لم يشكل الاستيعاب معضلة في التعامل مع المنتجات الحديثة والأجهزة المتطورة أو المتهورة في أغلب الأحيان -وبكل أسف-، إذ ساهم هذا الأمر في انتشار مواقع التواصل المختلفة «وكل يقول الزود عندي»، وبقدر ما كشفت المعادن وارتباطها بالسلوك والالتزام بالأخلاق الحميدة بقدر ما ترجمت مضمون التصرف التلقائي والتفاعلات الحسية السريعة مع خلجات النفس. التواصل أصبح يتم بلمح البصر وقنواته تنوء بما لذ وطاب أو خاب وخسر، وتذكرني تقنية التواصل المتطورة بمقولة قديمة وهي «ما تشوف إلا غباره» كناية عن عدم استطاعتك معرفة هوية المدبر أو المفحط آنذاك، وهذا ما يحدث تماماً في بعض الأحيان مع الأسماء المستعارة التي تتوارى خلف هذا الأسلوب الذي يمارسه المفلسون، بصريح العبارة «الطاسة ضايعة» وصيغة التواصل والحالة تلك تكون في الهواء الذي لا يمت اإلى الطلاقة بصلة. وآمل أن يكتشف الذكاء الاصطناعي أجهزة رش العبارات المسيئة والخواطر الضالة في الأجهزة على غرار سيارات رش البعوض، وبما أن هذا المارد التقني على الأبواب فإن بالإمكان الاستفادة من محتواه في المساهمة بتهذيب السلوك وسمو الأخلاق لا سيما وأن تقنية الخوارزميات المذهلة باتت تقترب من فهم مشاعر الناس ورغباتهم ومحاكاة أحاسيسهم، بل إنه يستطيع أن يرفع من مستوى الفكر والأدب إلى حيث دروب الخير والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، فما لا يدرك كله لا يترك جله، وهذا خير مبدأ ينطلق منه المؤمن مستشعراً قيمة العقل الذي ساهم في بناء هذه الأشياء، تبارك المولى أحسن الخالقين، وها هو طائر تويتر الجميل قد غادر وولى مدبراً وضاق ذرعاً بحجم التناقضات وحالات الانفصام وأنهكته الفوضى التي لا تمت للأخلاق بصلة فكانت النتيجة إكس، قد لا يعير المرء اهتماماً لهذه الناحية، ينال من هذا ويؤذي مشاعر ذاك، وهو يعتقد بأنه لا عارف ولا معروف، وتميل به هذه الأجهزة ذات اليمين وذات الشمال ليكون أسيراً لأزرار بلهاء صنعها بنفسه، ناهيك عن الفقر الأخلاقي حينما يتم استغلال الناس وانتحال شخصياتهم وهو أمر يبعث على الأسى والحزن، إذ يتوجب أن تكون مخرجات التربية على وفاق مع سيكولوجية التلقي والقبول وقبل هذا وذاك القناعة بجدوى الخير وعمله، وحينما تهيمن العناصر الشريرة على الأفئدة من تشفي وشماتة وتمييز وكراهية وحقد وحسد فإنها لا تلبث أن تنعكس على المرسل بضغوط نفسية مقلقة لأن العبور السيئ لا يستطيع تأمين العواقب، تغول المشاعر من خلال محاكاة الأحاسيس بنبرة تميل إلى استثمار الممنوع والقفز على القيم، ما هو إلا تسويق الانتكاسات المتوارية خلف حمى الاستحواذ والتي بدورها تشترك في تمرير ضياع الأخلاق، وإذا استطاع المستخدم الإفلات من رقابة الضمير الذي يغط في سبات عميق فكيف سيفلت من عقاب من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد يكون أقرب وصف لهذه الشريحة مسبوقة الشر هو غشيم ومتعافٍ، أي أنه يملك القدرة على إيذاء الناس وهو غشيم بكل ما تعنيه الكلمة من بلاهة وبلادة، هناك مثل يقال في بعض مناطق نجد أيام بيوت الطين ويقول: «لبن لبنته أرقه» ويعني أنك أنت الذي صنعت اللِّبن بكسر اللام وأنت المعني في حمله إلى السطح وكان يطلق على من يبني بيوت الطين «ستاد». الجوال بقدر ما يضيف لك يأخذ منك، فكيف يرهن الإنسان حسناته وأعماله الصالحة تبعًا لنزوات شيطانية، يترجمها الفضول واقعًا كئيبًا تحفه التعاسة والانتكاسة من كل جانب، وتتنوع الأساليب وتتباين المحاور في هذه المواقع وقد تتشابه إلى حد التطابق وشبيه الشيء منجذب إليه، الاعتياد يسهم في إضعاف الشعور بالذنب وبالتالي فإن التكرار يفضي إلى استسهال المخالفة طبقاً لغياب الرادع الحسي كلما غفل أو استهان بمبدأ السلامة كمعيار خلاق يؤسس لبناء العلاقات بمنهجية منصفة هدفها الأسمى تجنب الاعتداء أياً كانت صفته، كما حرمه المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم، وبالله التوفيق.