بدأت فصول المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران يوم الجمعة الموافق 13 يونيو 2025، وستكشف مراحلها اللاحقة إن طالت شهورها عن معادلات جديدة في الشرق الأوسط. هذه الحرب، التي طال توقّعها وطال تجنبها لعقود، تبدو أعمق من مجرد تصعيد عابر، بل ربما هي بداية لصراع قد يطول أمده ما لم يُسقط أحد النظامين خصمه، أو يُراجع النظام العالمي والإقليمي حساباته. ومما يبدو حتى الآن أن إسرائيل بدأت هذه الحرب بعد سنوات من التخطيط الدقيق بدءًا من تهيئة الأجواء بعلاقات ديبلوماسية ببعض دول المنطقة ثم الشروع في "قصّ أظفار وكلاء إيران" ثم المواجهة المباشرة مع طهران بعد دراسة المناخ الإقليمي والدولي، وكانت النتيجة لهذه الاستراتيجية الإسرائيلية هي ما تعرضه الشاشات أمامنا اليوم. وفي ظل انشغال بكين بحروب التجارة مع واشنطن، وترقب موسكو لتفهّم غربي أفضل لوضعها في أوكرانيا، ومع الدعم الغربي غير المحدود لإسرائيل، تبدو مآلات الحرب ونتائجها واضحة المعالم، ويتأكد ذلك في ظل الحقيقة الواضحة الآن حيث تحظى إسرائيل بدعم كامل من الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين الذي يقدمون لها دعمًا عسكريًا واقتصاديًا واستخباراتيًا لا مثيل له، فضلًا على الدعم السياسي في المحافل الدولية، وفرض العقوبات الاقتصادية المشددة على إيران. والصورة الأبرز اليوم أن إيران لم تجد في صراعها الحالي مع إسرائيل دولا حليفة مؤثرة في المنطقة، وهي نتيجة سنوات من سياساتها التي تجاوزت الدول لتدعم جماعات منشقّة وبعضها مصنّفة إرهابية في اليمن والعراق وسورية ولبنان، بل إن أجواء دول عربية حليفة سابقا (سورية) وحاليًا (العراق) باتت مسرحًا مفتوحًا للطائرات الإسرائيلية في هجومها الحالي على إيران. والأكثر إثارة للتساؤل هو أن الساحات العربية والإسلامية لم تشهد أي تحركات شعبية ذات قيمة لدعم إيران، وعلى المستوى الرسمي والنخبوي العربي بات يُنظر إلى هذا الاشتباك الإيراني الإسرائيلي كصراع ثنائي بين خصمين كل منهما يهدّد السلام ويقهر الشعوب، وبينما كان يُنظر إلى القضية الفلسطينية كقضية مركزية توحد الصف العربي والإسلامي، فإن استغلال طهران البراغماتي لها بصفة أداة لتحقيق أهدافها أدى إلى هذا الوضع من ضعف التعاطف مع طهران في حربها مع العدو التاريخي للجميع. أما الآثار الجيوسياسية لهذه الحرب - إن طالت - على منطقة الشرق الأوسط، فلربما سيكون منها إعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية وترتيب القوى الإقليمية في المنطقة. وقد نشهد في حال استمرار الضغط الغربي - الإسرائيلي تحولات داخلية كبرى في إيران، حيث قد يؤدي استنزاف الموارد والانكسارات العسكرية إلى تصاعد الضغط على النظام في طهران، ما قد يفتح الباب أمام تغييرات سياسية داخلية، أو انكفاء النظام إلى حدوده الجغرافية لعدة سنوات. ومن ناحية الأمن الإقليمي، فقد تشهد المنطقة مرحلة من الاستقرار النسبي في المدى القصير مع انتهاء الحرب، ولكن في المدى الطويل، قد تظهر تحديات أمنية جديدة، تظهر فيها إسرائيل أكثر ثقة بنفسها وقدراتها حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وعلى الرغم من كل ذلك فلا أحد في البلاد العربية والإسلامية يمكن أن يؤيد هذا العدوان الإسرائيلي على الشعب الإيراني وعلى إيران الحضارة، فشعب إيران يستحق العيش بسلام واطمئنان، ولعل هذه المحنة كعقاب وعواقب تحد من اتساع دوائر عقد التاريخ والأيديولوجيا في طهران وتل أبيب على حد سواء. * قال ومضى: إذا اصطدمَ التاريخُ بالجغرافيا أشعلت الأيديولوجيا نارَها في ثياب الطرفين..