تعد المملكة العربية السعودية فاعلًا محوريًا في النظام الدولي، حيث تبنّت منذ توحيدها على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- سياسة خارجية تقوم على مبدأ تحقيق السلم والاستقرار، وقد تميزت هذه السياسة بالاعتدال، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلى جانب العمل الدائم على توحيد الصفوف العربية والإسلامية، ونزع فتيل الصراعات بكل الوسائل السلمية الممكنة. وانطلاقًا من ثقلها السياسي والديني والاقتصادي، اضطلعت المملكة بدور الوساطة في عدد من النزاعات حيث قامت باستضافة محادثات تفاوضية بين أطراف متنازعة، وقدّمت مبادرات متعددة لرأب الصدع وتحقيق التوافق، لا سيما في محيطها الإقليمي الذي شهد ولا يزال يشهد حالات من عدم الاستقرار. وقد تعزز هذا الدور بشكل لافت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي واصل النهج الحكيم لأسلافه من خلال سياسة متوازنة، تقوم على مدّ جسور التعاون مع القوى العالمية، وتقديم المبادرات السعودية للحل في ملفات شائكة، لا سيما في الشرق الأوسط. فجهود الملك سلمان -حفظه الله- اتسمت بالتركيز على توحيد المواقف العربية بما يشمل دعم الشرعية في اليمن، وتقوية مؤسسات الدولة في لبنان، والسعي لاحتواء الأزمات في السودان وسوريا. أما ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، فقد نقل السياسة السعودية إلى مستوى جديد من الفعالية الاستراتيجية على الساحة الدولية. وبرؤية شاملة وعصرية، أعاد سموه رسم ملامح الدور السعودي في العالم، مستندًا إلى رؤية المملكة 2030، التي جمعت بين الإصلاح الداخلي والتأثير الخارجي. وقد برزت في عهده مبادرات نوعية للتقارب بين الدول، وتعزيز التعاون الدولي في ملفات البيئة والاقتصاد ومكافحة الفكر المتطرف، من خلال مبادرات مثل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر ومنتدى مستقبل الاستثمار، وقيادة جهود التهدئة في المنطقة كما رسّخ سموه صورة المملكة باعتبارها دولة راعية للسلام، وقد نجحت جهوده في إعادة بناء جسور الثقة مع دول الجوار، وتعزيز الحضور السعودي في المشهد الجيوسياسي العالمي، سواء عبر علاقات فاعلة مع قوى كبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، أو عبر التوسط في صراعات معقّدة، كان أبرزها جهود المصالحة في السودان واليمن، ومبادرات الدعم الإنساني للدول المنكوبة. ويبرز موقف المملكة العربية السعودية من الأزمة السورية بوصفه شاهدًا إضافيًا على التزامها الراسخ بخيار السلام، وسعيها الدؤوب لإنهاء الصراعات عبر الحلول السياسية الشاملة. فبعد سنوات من تجميد العلاقات نتيجة للظروف المأساوية التي عصفت بسوريا، تبنت المملكة سياسة منفتحة تجاه إعادة دمج سوريا في محيطها العربي، بما في ذلك عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، إيمانًا منها بأن الحلول المستدامة تنطلق من الحوار لا من العزلة وانطلاقًا من نهجها القائم على إعادة الإعمار كمدخل للسلام والتنمية، وأعلنت المملكة عن دعم اقتصادي وإنساني واسع للشعب السوري، يشمل تمويل مشاريع إنمائية، ومساعدة القطاعات الحيوية المتضررة، والعمل على تخفيف معاناة النازحين واللاجئين، سواء داخل سوريا أو في الدول المجاورة واضطلعت المملكة بتخفيف الضغوط الاقتصادية على الدولة السورية، من خلال دعوتها الصريحة إلى رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، باعتبار أن استمرار هذه العقوبات يسهم في تعميق معاناة الشعب السوري، ويعرقل جهود إعادة الإعمار والاستقرار. وقد تجسّد هذا التحرك الدبلوماسي في موقف سعودي واضح، عبّر عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال لقاءات ومشاورات مع قوى دولية، إذ شدّد على ضرورة تبنّي مقاربة أكثر واقعية تجاه الأزمة السورية، تقوم على تشجيع مسارات الحل السياسي ودعم المؤسسات الوطنية، بدلًا من سياسات العزل والإضعاف وقد حظي هذا الطرح السعودي بقدر كبير من التفاعل الدولي، إذ تجاوبت الإدارة الأمريكية مع هذه الجهود ويعكس هذا الدور ما بات يُعرف بالدبلوماسية السعودية الواقعية، التي تمزج بين المبادئ السياسية والاعتبارات الإنسانية، والسعي إلى إحداث توازن بين دعم استقرار الدولة السورية من جهة، وتوجيه النظام الدولي نحو مراجعة أدواته العقابية حينما تؤدي إلى نتائج عكسية تطال المدنيين الأبرياء ويُعد هذا التحرك امتدادًا طبيعيًا لنهج المملكة القائم على السلام.