سألني قريبي كيف تقرأين، كيف تستطيعين عدم التوقف. كان يقصد كيف أستطيع ترغيب نفسي في فعل يجده الناس مملا وغير جذاب، وكي أجيب كان علي أن أتصور أنني إنسان يمل من القراءة أو يجدها غير ممتعة، ثم تذكرت أنني أكون في هذه الحالة حين أقرأ كتابا لا أحبه، لذلك كان الرد الأول، لا تقرأ كتابا لا تحبه، باختصار شديد علينا فعلا أن نتعلم ألا نقرأ كتابا نشعر معه بالملل، أو نجد أننا نفتحه مغصوبين، خيارات الكتب كثيرة جدا، جدا، جدا، لذلك يصبح من غير المنطقي أن أضيع وقتي في قراءة شيء لا يعجبني. من المنطقي طبعا أننا أحيانا ومن أجل مسألة معينة نحتاجها نقرأ كتابا قد لا يعجبنا، لكن في هذه الحالة، القراءة تكون بغرض الدراسة، وهي غير القراءة التي أتحدث عنها، القراءة للمتعة، إذا قرأت وأنت مستمتع، تعود عليك القراءة بكل الفوائد التي تعرفها وتسمع عنها عن القراءة، عقل جميل وغير محدود، قلب كبير، تعاطف مع الناس، فهم لمشاعرهم، معرفة بالناس وطريقة تفكيرهم، رحلات مكانية وزمانية، والأهم من كل ذلك، أنك تصبح قادرا على فهم نفسك بطريقة أفضل، وقادرا على تغيير نفسك أيضا. ذكرني سؤاله بتاريخي مع القراءة، ولماذا أحبها لهذه الدرجة، المسألة بدأت منذ الطفولة، كانت السبب أمي، هي القارئ في المنزل، هي التي كانت في طفولتها تقرأ السيرة الهلالية لوالدها في المساء، وحين أنجبت أخي كانت تحضر له كتب الأطفال من عند إخوانها، تحكي أمي أنها كانت تشتري الكتب التي انتهى من قراءتها إخوتها بنصف الثمن وتحضرها لأخي الذي كان صغيرا لم يتعلم القراءة بعد، لكنه كان يمسك الكتب وهو مستلق واضعا رجلا على رجل، مقلدا الكبار في طريقتهم في القراءة، هكذا كبر أخي على حب الكتب وتقديرها، وجئت بعده وأخذت منه هذا الحب، وهكذا، لا أتذكر نفسي بدون كتاب في يدي، منذ طفولتي، لذلك لا أستطيع أن أجيب أحدا بصدق كامل، متى بدأت القراءة، وكيف أحببتها، لأنني بدأت القراءة منذ تعلمت القراءة، كان أخي شغوفا بشراء الكتب، ككل عشاق الكتب، وكنت أراها كما يراها كنزا وأشياء ثمينة باهرة، لا أنسى اليوم الذي وصلته فيه حقيبة مليئة بالروايات كان قد أوصى صديقه الذاهب إلى مصر بإحضارها. أتذكر كمية الانبهار والسعادة على وجوهنا أنا وهو ونحن نفتح الحقيبة ونخرج ما فيها، نتأمل الكتب والفرح يملؤنا. كما هي العادة حين أبدأ الكلام عن القراءة، تنتهي المساحة ويبقى الكلام عن ذكرياتي معها لا ينتهي، أتمنى للجميع عشقا يشبه عشقي لها وأكثر، هذا العشق الذي لا يورث هما ولا يصيبك بسوء أبداً.