حينما أعلن توحيد المملكة العربية السعودية في السابع عشر من شهر جمادى الأولى للعام 1351ه الموافق الثالث والعشرين من شهر سبتمبر للعام 1932م؛ لم يدر بخلد أي من المتفائلين أن تكون بلدا محوريا في إقليمه الخليجي والعربي والإسلامي بل العالمي، ولم يدر بخلد المتفائلين أنها ستكون بلدا اقتصاديا؛ سواء على مستوى الطاقة أو ما تمتلكه من خيرات في باطن أراضيها الممتدة من جهاتها الأربع، ولم يدرك الساسة وأرباب الاقتصاد والمال أن البلد الصحراوي القاري شديد الحرارة معظم عامه، وشديد البرودة في باقي أيامه، سيكون بلدا سياحيا يهرع إليه محبو تراثه وترابه، وما يحتضن من إرث تاريخي من آلاف السنين؛ ناهيك أنه يحتضن قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم واشتياقهم لزيارة المسجدين اللذين يشد إليهما الرحال -مكةالمكرمة والمدينة المنورة- وما حولهما من بقاع طاهرة ومدفن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أفاء الله -سبحانه وتعالى- على هذه البلاد من الخيرات والنعم؛ استغلت لبناء الأرض والإنسان، فأصبحت الأرض مخضرة، والإنسان عالما متعلما عاملا؛ يعطي من فكره وثقافته. لم يكن المال الذي وهبه الله لهذه الأرض مقصورا على أهلها؛ بل امتدت يد العطاء والبذل والسخاء بلا منّ وبلا أذى وبلا صوت وبلا رهان، تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، لعلم قادتها وولاة أمرها أن ما عند الله هو خير وأبقى وأن فضله واسع. لم يقتصر عطاؤها على فئة دون أخرى أو بلد دون آخر أو جنس دون جنس أو اختلاف معتقد، تعطي المال دون تفرقة لدين أو لون أو جنس؛ فامتد عطاؤها ليصل إلى 192 دولة من دول العالم البالغ عددها 198 دولة. تسارع لنجدة الملهوف وجبر النفوس وإعانة المحتاج، أسطولها الخيري لا يقف. حيث أسس في العام 2015م مركز تحت مسمى (مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية)، جاء في حيثيات تأسيسه الكلمة الخالدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -يحفظه الله-: «انطلاقا من تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي توجب إغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج، والمحافظة على حياة الإنسان وكرامته وصحته وامتدادا للدور الإنساني للمملكة العربية السعودية ورسالتها العالمية في هذا المجال. فإننا نعلن تأسيس ووضع حجر الأساس لهذا المركز الذي سيكون مخصصا للإغاثة والأعمال الإنسانية، ومركزا دوليا رائدا لإغاثة المجتمعات التي تعاني من الكوارث بهدف مساعدتها ورفع معاناتها لتعيش حياة كريمة»، ومنذ ذلك الوقت والمركز قائم على قدم وساق، يبسط جناحيه بمجرد سماع مناد أو مستغيث، أو سماع حدوث الكوارث؛ ليكون بمقدمة المغيثين والمساعدين؛ حيث بلغ إجمالي المساعدات المقدمة من المركز 6,413,537,046 دولارا؛ وذلك على مشاريع الأمن الغذائي والصحة والإيواء والتعليم وغيرها. وكذلك (الصندوق السعودي للتنمية) الذي يعنى بتقديم الدعم الإنمائي؛ من خلال قروض ميسرة لتمويل مشاريع إنمائية في الدول النامية للإسهام في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي في تلكم الدول ودعمها على تخطي المصاعب والتحديات التي قد تواجه مسيرتها، وصولا إلى الإسهام في تحسين مستواها المعيشي. فالمملكة منذ توحيدها على يد موحدها وباني نهضتها المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وحتى عهد الخير والبركة والنماء، عهد سلمان الخير وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -يحفظهما الله-؛ مرورا بملوكها -رحمة الله عليهم- والخير قائم والعطاء منهمر، وسيظل -بإذن الله- كذلك يده ممدودة، وتظل المملكة تظل بظلالها الوارفة كل من هو في حاجة؛ فها هي منذ أيام هرعت لإغاثة منكوبي الزلازل التي حدثت في المملكة المغربية الشقيقة، وأسطولها هبط في الجمهورية الليبية جراء الفيضانات التي حدثت هناك، ومن قبل كان لها موقع في دولة تركيا إبان الزلازل التي تعرضت لها الدولة، كما أن إعانتها لإخواننا في الجمهورية العربية اليمنية سائر على مدى الأيام؛ سواء على المستوى الصحي أو التعليمي أو الغذائي، بالإضافة إلى المساعدات المقدمة للشعب السوداني الشقيق للتخفيف من آثار الأزمة التي تشهدها البلاد؛ فالمملكة العربية السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي سيرت خمسة جسور جوية في وقت واحد لإغاثة المنكوبين والمتضررين. وفي ذكرى يومنا الوطني الثالث والتسعين؛ نسأل الله العلي القدير أن يجعل ما ينفق من خيرات عائد على حفظ بلادنا وأن يحرسها من كل مكروه، ويزيد نماءها وعطاءها وخيرها، وأن يغفر لموحدها المغفور له -بإذن الله- الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن وأبنائه الذين ساروا على نهجه، ودامت بلادنا وارفة الظلال؛ في ظل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده القوي الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -يحفظهما الله-.