قد قادت المسار السياسي والدبلوماسي الإقليمي، فإن دولة الكويت، من موقع رئاستها للدورة الحالية لمجلس التعاون، تولّت مسؤولية التنسيق الخليجي المشترك، مجسّدة نهجًا خليجيًا موحّدًا في لحظة بالغة التعقيد. حيث أكّدت الكويت عبر تصريحات مسؤوليها أنها جزء فاعل من الجسد الخليجي، وأنها لا تقف على الهامش في إدارة الأزمة. وفي ظل قربها الجغرافي من مسرح الأحداث، فعّلت الدولة أدواتها الدبلوماسية والأمنية بكفاءة، وعقدت اجتماعًا طارئًا لرئاسة المجلس عبر الاتصال المرئي – في سابقة لم تحدث منذ جائحة كورونا – تأكيدًا على حساسية الظرف. كما تابعت السلطات الكويتية التطورات لحظة بلحظة، وفعّلت خطط الطوارئ الداخلية لضمان الأمن والاستقرار. ذكر ذلك وليد الجاسم -رئيس تحرير صحيفة الرأي الكويتية- قائلاً: الموقف الخليجي في حرب ال12 يوماً كان دقيقاً ومتوازناً ومنسقاً بشكل لافت يؤكد «الاحترافية السياسية» التي تعمل بموجبها منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية متجاوزة الماضي وآخذة في الاعتبار كل الأبعاد وآثار المواقف الآنية وانعكاساتها على المدى الفوري والقريب والمتوسط في ظل الحالة الإقليمية الملتهبة التي تتطلب الوضوح والحكمة بما يحفظ أمن ومصالح دول المجلس. وتابع الجاسم: ولهذا، ومنذ الساعات الأولى للهجوم الإسرائيلي على إيران لاحظنا كيف تفاعلت الدول الخليجية برفض الاعتداء وإدانته بوضوح ودعت العالم إلى وقفه، وقد كانت الكويت جزءاً من الكلّ الخليجي، وعملت على محورين أساسيين: خارجي وداخلي. في المحور الخارجي، كان التنسيق قائماً على مدار الساعة مع دول مجلس التعاون الخليجي بصفة الكويت الرئيس للدورة الحالية، وأيضاً بحكم موقعها القريب جداً من مسرح الأحداث. وأضاف وليد الجاسم: وبدا ذلك جلياً بالموقف الموحد الذي صدر بعد فترة وجيزة من الاستهداف الإيراني لقاعدة العديد في قطر، وفي كثير من الاتصالات المعلنة وغير المعلنة خلال الأيام ال12، وهو ما أرسى تحركاً خليجياً موحداً وموقفاً متطابقاً حيال الحرب يقوم على أساس إدانة الاعتداءات الإسرائيلية على إيران وفي نفس الوقت الدعوة لوقف إطلاق النار وتفعيل الحوار والأدوات الدبلوماسية. ويلاحظ أن الدول الست عقدت اجتماعها الطارئ برئاسة الكويت عبر دائرة تلفزيونية وهو ما لم يحدث إلا في فترة جائحة كورونا تعبيراً عن تعاملها الطارئ والفوري والمسؤول مع الوضع. وأضاف الجاسم: واللافت أيضا عند وقوع الضربة الأميركية للمنشآت الإيرانية أن الدول الخليجية تعاملت بنفس الموقف رغم علاقاتها التاريخية والاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة مشددة على بياناتها وما تضمنته من إدانات لمبدأ مهاجمة إيران ورفضه. وجاء الموقف الخليجي برفض الاعتداء على إيران نابعا من عدة منطلقات أبرزها التزام القانون الدولي، وعلاقة الجوار، وكون إيران دولة إسلامية. قمة الاحترافية السياسية الخليجية وبعد النظر وسد الذرائع تجلت في قدرة دول الخليج على تجاوز كل المواقف الإيرانية السابقة خلال العقود الماضية والتي مست دول المجلس خارجيا وداخليا لصالح المرحلة المقبلة ودعم حسن الجوار والاستقرار في هذه المنطقة التي أنهكتها الصراعات. المحور الداخلي: فيما ذكر الجاسم: «شهدت الكويت منذ فجر الجمعة 13 يونيو وحتى نهاية الحرب، عدداً قياسياً من الاجتماعات الداخلية لمتابعة الأوضاع لحظة بلحظة، بداية من اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع، مروراً بالاستنفار العام الذي شهدته مختلف الوزارات والجهات الحكومية، وصولاً إلى تفعيل خطط الطوارئ على كل مستوى الدولة. وقد أخذت الحكومة الكويتية كل الاحتياطات اللازمة لضمان الدفاع عن سيادة الدولة، بالتوازي مع ضمان استمرار الحياة بشكل طبيعي، وحفظ أمن جميع المواطنين والمقيمين. وأكد الجاسم أن الاجتماعات الحكومية شهدت تفعيلاً شاملاً لخطط الطوارئ، وربطاً شاملاً بين كل الوزارات والجهات الحكومية، مع التأكيد على المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية وغيرها، حيث تم بث رسائل متلاحقة للمواطنين لطمأنتهم منعاً لحدوث أي هلع نتيجة الحرب. وختم حديثه وليد الجاسم: وكانت هناك أيضاً مخاوف أخرى لدى الكويت، تتعلق بمفاعل بوشهر النووي، كونها الدولة الأقرب عليه بين دول الخليج حيث تم أيضاً وضع خطط طوارئ شاملة للتعامل مع أي تسرب نووي محتمل -وهو ما لم يحدث- ولله الحمد. العواصم الخليجية لاعب إقليمي يحسب له حساب حياد نشط ووساطة هادئة.. النضج الخليجي في اختبار الحرب! فيما قال د. ناصر خميس المطيري -مدير المرصد الخليجي للاستشارات والبحوث، دولة الكويت-: شكلت حرب الأيام ال12 بين إيران وإسرائيل اختبارًا حقيقيًا لصلابة الموقف الخليجي، حيث أظهرت دول مجلس التعاون قدرة ملحوظة على إدارة التوازن بين مقتضيات الأمن الإقليمي وتحديات الاصطفاف الدولي في لحظة توتر غير مسبوقة. فبينما دوّت صواريخ إيران قرب مضيق هرمز وطالت قاعدة العديد في قطر، برزت استجابة خليجية اتسمت بالحكمة السياسية وتقدير حجم المخاطر. وتابع المطيري فلم تنزلق العواصم الخليجية نحو التصعيد، بل اختارت مسار الحياد الإيجابي والمبادرات الدبلوماسية النشطة. ويحسب للموقف الخليجي أنه حافظ على وحدة الخطاب السياسي رغم تنوع التموضع الأمني بين دول المجلس، وتمكن من نقل رسائل واضحة للولايات المتحدةوإيران في آن، مفادها أن الخليج لن يكون ساحة لحرب وكالة جديدة. وأضاف المطيري: وقد تجلى ذلك في المساعي الهادئة التي قادتها بعض الدول الخليجية – لا سيما سلطنة عُمان والكويت – في فتح قنوات اتصال سرية ومعلنة ساهمت في تليين المواقف المتشددة لدى الطرفين، وأفضت في النهاية إلى التوافق على وقف إطلاق النار، بوساطة أميركية مشروطة. وأكد المطيري بقوله: كما يُسجل للموقف الخليجي أنه لم يجز الانحياز الكامل لأي من طرفي الصراع، بل تمسك بمبادئ احترام السيادة، وعدم استهداف البنى التحتية، ورفض استخدام أراضي دول المجلس في الهجمات المتبادلة، وهو ما ساعد في ضبط وتيرة الحرب ومنع انتقالها إلى ساحة إقليمية أوسع. وختم حديثه بقوله: إن ما يميز الأداء الخليجي في هذه الحرب هو النضج الاستراتيجي في إدارة الأزمة، حيث جمعت دول المجلس بين التحفظ الدبلوماسي والتواصل الفعّال، وبين الاستعداد الدفاعي والانفتاح السياسي، لتثبت أن الخليج قادر على أن يكون فاعلًا لا مفعولًا به، وصانع تهدئة لا مجرد متلقٍ لنتائج الحروب. خطة الطوارئ الخليجية.. جاهزية جماعية في مواجهة الأزمات العابرة للحدود من جانب آخر قال الإعلامي والمحلل السياسي الكويتي الدكتور غانم السليماني: إنه في ظل التحديات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، تبرز دول الخليج العربي كنموذج للتوازن السياسي والاستقرار الإقليمي. وأضاف السليماني أن الدول الخليجية استثمرت موقعها الاستراتيجي وثقلها الاقتصادي في صياغة سياسات خارجية متوازنة تقوم على مبادئ الحياد الإيجابي والوساطة الهادفة، ما جعلها تلعب أدوارًا محورية في حل النزاعات وتعزيز الحوار في منطقة الشرق الأوسط. ورأى السليماني أن الدبلوماسية الخليجية التي تقودها للمملكة العربية السعودية نجحت في الحفاظ على أمنها الداخلي من خلال تعزيز التنسيق بين مؤسسات المشتركة من بينها مركز الطوارئ الخليجي، كما برز ذلك في عمليات إجلاء المواطنين من إيران، والتي أظهرت كفاءة الأجهزة الحكومية في حماية مواطنيها بالخارج، وتقوم وزارات الخارجية الخليجية بدور فعال في ترسيخ الثقة بين دول مجلس التعاون الخليجي. وشدد السليماني على أهمية دور المجتمع الواعي في مواجهة حملات التضليل والشائعات، كما تسهم المؤسسات الإعلامية في تعزيز الانتماء الوطني، بينما يشكل التنسيق بين القطاعين الحكومي والخاص والمجتمع المدني دعامة أساسية لبناء جبهة داخلية قوية قادرة على الصمود أمام التحديات المتسارعة، مما يجعل من التجربة الخليجية مثالاً ناجحًا في الجمع بين الدبلوماسية الحكيمة والاستعداد الداخلي لتعزيز الأمن والاستقرار. وأفاد السليماني أثبت الموقف الخليجي المشترك خلال حرب الأيام ال12 متانته وتماسكه، حيث تجلت وحدة الصف والتنسيق السياسي والعسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي في أبهى صورها، من خلال المواقف الموحدة والتصريحات المتناغمة والدعم المتبادل في المحافل الإقليمية والدولية، ما عكس إدراكًا جماعيًا بأهمية التضامن لمواجهة التحديات الأمنية التي تهدد استقرار المنطقة، وأكد أن أمن الخليج كلٌ لا يتجزأ، وأن التعاون المشترك ليس خيارًا بل ضرورة استراتيجية راسخة. وحول التجارب الإيجابية ذكر السليماني أن مركز إدارة حالات الطوارئ لمجلس التعاون الخليجي أحد أبرز النماذج الإقليمية في التنسيق والتأهب لمواجهة الأزمات والكوارث، إذ أُسس عام 2011 وتفعّل في 2013 بناءً على توجيهات قادة دول الخليج، ليكون جهاز إنذار مبكر يُعنى بإدارة الأزمات بشكل جماعي ومنسق بين الدول الأعضاء، ويستند إلى رؤية استراتيجية تهدف إلى التميز في التعاون الإقليمي وتعزيز القدرات المشتركة عبر إدارة المعلومات وتنسيق الموارد وبناء منصات وأنظمة موحدة. وتابع السليماني: حقق المركز الخليجي إنجازات بارزة من بينها ربط أجهزة الإنذار المبكر، وتحديث سجل المخاطر الإقليمي، وتنفيذ تمرين «إسناد 1»، إلى جانب توقيع مذكرات تفاهم مع جهات علمية ودولية مثل جامعة الكويت، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، والاتحاد الأوروبي، كما يُولي أهمية كبيرة للتعاون مع مراكز التنبؤ العالمية، ويسهم في دعم الدول الأعضاء أثناء الطوارئ بتقديم الاستشارات والمساعدات الميدانية. وأوضح السليماني أن التحديات المرتبطة بتفاوت الإمكانيات والأنظمة بين الدول وصعوبة التنسيق اللوجستي، فإن المركز يعمل على تجاوزها عبر دراسات متخصصة وجهود تكاملية، ما يجعله ركيزة أساسية في منظومة الأمن والاستجابة الجماعية في الخليج العربي. وقال السليماني: يعكس مركز الطوارئ الخليجي نموذجًا متقدمًا في مواجهة التحديات المعاصرة، لا سيما تلك المرتبطة بالمخاطر العابرة للحدود، من خلال تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات. مشيراً إلى أن ما يميز المركز هو انفتاحه على الشراكات الثنائية والإقليمية والدولية، وسعيه المستمر لتطوير القدرات وبناء شبكة معلوماتية فاعلة تسهم في رفع مستوى الجاهزية الجماعية. وختم حديثه بقول: إن الانطباع الإيجابي بالمنهجية الاستباقية التي تعتمدها دول مجلس التعاون في التعامل مع الأزمات أظهر كفاءة عالية في استخدام أنظمة الرصد والإشعاع والإنذار المبكر، فضلاً عن التقنيات التشغيلية المتطورة. البحرين في مواجهة التصعيد.. مواقف حاسمة وسياسة ثابتة على خط التوازن وبينما تكرّست مواقف التنسيق في الرياضوالكويت، اختارت مملكة البحرين التعبير عن موقفها بلغة الحسم، مؤيدة الموقف الخليجي المشترك، ومؤكدة أن أمن الدول الشقيقة جزء من أمنها الوطني المباشر. حيث أدانت المنامة الهجوم الإسرائيلي على إيران منذ اللحظة الأولى، محذرة من تداعياته الخطيرة على أمن المنطقة. لكن الأكثر لفتًا، كان موقفها الصارم والداعم لقطر بعد الهجوم الإيراني على قاعدة العديد، معتبرة ذلك انتهاكًا للسيادة الخليجية كافة، لا لقطر وحدها، وأكّدت البحرين على مبدأ التضامن الكامل، وعلى ضرورة ضبط النفس والتمسك بالقانون الدولي، ودعت إلى استئناف الحوار مع طهران على أسس واضحة، ذكر ذلك رئيس تحرير صحيفة البلاد البحرينية، أ. مؤنس المريدي وقال: لا شك أن منطقة الشرق الأوسط اقتربت خلال الفترة الأخيرة من الحرب الإقليمية الشاملة كما لم تقترب من قبل، جرّاء الحرب والمواجهة الحادّة والعنيفة بين إيران وإسرائيل، وما تبعها من تداعيات، جعلت شعوب ودول المنطقة تكتم أنفاسها تحسبًا وتخوّفًا من الانزلاق إلى حرب موسعة تهدد الجميع. وأضاف المريدي: وقد تفاعلت مملكة البحرين بمسؤولية واضحة وحسم كبير مع تطورات الأحداث، انطلاقًا من كونها إحدى الدول الاستراتيجية في المنطقة، وباعتبارها دولة من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتتمتع بعلاقات وثيقة وروابط قوية مع الدول المؤثرة في مسار الأحداث في المنطقة، واستنادًا إلى نهج قيادتها الحكيمة وسياستها الخارجية القائمة على التوازن والانفتاح الإيجابي، والتأكيد على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والالتزام بالقانون الدولي، والتمسك بالحوار الدبلوماسي والطرق السلمية في حل النزاعات والصراعات، ضمانًا لترسيخ السلام والأمن والاستقرار والتنمية. وعلى ذلك، ومنذ البدايات، أدانت مملكة البحرين الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحذّرت من تداعياته الخطيرة على الأمن والاستقرار الإقليمي، داعيةً إلى التهدئة وضبط النفس وخفض حدة التوتر. وتابع المريدي: وما إن اتّسعت دائرة العنف والصراع ومسّت دولة خليجية، سارعت مملكة البحرين في إدانتها الشديدة للهجوم الذي استهدف سيادة دولة قطر من قبل إيران، كونه يُمثّل انتهاكًا صارخًا لسيادة دولة قطر ومجالها الجوي، وللقانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، مؤكّدةً وقوفها التام إلى جانب دولة قطر وتضامنها معها، وهو الأمر الذي يجسّد رابطة الأخوّة والدم والتضامن بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ويؤكد أن هذه الدول تقف في صف واحد في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة. وختم حديثه: وما إن وضعت الحرب الإيرانية – الإسرائيلية أوزارها بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن وقف شامل لإطلاق النار بين الجانبين، رحّبت مملكة البحرين بهذا الإعلان، لما له من آثار إيجابية كبيرة على دول المنطقة وشعوبها وتجنيبهم أخطار الحروب، داعيةً إلى ضرورة بذل المساعي والجهود الدبلوماسية للحوار بين دول مجلس التعاون والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ارتكازًا إلى ما يربط بينهما من دين وتاريخ وأخوّة مشتركة، وتحقيقًا للمصالح التي ستعود على دول المنطقة من التعاون والعلاقات الودية والتفاعلات الإيجابية بين الجانبين. الإمارات.. دبلوماسية نشطة واستقرار داخلي يعزّز المناعة الإقليمية وفي الوقت الذي تمسّكت فيه البحرين بموقف أخلاقي صريح، كانت الإمارات تبني على مقاربتها الخاصة، التي تجمع بين الدبلوماسية المتعددة المسارات، والاستقرار الداخلي طويل الأمد. برزت الإمارات كقوة إقليمية تجمع بين التماسك الداخلي والتأثير الخارجي. وفي ظل تصاعد الأحداث، حافظت على نبرة دبلوماسية متزنة، مبنية على علاقاتها الدولية القوية، وشراكاتها الاستراتيجية المتنوعة. اعتمدت الإمارات على أدوات القوة الناعمة، والاقتصاد المتنوع، والتنسيق الأمني، مما منحها هامشًا واسعًا للتحرك العقلاني بعيدًا عن الانفعالات. وقد أظهرت جاهزية عالية في إدارة الأزمات، نابعة من ثقة شعبية ومؤسسية متينة. ذكرت ذلك ندى الرئيسي -إعلامية إماراتية- وقالت: تمتلك الإمارات استراتيجيات وسياسات متكاملة، جعلتها نموذجاً متميزاً في التوازن بين العلاقات الدولية والاستقرار الداخلي، ومثالاً يحتذى به في المنطقة، أبرزها الدبلوماسية النشطة من خلال اعتماد الدولة على سياسة خارجية نشطة تهدف إلى بناء علاقات قوية مع مختلف الدول، مما يعزز من مكانتها في الساحة الدولية. وأضافت الرئيسي: تتضمن هذه السياسة المشاركة في التحالفات الدولية والمبادرات الإقليمية، كذلك عملت الإمارات على تنويع اقتصادها بعيدًا عن النفط، مما ساعد في تحقيق استقرار اقتصادي داخلي، إلى جانب تنوع استثماراتها في مجالات مثل التكنولوجيا والسياحة والتعليم مما يعزز من قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية. كما تركز الإمارات على أمنها وتعزيز استقرارها الداخلي من خلال استراتيجيات فعالة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وهذا يعكس قدرة الدولة على الحفاظ على استقرارها السياسي والاجتماعي. وأكدت الإعلامية الإماراتية: دولة الإمارات تعمل وفق رؤية واضحة مبنية على تعزيز قيم التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الثقافات والأديان، مما يعزز من تماسك المجتمع الداخلي ويزيد من قوتها الناعمة على الصعيد الدولي، كما تحرص على الاستثمار وتطوير قطاع التعليم، وتأسيس نظام تعليمي قوي يساهم في إعداد جيل قادر على المساهمة في التنمية المستدامة. وختمت حديثها: وعلى صعيد استراتيجية الاستجابة للأزمات، أظهرت الإمارات قدرة كبيرة على التعامل مع الأزمات، سواء كانت صحية كجائحة كورونا أو اقتصادية، مما يعزز من ثقة المواطنين والمقيمين في القيادة الرشيدة والحكومة. عُمان ومهارة الحياد.. وساطة هادئة على خط النار الإقليمي أما سلطنة عُمان، فواصلت أداء دورها الطبيعي في لحظات التوتر، مُتمسكة بخصوصيتها كدولة وساطة هادئة، تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتملك سجلًا طويلًا من الدبلوماسية الصامتة والفعالة. أكّد ذلك المحلل العُماني د. أحمد بن سالم با تميرا، مضيفاً أن وقف الحرب كان ضرورة إقليمية، وأن العودة لطاولة المفاوضات هي الحل الوحيد المستدام. وقد لعبت السلطنة، جنبًا إلى جنب مع السعودية وقطر، دورًا محوريًا في تهيئة الظروف لاستئناف المحادثات بين إيران والغرب، مستندة إلى تجربتها الطويلة في احتضان المفاوضات النووية سابقًا. وفي موقف واضح، دانت عُمان الهجوم الإيراني على قطر، وأكّدت تضامنها مع أمن الخليج الجماعي، مشددة على أن لغة التفاهم لا تزال ممكنة، وأن التصعيد ليس قدرًا محتمًا. وقال باتميرا: إن وقف حرب ال12 يومًا بين إسرائيل وإيران كان ضروريًا للمنطقة، وأن الحوار والمفاوضات والجلوس على طاولة النقاش بمصداقية وشفافية هو الحل الأمثل لحل الخلافات السياسية وغيرها. وأوضح أن قوة السلاح وشنّ الهجمات والتصريحات النارية لن تحل أي مشكلة، خاصةً وأن إيران الإسلامية تدافع عن أراضيها ومواطنيها في وجه المعتدي الذي قام بشنّ الهجمات، معتبرًا ذلك انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة. وطالب باتميرا المجتمع الدولي بتحمّل مسؤولياته ووضع حدٍّ للتعنت الصهيوني واختراقاته للقانون الدولي، لتجنيب المنطقة تصعيدًا قد يشعل فتيل صراع أوسع وأشمل في المرات القادمة، مما سيكون له عواقب وخيمة ليس على المنطقة فقط، بل على العالم أجمع. ودعا الكاتب العُماني إلى ضرورة احتواء التصعيد وعدم ترك الأمور تخرج عن السيطرة مرة أخرى، وأن تقوم الإدارة الأميركية بدورها السلمي، مشددًا على أن على الرئيس الأميركي دونالد ترمب تحقيق وعوده الانتخابية بأن يكون السلام والاستقرار شعاره في المرحلة الثانية من رئاسته للولايات المتحدة. وتابع باتميرا قوله: إن ما حدث من الجانب الإسرائيلي كان متوقعًا، لأنها تسعى للتمدد والسيطرة على المنطقة، وتنفيذ وعودها، وتوسيع حدودها بدعم من حلفائها، وأنها لا تريد وجود دولة قوية غيرها في المنطقة. لذا، فعلى الدول الصديقة ومجلس الأمن أن يكونا صادقين، ويشكّلا نواة سلام حقيقية لتحقيق الاستقرار، وأن لا يُكال بمكيالين؛ فإيران، كما أي دولة أخرى، لن تقبل بانتهاك أراضيها، أو الاعتداء على شعبها، أو تدمير بنيتها التحتية بسبب تعنت وجبروت دولة ورئيس وزراء يقتل الأبرياء والأطفال في فلسطين، ويحتل أراضي عربية. ومن هنا، شدد على ضرورة أن تنظر دول مجلس التعاون الخليجي إلى هذه الحرب من زاوية أوسع، وأن تُدرس أهدافها الحقيقية، لتجنيب المنطقة ويلات الحروب في المستقبل. وأوضح الدكتور أحمد باتميرا، أن الدور والاتصالات السياسية التي قامت بها سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية ودولة قطر لوقف التصعيد والحرب، قد آتت ثمارها. داعيًا الدول الخليجية إلى الضغط لإقناع الإدارة الأمريكية بالعودة إلى طاولة المفاوضات مع إيران، للوصول إلى حل مرضٍ لجميع الأطراف بخصوص ملف تخصيب اليورانيوم والسلاح النووي، واستكمال مراحل التفاوض التي أسهمت سلطنة عُمان في تهيئة أرضية ملائمة لها بين الجانبين. ضربة مفاجئة تقلب التوازنات الإقليمية.. استهداف قاعدة العديد والتداعيات السياسية والعسكرية وقال: إن اعتداء إسرائيل على إيران أوقف تلك المفاوضات، التي كانت تسير بطريقة إيجابية حسب مصادر خاصة. كما عبّر باتميرا عن إدانته واستنكاره للاعتداء الإيراني على قاعدة العديد الأميركية في قطر، معتبرًا أنه خطأ جسيم، لأنه اعتداء على دولة شقيقة ذات سيادة، ومؤكدًا أن هذه الضربة تُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وجدّد التأكيد على أن أمن دول مجلس التعاون الخليجي كُلٌّ لا يتجزأ، وأننا كأشقاء تجمعنا روابط الدم واللغة والدين والجوار، نقف صفًا واحدًا مع دولة قطر في مواجهة أي تهديد لأمنها وسلامة أراضيها. وفي ختام حديثه، دعا الدكتور أحمد سالم باتميرا مجلس التعاون الخليجي إلى اتخاذ خطوات فاعلة لتنشيط الجهود السلمية، والعودة إلى طاولة المفاوضات، وردع التصرفات الإسرائيلية غير المسؤولة، والعمل على استعادة الاستقرار ومنع المزيد من التصعيد، وتغليب لغة الحوار والدبلوماسية، حفاظًا على أمن المنطقة وسلام شعوبها، مؤكدًا أن كلًّا من سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية يعملان حاليًا في هذا الإطار. دونالد ترمب (يسار) برفقة أعضاء حكومته في غرفة العمليات بالبيت الأبيض (أ ف ب)