في الحلقة الماضية عن مرض الجدري والذي كان مستوطناً في منطقة نجد آخذاً في التمدد الى أجزاء أخرى من الجزيرة العربية منذ بداية الثلاثينيات الميلادية قبل أن يتحول إلى وباء شامل اجتاح كل منطقة نجد آخذاً في التمدد إلى أجزاء بعيدة من شبه الجزيرة العربية سنة 1939م وتوافق سنة 1358ه إذ تشير البريطانية فيوليت ديكسون ضمن كتابها «أربعون عاماً في الكويت» إلى أن المرض بدأ يتسلل منذ بداية الثلاثينيات إلى الكويت منقولاً من نجد بواسطة مرضى نجديين كانوا يزورون أسواق الكويت للتبضع وشراء حاجاتهم من الطعام اشتد على بعضهم المرض فأدخل مستشفى الإرسالية الأميركية في الكويت مما اضطر الحكومة الكويتية لإقامة مراكز للتطعيم ضد المرض وشهد في بداياته نفوراً من المجتمع مع انتشار شائعات أن التطعيم يؤدي إلى وفاه فورية اضطروا مرة أخرى إلى أخذ الناس جبرياً لتطعيمهم بالإكراه حينما سيّر أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر -رحمه الله- إلى البصرة لجلب المصل تتابعاً لعدم توفر وسائل التبريد مشيرة إلى أن عدد الوفيات قد تجاوز 4000 من سكان الكويت بهذا المرض وفي شهر يونيو سرها كما تقول أن غادرت الكويت إلى إنجلترا مع طفليها ولكن زوجها هارلود ديكسون المفوض السياسي في الكويت بقي وعايش الكثير من المعاناة بين الكويتيين خلال ذلك الصيف بأكمله لقد أصاب الوباء عائلة المزين صديقته فقد وجد أن إحدى الجواري وطفلها التابعين للعائلة قد أصيبوا بالعدوى وقد عزلا في خيمة صغيرة بعيداً عن قيام العائلة المعسكرة في القرب للمشرف وكانت ترعى المريضة وطفلها خادمة أخرى محصنة ضد المرض ولكنهما لم يشفيا منه ومن بين ضحايا وباء الجدري الآخرين كما قالت كان نزال كبير أدلاء الحاكم وصقارها المسؤول عن طيور الصيد وقد حزن عليه الشيخ أحمد ولما كان العرب البدائيون يعرفون دواءً واحداً لهذا الداء فقد آمنوا أن رائحة معينة تختلف في كل حاله لها القدرة على شفاء المريض إلا أن المشكلة كانت في اكتشاف نوع هذه الرائحة والتي يكون لها وحدها الفاعلية اللازمة لشفاء المريض وفي حالة نزال استعملت كل الروائح الممكنة فقد أحضرت له الفواكه والزهور والخضروات والطعام المطبوخ إلى آخره ومن ثم مرروا من أمامه الأطفال والشابات والعجائز بحثاً عن هذه الرائحة التي تشفيه ولكنه لم يتحسن وقد تضايق الشيخ أحمد جدًا. لكن وبما أن نزال كان صياداً فقد اعتقد الشيخ أنه لو استطاع اصطياد طائر حبارى فإن رائحتها ربما تكون الرائحة الفعالة وبعد أن أمضى الشيخ بضعه أيام في الصحراء أحضر إليه ثعلباً وأرنباً برياً ولكن دون جدوى ولم يعثر على أي حبارى في ذلك الوقت ويبدو أنها كانت هاجرت عائدة إلى تلال فارس لكن الشيخ أحمد لم ييأس فبعد أيام عديده قضاها مع رجاله في الصيد وصلوا إلى موقع عش فيه زوج من فراخ الحبارى وعلى الرغم أن الطائرين كانا هزيلين وفي حالة بائسة إلا أنهما أحضرا ووضعا أمام نزال ومنذ ذلك اليوم شفي نزال وامتد عمره إلى سنوات طويلة. وتختم فيوليت إلى أن المرض امتد إلى كل شارع وكل بيت فمات نصف الأطفال على الأقل حتى كانت الكويت مدينة حزينة غابت عنها ضحكات الأطفال اللاهية في الشوارع وحتى أولئك الذين شفوا من المرض ظلوا يحملون آثاره طيلة حياتهم بل إن بعضهم قد أصيب بالعور أو العمى الكامل إضافة إلى ندبات غائرة وتشوه في الوجه والأطراف (كانت تعرف هذه الآثار بدق الجدري). بدايات التطعيم في المنطقة وباء الجدري طير الحبارى