تعقد القمة العربية 32 في مدينة جدة، في وقت تشهد فيه المنطقة والعالم تحولات وأحداث خطيرة، تهدد الأمن والاستقرار، على رأسها الحرب في أوكرانيا والقتال الجاري في السودان. مع تسلّمها رئاسة الدورة الحالية من الجزائر، أكد رئيس الدبلوماسية السعودية وزير الخارجية سمو الأمير فيصل بن فرحان، على أهمية الوحدة العربية في وجه التحديات والتدخلات الخارجية، في الشؤون العربية التي رفضها الوزير بقوة، مؤكدًا على وجوب حل مشكلات المنطقة داخليًا بعيدًا عن المؤثرات الأجنبية. وتتجه أنظار العالم إلى قمة جدّة لأنها ربما تكون القمة الأصعب في تاريخ الجامعة العربية، التي ظلت قراراتها طوال تاريخها، مجرد حبر على ورق، لكن قيادة المملكة ممثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان، مصممة على إنجاح هذه القمة واتخاذ قرارات عملية نافذة وملزمة. بعد الاتفاق مع إيران، برعاية صينية وتهدئة الوضع في اليمن، انفجرت الاشتباكات في السودان، وشنّت إسرائيل عدوانها الوحشي على قطاع غزة، المحاصر وتمعن في اضطهاد الشعب الفلسطيني لأن الأطراف المغذية لها لا تريد لهذه المنطقة أن تشهد هدوءًا أو استقرارًا وازدهارًا، إلا من خلال مشروعها التفتيتي. لقد خرجت قيادة المملكة بكثير من الدروس، المستفادة من حرب اليمن وتداعياتها السياسية والأمنية والاقتصادية . لقد أصبحت قيادة المملكة، بفضل قراءة التجارب التاريخية والخبرات المتراكمة، تدرك ما وراء لعبة الأمم هذه، سواء من البعيد أو القريب. ومع أن هذه القيادة عُرفت بصبرها وحكمتها، إلا أنه سيأتي يوم عندما يفيض الكيل، وتكشف فيه الحقائق، ومن هذا المنطلق، اتخذت المملكة موقفًا مستقلاً من الحرب في أوكرانيا، والحفاظ على استقرار أسعار النفط في السوق العالمي، وهو الموقف الذي أغضب الكثيرين. لكن هذا لم يؤثر في صلابة الموقف السعودي، لأنها تعرف كيف ترد على النفاق الغربي وسياسات الكيل بمكيالين، عندما يتعرض الأمر بالقضايا العربية المصيرية. ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين، كما يقول نبينا الكريم، فإن قيادة المملكة، من خلال الاتفاق مع إيران، فوّتت الفرصة على المخططات الخبيثة وانتزعت اعترافًا من القيادة الإيرانية، بأنها قوة كبرى ولاعب أساسي في السياسة الإقليمية والدولية. أما الموضوع السوري، فترى قيادة المملكة أنه يجب أن يحل ضمن البيت العربي، ولهذا جاء قرار الجامعة العربي بعودة سورية إلى عضويتها، ودعوة رئيسها لحضور قمة جدّة. وهذا القرار أثار حفيظة الدول التي تعارض رفض التطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد، ولا تدعم عودته إلى الجامعة العربية، بدعوى قانون قيصر، والمآسي التي لحقت بالشعب السوري. وكنا نتمنى ألا تعمل الإدارة الأمريكية بحماس لتشجيع دول عربية على التطبيع مع إسرائيل، على الرغم من المآسي التي سببتها للشعب الفلسطيني، الذي أحيا هذا الأسبوع الذكرى الخامسة والسبعين لنكبته، ولا ندري إلى متى ستستمر لأن هذا الكيان المحتمل أفلت من العقاب وليس النظام السوري وحده. لكن المملكة قالت بأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية لن يكون مجانيا لأن على النظام السوري أن يقوم بخطوات عملية لضمان عودة اللاجئين السوريين وضمان أمنهم وحريتهم ومنع تهريب المخدرات إلى المملكة ودول الجوار. وضمن هذا السياق، فإن جهود إعادة إعمار سورية ستكون مشروطة بحل سياسي لهذه الأزمة، التي امتدت لأكثر من 11 عامًا ولم تجلب سوى الدمار والتشريد والتدخلات والاحتلالات الخارجية، والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. والمملكة لا تتفرد لوحدها في دعم العودة السورية للجامعة العربية، بل إن من يعارض هذه العودة، قالوا إنهم لن يخرجوا عن الإجماع العربي، ولهذا أصبحت الكرة في ملعب النظام السوري، ليقرأ الكتابات على الجدران ويلتزم بحل سياسي لهذه الأزمة. من الواضح أن أمام هذه القمة استحقاقات كثيرة، كما أن الوضع العربي، سياسيًا واقتصاديًا، وبخاصة في لبنان وفلسطين والسودان والشمال الأفريقي، لا يبشر بخير، كما أن مستوى المشاركة في القمة سوف يعكس جدية القادة العرب في جمع الكلمة، وعدم الخروج على الإجماع. وهذه بالتأكيد مهمة صعبة، وسوف تضع قيادة المملكة المشاركين أمام مسؤولياتهم، ولن ترضى بأن تكون القرارات من قبيل رفع العتب، مثل كل قرارات القمم العربية السابقة. .